وكان المحافظون قد تمكنوا من إقصاء الإصلاحيين من مجلس الشورى، إثر انتخابات 21 فبراير، لا سيما بعدما رفض مجلس صيانة الدستور طلبات ترشح معظم مرشحي التيار الإصلاحي. هذا الأمر أدى إلى سيطرةٍ كاملة للتيار المحافظ على البرلمان الجديد، بعد فوزه بأكثر من 200 مقعد من أصل 290، بعدما كان قد أدّى إلى تسجيل أدنى مشاركة في الانتخابات منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بلغت 42.57 في المائة. في هذا الخصوص، يذكر كذلك أن نسبة العزوف العالية عن التصويت، كانت لها أسبابها الأخرى، والتي يرتبط جلّها بتراكم المشاكل الداخلية، تحديداً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في العام 2018، والذي أفضى إلى أزمة اقتصادية ناجمةٍ عن العقوبات.
إلا أن الخلافات بين المحافظين برزت في وقت مبكر، وقبل عقد أولى جلسات البرلمان، اليوم، وذلك على خلفية "تقاسم الغنائم" بعد إقصاء الخصم الإصلاحي، بحسب ما يقول ناشطون ووسائل إعلام موالية للإصلاحيين. ويدور ذلك في إشارة إلى الصراع على تقاسم المناصب البرلمانية، خصوصاً رئاسة البرلمان، وعدم تمكن المحافظين من الاتفاق حولها خلال جولات حوار متعددة انعقدت بين مختلف التيارات المحافظة، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية حتى اليوم.
واحتدمت الخلافات بين التيارات المحافظة قبيل انتهاء دورة البرلمان العاشرة، واقتراب موعد انطلاق الدورة الحالية، بشأن هوية رئيس البرلمان الجديد، الذي سيحل مكان علي لاريجاني، الذي بقي 12 عاماً على رأس السلطة التشريعية، وهي أطول فترة لرئيس برلمان منذ قيام الثورة الإسلامية. وتتضارب التوقعات بشأن مستقبل لاريجاني السياسي، بين من يرى أنه سيكون مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في مايو/ أيار 2021، وبين من يطرح احتمال تعيينه بمنصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلفاً لعلي شمخاني، وذلك لمدة عام، وهي الفترة المتبقية لولاية روحاني. إلا أن لاريجاني، المقرّب من الإصلاحيين، والمغضوب عليه من تيارات محافظة، قال إنه سيعود إلى مهنة التدريس الجامعي.
وتنشط أربعة تيارات محافظة في البرلمان الجديد، هي: تيار المحافظين الجدد، التيار التقليدي، التيار المقرب من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (الذي يتشكّل من عدد من مدراء ووزراء حكومتيه)، وتيار جبهة "بايداري" (الصمود). حتى الآن، ليس واضحاً عدد النواب المنتمين إلى كلٍّ من هذه التيارات، إلا أن تقارير إعلامية تتحدث عن أن تيار أحمدي نجاد يستحوذ على نحو 50 مقعداً داخل البرلمان، ويبدو أنه الأكثر انسجاماً، بالمقارنة مع بقية التيارات المحافظة.
وبعد ترشيح هذه التيارات خمس شخصيات لرئاسة البرلمان، تراجع عدد المرشحين أخيراً إلى ثلاثة، هم رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف، المدعوم من المحافظين الجدد، ووزير التعليم والتربية السابق حميد رضا حاجي بابائي، مرشح تياري جبهة "بايداري" والتيار المقرب من أحمدي نجاد، ومصطفى ميرسليم، القيادي في حزب "مؤتلفة" الإسلامي، الذي يعتبر من أقدم التيارات التقليدية المحافظة، وتشكل قبل ثورة 1979. وإذا ما اقتصر التنافس على المنصب بين هذه الأسماء الثلاثة خلال جلسة اختيار الرئيس وأعضاء هيئة الرئاسة، التي ستنعقد خلال الأيام الأولى من عمل البرلمان، فسيكون التنافس الحقيقي بين قاليباف وحاجي بابائي. أما فرص فوز ميرسليم، فتبقى ضئيلة، بالنظر إلى تراجع موقع حزبه المحافظ في الانتخابات الإيرانية.
