وكانت الخلافات بين الطرفين تطورت دراماتيكياً خلال الأيام الماضية، مع اقتراب موعد المهرجان الجماهيري يوم الخميس المقبل، والذي يستعد حزب صالح لإقامته منذ شهرين، ويرى الحوثيون أنه موجه ضدهم بالدرجة الأولى، الأمر الذي دفعهم للاستنفار واتخاذ قرارات عملية، أبرزها الدعوة إلى تدشين اعتصامات لحشد المسلحين على مداخل العاصمة صنعاء، في اليوم نفسه، الذي من المقرر أن يُقام فيه مهرجان حزب صالح. واتخذت الخلافات طابع المواجهة الكلامية بين زعيم جماعة "أنصار الله" في اليمن، عبدالملك الحوثي والرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، فضلاً عن دخول قيادات من الطرفين على خط المعركة.
وبعدما وجّه زعيم جماعة "أنصار الله" في اليمن، عبدالملك الحوثي، يوم السبت الماضي، انتقادات ضمنية لحليفه حزب "المؤتمر"، الذي يترأسه صالح، وقال إن الحوثيين يتعرضون لـ"الطعن من الظهر"، رد صالح في خطاب ألقاه أمام اجتماع مع قيادات حزبه، يوم الأحد، بشكل مباشر على الحوثي، وخاطبه بالاسم قائلاً "اتفقنا على الشراكة شراكةً حقيقية في مواجهة"، ما وصفه بـ"العدوان" (التحالف)، وكذلك "إدارة شؤون البلاد سياسياً وثقافياً واجتماعياً، ولكن للأسف الشديد هناك لجان إشرافية". وأضاف صالح "إننا اتفقنا على أن اللجنة الثورية تنتهي مهمتها بتشكيل المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ، اتفقنا على هذا الأساس، لكن الذي يُمارس أن اللجنة الثورية تسيطر على المجلس السياسي الأعلى في الميدان، أي قرارات يصدرها ومش متفقة مع اللجنة الثورية بتلغى".
وتابع "هناك حكومة فوق الحكومة، وهي المكتب التنفيذي التابع لإخواننا في أنصار الله، إذن كيف تشتغل الحكومة"، كذلك تطرّق إلى تمسك الحوثيين بوجود "اللجان الثورية" في الوزارات والمؤسسات وكذلك ما يُسمى بـ"المشرف"، التابع للجماعة، والذي يتحكم بالمؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرة الطرفين، وقال صالح "نتكلم على وزير في الخارجية وإلّا في النفط وإلّا في الدفاع وفوقه مشرف، السلطة هي المشرف". وهاجم صالح الحوثيين بالتعريض بـ"الملازم" الفكرية، والتي يعتبرونها مرجعهم، قائلاً إن "الدستور واللوائح والأنظمة (التي يطالب الحوثيون بالعمل بها) ليست ملزمة".
ورد صالح على حديث الحوثي حول وجود ما يُسمى بـ"الطابور الخامس"، باعتبار أن هذا الطابور موجود في الجماعة، وأنه من وجّه الدعوة لإقامة اعتصامات في مداخل صنعاء، في اليوم الذي من المقرر أن تُقام فيه فعالية جماهيرية لحزب صالح، في ميدان السبعين.
وألمح صالح إلى توتر قد تشهده العاصمة، على خلفية نشر الحوثيين ما يُسمى بـ"اللجان الشعبية"، وقال إنه يعتقد أن الحوثي يدفع بعدد منهم "لمساعدة المؤتمرين على حفظ أمن العاصمة، فربما أنهم جاءوا لمساعدتكم وليس ضدكم" (مخاطباً أنصاره). لكن صالح عاد في السياق نفسه، ليوصل رسالة تحذيرية قال فيها إنه "بعيد أبعد من عين الشمس الذي يشتى يعمل فوضى في العاصمة ويقول أفعلها وأفحِّط (أي وأهرب) ما بش فحاط (لا يوجد هروب)". داعياً الحوثيين للمشاركة في فعالية الحزب، كضيوف بالمناسبة.
