يقول يورغن كلوب في حديث قديم مع "الغارديان"، "أحترم الكرة الهجومية وأحب روادها"، ثم ضرب مثالاً بأرسنال وبرشلونة. أرسين فينغر وكرته، يقول عنها الألماني إنها رائعة منذ سنوات، لكنها أقرب إلى الأوركسترا الهادئة، قبل أن يضيف قائلاً "لكنني أحب الضجيج، موسيقى الهيفي ميتال".
كلوب لا يتغير
لو كان فريق برشلونة هو أول فريق شاهده في حياتي، لاحترف كلوب لعبة أخرى مثل التنس، لأن كرة القدم بالنسبة له أشبه بالحرب، التنافس مهم والإثارة أفضل ما فيها. هي ليست لعبة سهلة، الجو ممطر والطقس صعب، الملعب سيئ واللعب متواصل ومستمر.
يؤكد بعضهم أن المراد ليس الجري بل بالوصول إلى الطريقة المناسبة للفوز، بينما يصرح كلوب بأن الطريقة مهمة والركض أيضاً مهم. لدرجة أن تصريحاته جاءت بالنص على لسانه، "أحب أن أشاهد فريقي يقدم عرضاً متكاملاً، وفي نفس الوقت يجري كل لاعب مسافة لا تقل عن 10 كيلومترات".
ويبدو أن المدرب الألماني لم يتغير أبداً، لا في ماينز ولا مع دورتموند، وبالتأكيد ظل على العهد رفقة ليفربول، لأن زعيم الميرسيسايد يلعب بطريقة مباشرة في البريمرليغ، يضغط على خصمه في نصف ملعبه، يحاول قطع الكرة وتنفيذ المرتدة العكسية، ويقطع لاعبوه مسافات طويلة بالكرة ومن دونها، مع فاصل من التمريرات السريعة العمودية من الخلف إلى الأمام، لذلك يقدم مباريات رائعة أمام الكبار ويعاني بعض الشيء ضد الفرق الصغيرة التي لا تعطيه مجالاً للحركة، وتواجهه بنظام رد الفعل طوال المباراة.
افتقد يورغن لآدم لالانا وكوتينيو، الإنكليزي رائع في التحرك وخلق المساحات لزملائه، بينما البرازيلي مميز في الاختراق والتسديد، مع صناعة الفرص لزملائه من العمق والأطراف، ليعاني الليفر في بداية المباراة من قلة الفرص قبل أن يعود ويتعادل ثم يتقدم عن طريق المصري صلاح، لكنه في النهاية وقع في المحظور كالعادة، بفشله في الحفاظ على النتيجة، وعدم نجاحه في تهدئة نسق المباراة بالدقائق الأخيرة، ليواجه دفاعه نفس المصير السيئ، باستقبال أهداف سهلة وارتكاب هفوات قاتلة، لأنهم في الأساس لديهم نقاط ضعف واضحة، وعندما يفشل خط الوسط في قتل المباراة وتقليل حدتها، فإن الأهداف قادمة لا محالة في شباك مينوليه، هكذا جاءت النتيجة العملية في الدقائق الأخيرة.
تغييرات فينغر
بدأ أرسنال البطولة بشكل مترنح في الشوط الأول أمام ليستر رغم تقدمه المبكر في النتيجة، وتفوقت 4-4-2 لشكسبير على 3-4-2-1 لأرسين، خصوصاً أثناء المرتدات باستغلال المساحات الشاسعة خلف بيليرين، وابتعاد الظهير الإسباني عن خط دفاعه بأمتار واضحة، ما جعل ليستر في وضعية أفضل كلما بدأ هجمته من جهة ألبرايتون، نتيجة صعود ظهيري أرسنال للهجوم، وصعوبة التغطية بعرض الملعب من جانب ثنائي المحور، تشاكا ومحمد النني، مع بطء حركة المدافع الثالث هولدينغ في حماية بيليرين من دون الكرة، لذلك تفوق ليستر بالأداء والنتيجة في أول 45 دقيقة.
لم ينتظر فينغر كعادته بل تعامل بسرعة مع المجريات الجديدة، ليسحب النني وهولدينغ ويُشرك جيرو وأرون رامسي، ثم يدفع بثيو والكوت مكان داني ويلباك، ليلعب أرسنال بطريقة رباعي الخلف، ويتحول إلى 4-2-1-3 الهجومية بوجود لاكازيت وجيرو بالقرب من منطقة الجزاء، مع دعم كلي من جانب والكوت وأوزيل بين العمق والأطراف. ولم يكتف المدير الفني بذلك ليقوم بتعديل محوري في الخطة، بقلب الظهيرين من اليمين إلى اليسار والعكس، ليصبح بيليرين على اليسار وتشامبرلين يميناً.