ويبقى قاليباف الأوفر حظاً، لكن ذلك لا يعني أن المنصب بات محسوماً له من الآن. فبعدما كان اسمه مطروحاً بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، كمرشحٍ بلا منازع للفوز برئاسة البرلمان، إلا أنه بات اليوم أحد المرشحين البارزين، لكونه يواجه معارضة قوية من التيار المقرب من أحمدي نجاد وجبهة "بايداري".
تحديد هوية من سيجلس على "الكرسي الأخضر" (رئاسة البرلمان)، يخضع لعوامل أخرى أيضاً، تلعب دوراً مهماً في الدقائق الأخيرة قبيل جلسة التصويت. وأبرز هذه العوامل هي تدخلات مراكز القوة خارج البرلمان، والمساومات التي تجري في اللحظات الأخيرة داخل الأطر القيادية العليا للمحافظين، فضلاً عن الانتماءات القومية والمناطقية للمشرعين، التي تدفع نواباً محافظين للتصويت لصالح مرشح تيار آخر على حساب مرشح تياره المحافظ، أو تجلب لأي من المرشحين أصواتاً بين النواب المستقلين، البالغ عددهم نحو 50 شخصاً، الأمر الذي من شأنه أن يحدث تبدلات في موازين القوى.
ويتمتع قاليباف بشبكة علاقات واسعة مع مراكز صنع القرار، وهو الأشهر لدى الإيرانيين من بقية المرشحين، لذلك قد تأتي التدخلات والمساومات لصالحه، إلا إذا حالت شبهات فساد مالي تحوم حوله، إبان توليه رئاسة بلدية طهران، دون أن ترمي الجهات الداعمة له بكل ثقلها خلفه. كما أن المشرعين الإصلاحيين غير المعروفين في البرلمان الجديد، الذين يقل عددهم عن الـ20، يميلون إلى قاليباف، لكونه أقل تشدداً من المحافظين الآخرين.
ولا يُتوقع أن يكون قاليباف "رئيساً قوياً" للبرلمان في حال ظفره بالمنصب، بل قد يصبح رئيساً شرفياً، فيما سيكون للمحافظين المتشددين الدور الأكبر في رسم توجهات مجلس الشورى الإسلامي، خلال دورته الجديدة، وفق توقعات مراقبين إيرانيين، من بينهم إعلاميون محافظون.
كما من شأن غياب الخصم المشترك، أي الإصلاحيين، وتضارب المصالح بين الأطراف المحافظة، أن يوسع رقعة الخلافات بين المحافظين. إلا أن هذه الخلافات ستبقى على الأغلب مضبوطة الإيقاع لمدة عام، حتى نهاية الولاية الثانية لروحاني، لأن وجود حكومة على خلافٍ مع المحافظين، من شأنه أن يؤجل احتدام الصراع الداخلي بينهم، ويشغلهم بمضايقتها. بالتالي، بقية هذا العام لن تكون سهلة على حكومة روحاني، على الرغم من إعلان الأخير مدّ يد الصداقة للبرلمان الجديد في تغريدة على "تويتر"، نشرها أول من أمس الإثنين. ومن المتوقع أن تتصاعد هجمات مختلف التيارات المحافظة والمشرعين المحافظين الجدد ضده، ليس فقط بسبب خلافات في الرؤى والبرامج، وإنما لناحية التحضير للانتخابات الرئاسة المقبلة، على أمل استرجاع المنصب من الإصلاحيين و"المعتدلين"، وهو أمر متوقع، في حال لم تحدث مفاجآت في الحياة السياسية الداخلية خلال المرحلة المقبلة.
وقد يعود الاحتدام داخل التيار المحافظ إلى الواجهة بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفوز المحافظين المحتمل فيها. هذا الفوز قد يقود إلى تشكيل حكومة جديدة يريدها المرشد الأعلى علي خامنئي، أن تكون "حكومة ديناميكية وثورية"، رابطاً حلّ مشاكل إيران بتشكيلها، وفق قوله في وقت سابق من شهر مايو/ أيار الحالي. حينها قد تعود مختلف أطياف المحافظين للاختلاف في ما بينها، في ظل غياب الخصم التقليدي داخل أركان السلطة.