وكان الحوثي، قد تطرق في كلمة متلفزة ألقاها أمام اجتماع ما يعرف بـ"مجلس عقلاء وحكماء اليمن"، التابع للجماعة، إلى الخلافات بإشارته إلى أنه "قلنا من قبل المرحلة ليست انتخابات، وإنما اقتحامات"، في إشارة إلى النشاط الذي يقوم به حزب صالح أخيراً. وأضاف "في الوقت الذي اتجهنا بكل إخلاص لمواجهة العدوان، البعض جاء يطرح معنا في الموقف رأس إصبعه وباقي أرجله في الخلف. البعض فتح رجليه، واحدة في الوطن وواحدة خارج الوطن، أينما اتجهت الأمور اتجه معها". واعتبر الحوثي، في سياق هجومه الضمني على حليفه، أن "هناك من يُكبل القضاء ويمنع إجراء أي تصحيح، وفي الوقت ذاته يتيح للخونة أن يذهبوا إلى الرياض، ويقف في صف العدوان ومعه ظهر في صنعاء". وتابع "علامة تعجب كبيرة بحجم جبل حول عمل البعض، ممن تماهى سلوكهم مع سلوك قوى العدوان في الرياض وأبوظبي"، على حد قوله.وشملت المناكفات بين الطرفين ظهور صورة للرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، في لافتة دعائية لحزب صالح في أحد شوارع صنعاء. وظهر صالح، في الصورة، لحظة تسليمه "الراية الوطنية" إلى خلفه هادي، في حفل تسليم السلطة في العام 2012. وتحدثت مصادر مقربة من حزب صالح عن إنزال الصورة واستبدالها بأخرى، في محاولة لتهدئة اللغط الذي يُثار حولها. وعلى الرغم من ذلك، رأى بعض المعلقين أنها كانت تحمل رسالة سياسية، وقد وصلت.
أسباب عدة للخلافات
وتنطلق الخلافات بين الحوثي وصالح من أسباب وعوامل متعددة تجعل الأزمة الحاصلة مرشحة للتحول مباشرة من التحالف إلى الصراع المباشر، الذي يستدعي من كل طرف حشد أوراقه وعوامل قوته، ليس بالضرورة لمواجهة مسلحة، بل لإثبات كل طرف قوته وقدرته على التأثير في المآلات المحتملة للحرب وفرص التسوية، وعلى التحكم بمجرى الأمور في مناطق سيطرة الطرفين. وعلى الصعيد ذاته، وفي ظل تمتع الطرفين بحضور ونفوذ مختلط ومتفاوت بين منطقة وأخرى، فإن أحد الاحتمالات هو أن يؤدي استنهاض صالح لأوراقه ونشاط حزبه والاستنفار المقابل من الحوثيين، إلى حالة يدرك معها كل طرف حجمه وقدرته في مقابل الآخر، وبالتالي قد لا تحدث مواجهة، بقدر ما تتم مراجعة أو تنازلات تجنب الطرفين الأسوأ، ما لم ترتفع حدة التصعيد، كأحد المآلات المحتملة لمجمل المعطيات.
الإمارات والقوة العسكرية
ويحظى صالح وحزبه، ضمنياً، بدعم إماراتي في الصراع المذكور، مؤشراته ليست جديدة لكنها زادت مع احتدام الخلاف بين الحليفين اللدودين، صالح والحوثي. وجاءت تغريدات وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أمس الاثنين، لتؤكد انحياز أبو ظبي لصالح، فكتب قرقاش أن "خطاب صالح الأخير ظاهره خلاف مع الشريك الحوثي حول السلطة في مناطق الإنقلاب، ويبقى أنه قد يمثل فرصة لكسر الجمود السياسي الذي كرسه تعنت الحوثي". ولم يعد سراً أن الإمارات، ومعها دوائر سعودية، تعمل على مشروع لتعويم حزب صالح، من خلال ما يقال إنه "تأهيل" نجل المخلوع، أحمد، السفير السابق لليمن في أبو ظبي، ليكون نجم المرحلة المقبلة ورمزها السياسي الأول.
ويأتي في مقدمة التساؤلات مدى قوة وسيطرة كل طرف في المناطق التي تزال تحت سيطرة الطرفين، وتشمل أغلب محافظات الشمال والغرب وجنوبي غرب البلاد، مع أهمية خاصة بالنسبة لصنعاء، باعتبارها عاصمة البلاد ومركز تجاذب النفوذ والسيطرة من قبل الطرفين. وتفيد مصادر يمنية قريبة من الشرعية لـ"العربي الجديد"، بأن الحوثيين، وإلى ما قبل تصاعد الحرب وبدء التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية، كانوا يملكون قوة مليشياوية من المسلحين التنظيميين ومن مجندين من أبناء القبائل، تتراوح التقديرات في أعدادها بين 20 إلى 40 ألف مسلح تابع للجماعة، تحت مسمى "اللجان الشعبية"، وجرى دمج أغلبهم في الجيش والأمن من خلال المؤسسات التي تسيطر عليها الجماعة وحلفاؤها في صنعاء. وعلى سبيل المثال، كشف وزير الداخلية في حكومة "الانقلابيين"، في أغسطس/ آب العام الماضي، عن دمج 18 ألف عنصر مما يُسمى بـ"اللجان الشعبية" التابعة للحوثيين في أجهزة وزارة الداخلية، وهناك أنباء عن ضم عدد قد يكون أكبر في وزارة الدفاع، فيما توزع المجندون في التشكيلات العسكرية والأمنية المختلفة. وعلى الرغم من هذه الأرقام، لا تزال الخسائر خلال الحرب هي النقطة الأهم في السياق، إذ تشير التقديرات غير الرسمية إلى سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، من مسلحي الجماعة وحلفائها خلال الحرب. ولا تكشف الجماعة عن أعداد الضحايا من المقاتلين والعسكريين، لكنها في مقابل الخسائر البشرية، قامت خلال الحرب بتجنيد أعداد غير قليلة من المقاتلين الجدد، في عمليات استقطاب وتجنيد شملت أغلب مناطق سيطرة الحوثيين والقوات الموالية لصالح.
على مستوى المسؤوليات والمناصب، يتولى منصب وزير الدفاع في حكومة الانقلابيين في صنعاء، ناصر العاطفي، (حقيبة للحوثيين، لكن الوزير ليس محسوباً على الجماعة بقدر كونه أحد العسكريين في الجيش)، في مقابل تولي قيادي حوثي منصب رئيس الهيئة العامة للأركان، وهو العميد محمد عبد الكريم الغماري، في حين أن وزير الداخلية من المحسوبين على حزب صالح، وهو اللواء محمد عبد الله القوسي، بوجود نائب وزير تابع للحوثيين في الوزارة نفسها. وفي مقابل النفوذ التقليدي والواضح، على أكثر من مستوى، لحزب صالح في صنعاء، تأتي صعدة كمحافظة شبه مغلقة ومحصنة لصالح الحوثيين. ويختلف الأمر في بقية المحافظات، وأبرزها الحديدة (غرب)، وعمران (شمال)، وذمار (جنوب صنعاء)، وصولاً إلى إب وتعز، وهي مناطق نفوذ مشترك غير واضح المعالم من حيث الحضور العسكري، لكنها على مستوى القاعدة الجماهيرية، قد تُرجح فيها كفة حزب صالح بنسبة أو بأخرى.
الجانب السياسي
سياسياً، يأتي على رأس العوامل المؤثرة في السياق، ما يتردد عن دعم إماراتي سعودي لتسوية يؤدي فيها حزب صالح دوراً، وفي الدرجة الثانية، تأتي الأوراق التي يحتفظ بها كل طرف محلياً. فعلى مستوى الحوثيين، تحتفظ الجماعة بما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، التي يرأسها محمد علي الحوثي، وتلّوح من خلالها بالعودة إلى السلطة عبر ما يُسمى بـ"الإعلان الدستوري"، الذي حكمت، من خلاله، الجماعة منفردة لما يقرب من عام ونصف العام. وحالياً يرأس "المجلس السياسي الأعلى"، المؤلف بالمناصفة بين الطرفين، قيادي في الجماعة، وهو صالح الصماد. وبالإضافة إلى ذلك، دعم الحوثيون مجالس على غرار ما يُسمى بـ"مجلس حكماء اليمن". وتتمتع الجماعة بأحزاب صغيرة متحالفة معها أو معروفة بالقرب منها كـ"حزب الحق"، وهناك شخصيات يمكن أن تظل في المنطقة الرمادية وتنحاز للمنتصر، أو تحدد موقفها على ضوء النتائج.
القبيلة... كفة من ترجح؟
عند أي صراع أو تنافس سياسي في اليمن، وفي المناطق الشمالية خصوصاً، تعتبر القبيلة عاملاً محورياً في ترجيح كفة الأطراف السياسية المتنافسة أو المتصارعة على السلطة. ويعطي الحوثيون اهتماماً ملحوظاً للخطاب الموجه إلى القبيلة، واستنهاض مشاركتها إلى جانب الجماعة ورفد الجبهات بالمقاتلين، منذ سيطرتهم على صنعاء، وخلال الحرب. ويظهر الاهتمام في بيان رئيس "اللجنة الثورية العليا"، الذي دعا خلاله إلى اعتصامات في مداخل صنعاء، موضحاً أنه خلال الفترة الماضية لعبت القبيلة اليمنية دوراً بارزاً، وكان لها "الدور البارز العملي العلني" في ما سمّاه "ثورة 21 سبتمبر/ أيلول 2014"، ذكرى اجتياح الحوثيين لصنعاء.
وخلال الأيام الماضية، سعى الحوثيون لتنظيم لقاء قبلي لأبناء مناطق سنحان وبلاد الروس، جنوب العاصمة، وهي المناطق التي يتحدر منها صالح، وتعتبر من محاور نفوذه، في وقتٍ بدت فيه خطوة الحوثيين محاولة لإثبات حضور في تلك المناطق. وفي المقابل، ومع تمتع الحوثيين بنفوذ متفاوت على القبائل المحيطة بصنعاء وفي محافظة عمران شمالها وغيرها، يبقى لصالح تاريخ طويل من النفوذ والتعامل مع مختلف القبائل ومعرفة مفاتيحها، الأمر الذي كان أحد عوامل دعم حكمه لعقود في الفترة الماضية، وحتى على مستوى قبائل كبيرة، مثل حاشد، التي كانت بزعامة الشيخ عبدالله الأحمر، والتي انقسمت بين صالح وبين أبناء الأحمر المحسوبين أيضاً كخصوم مشتركين لصالح والحوثيين. ووفقاً لذلك، فإنه يوجد نفوذ للطرفين في أوساط القبائل، مع ترجيح قد يخدم حزب صالح في بعض المناطق، مثلما قد يخدم الحوثيين في أخرى.
وكان للقبيلة دور بارز خلال توسع الحوثيين من صعدة إلى صنعاء، بالاستفادة من تسهيلات قدمها صالح، في سياق صراعه مع أولاد الشيخ الأحمر (زعماء قبيلة حاشد)، الذين كان والدهم أحد أبرز أذرع نظام صالح، لكن أبناءه أيدوا الثورة عام 2011. وتكمن أهمية هذه القبيلة، التي يقطن أغلبها في محافظة عمران، في أنها كانت أبرز عقبة في طريق الحوثيين من صعدة إلى صنعاء. وعلى مداخل العاصمة، أقام الحوثيون قبل ثلاث سنوات، اعتصامات مسلحة، أدت قبائل ما يُسمى بـ"طوق صنعاء"، في إشارة إلى قبائل المناطق التي تحيط بالعاصمة إحاطة السوار بالمعصم، دوراً بدعمها. غير أن السؤال، الذي يتردد اليوم، هل يمكن أن يتكرر هذا الدور من قبل الحوثيين ضد صالح، بعد أن دعوا إلى اعتصامات مسلحة على مداخل صنعاء، على غرار ما حدث في العام 2014؟ وهناك من يرى أن القبائل التي وقفت مع الحوثي، أو جزءاً منها، قامت بذلك بإيعاز من صالح للانقلاب على هادي، وبالتالي فقد لا تقف مع الحوثي ضد صالح، الأمر الذي لا يمكن الحسم فيه، قبل أن تتضح ملامح الحشود المقرر أن يقيمها الحوثيون على مداخل صنعاء. وهناك بعد آخر في الاعتصامات على مداخل العاصمة، يتمثل في كون ذلك يمكن أن يمهد لتطويقها أو التأثير على التحركات في مداخلها، خصوصاً أن عدداً من الأماكن التي حددتها الجماعة للاعتصام يقع قرب معسكرات كانت تحت سيطرة القوات المعروفة بالولاء لصالح.
الاقتصاد... من يخدم؟
يعتبر الجانب الاقتصادي عبئاً كبيراً في ظل الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد والحصار الذي يفرضه التحالف على مناطق سيطرة الحوثيين، باستثناء ميناء الحديدة. ومن الواضح، وفقاً للعديد من المؤشرات الواقعية، أن الواقع الاقتصادي، وأبرز عناوينه على الإطلاق عدم تسليم مرتبات الموظفين الحكوميين منذ نحو عام، من أهم عوامل تصاعد الاحتقان ضد الحوثيين، وهو ما حاول زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، في خطابه الأخير، الحديث عنه بالقول إن جماعته لا تتحمل وحدها المسؤولية عن الوضع الذي تعيشه مؤسسات الدولة.
في المحصلة، من المهم الإشارة إلى أن خلافات الحوثيين وحزب صالح، مهما بلغت حدتها، إلا أنها وبعد حرب لما يقرب من عامين ونصف العام جمعت الطرفين ضد خصوم محليين وخارجيين مشتركين، لا يزال من الممكن أن يحتويها الطرفان، أو يعملان على إبطاء وتيرتها، حتى مع احتمال وصولها في بعض الحالات إلى اشتباكات هنا أو هناك. وعلى الرغم من ذلك، فإن الافتراق يعد محصلة طبيعية لطرفين يختلف كل منهما في الكثير من الأهداف والوسائل، وجمعتهما مصالح آنية، ربما لم تعد كذلك، مع بروز ملامح مرحلة جديدة، ومع تغييرات كثيرة شهدتها البلاد، جعلتها في مرحلة أقرب إلى الانهيار، فيما التقسيم بات واقعاً إلى حد كبير.