يعاني بيلرين من بعض المشاكل الدفاعية في بداية الموسم، لذلك قلب فينغر مركزه أثناء المباراة، ليكون ظهيراً أيسر صريحاً يتم حمايته بواسطة الإضافة الجديدة سياد كولاسيناك، اللاعب الذي يجيد التمركز كمدافع صريح وظهير في آن واحد، ليعطي فريقه أكثر من ميزة أثناء الحيازة، بعودة تشاكا بينه وبين مونريال وفتح الملعب على الطرفين، نتيجة الفعالية التي أظهرها تشامبرلين هجوماً ودفاعاً، ليسمح بوجود أكبر عدد ممكن من اللاعبين داخل منطقة الجزاء، والكوت، لاكازيت، وجيرو، حتى هدف التعديل المستحق ثم ضربة الرأس القاتلة التي أهدت أصحاب الأرض أول ثلاث نقاط في الدوري.
معاناة كونتي
وعلى عكس التوقعات كافة، خسر تشيلسي الجولة الافتتاحية على أرضه ووسط جماهيره أمام بيرنلي، في مفاجأة قلبت أوراق البريمييرليغ منذ البداية. ولعب حامل اللقب بنفس الأسلوب الضعيف الذي أنهى به الموسم الماضي، لتستمر الأخطاء الدفاعية كما هي، ويتحول العمق الهجومي إلى مجهود فردي بحت، في دلالة جديدة على الشكوك التي أحاطت بالمدرب الإيطالي ومجموعته رغم التتويج، بعد الأحاديث المتوالية من هنا وهناك بأن توتنهام كان الفريق الأفضل في الإجمال، لكنه خسر اللقب في النهاية نتيجة ضعف الدكة وغياب شخصية الكبار عن تلامذة بوكيتينو.
دفع أصحاب الأرض الثمن غالياً بطرد كاهيل في البدايات، ليتخلى كونتي عن أحد لاعبي الهجوم بوغا من أجل إشراك المدافع كريستنسن، والتحول من 3-4-2-1 إلى 3-4-2 بصعود ويليان إلى الهجوم بجوار ميشي. وارتكب الإيطالي نفس الخطأ بعدم الدفع بموراتا من البداية، رغم أن الإسباني هو البديل المنطقي والطبيعي بعد غياب دييغو كوستا. كل هذه الأمور جعلت تشيلسي في أسوأ حال، باستقبال أهداف سهلة وصعوبة خلق فرص حقيقية كافية للتسجيل حتى التأخر في الشوط الأول بثلاثة أهداف.
من الصعب القول بأن هذا الموقف هو الأول للفريق اللندني، فالبطل واجه مشاكل عديدة أمام الفرق الدفاعية في الموسم الماضي، لكن كل شيء تم حسمه عن طريق ثنائية هازارد وكوستا، الأول يراوغ ويصنع ويخترق، والثاني يزاحم المدافعين ويسجل من أنصاف الفرص. ويمكن للأمور أن تسير بشكل أفضل خلال الجولات المقبلة، مع عودة البلجيكي وتكيف موراتا مع الأجواء البريطانية، لكن ستبقى المشاكل قائمة على مستوى الخلق من الخلف، لأن ثنائية "باكايوكو-كانتي" المتوقعة ضعيفة جداً في التمرير بين الخطوط، بالإضافة لضعف الجبهة اليمنى هجومياً سواء مع أزبليكويتا أو موسيس، لكن لا يزال الوقت مع كونتي ليقلب الطاولة على الجميع كما فعل في النسخة الفائتة.
مشاكل غوارديولا
نجح مانشستر سيتي في تحقيق الفوز على حساب برايتون بثنائية، لكنه لم يُقنع جماهيره طوال المباراة، على الرغم من المستوى الرائع الذي أظهره الفريق خلال الجولة الودية الصيفية. ودخل غوارديولا المباراة بتشكيلة خاطئة بعض الشيء، عندما راهن على طريقة لعب 3-5-2، بوجود جيسوس وأغويرو في الهجوم، مع خط وسط يبدأ بفرناندينيو وينتهي بسيلفا ودي بروين، رفقة دانيلو ووالكر على الأطراف أمام ثلاثي الدفاع الصريح بالخلف.
ربما تنجح هذه الخطة في المباريات الكبيرة إذا أراد بيب حماية مرماه أولاً، لكن أمام فريق بحجم برايتون لا يهاجم من الأساس، تحول أداء السيتي إلى ما يعرف بالاستحواذ السلبي، بسبب ضعف الارتكاز فرناندينيو في البناء من الخلف، وسهولة تمريراته إلى زملائه، ليُجبر سليفا على العودة خطوات للخلف من أجل مساندته في الخروج بالكرة، بالإضافة لتداخل مهام جيسوس وأغويرو في الأمام، فالفريق يلعب بأكثر من اسم هجومي لكنه يفتقد إلى لاعب الوسط القادر على إيصال الكرة إليهم في قلب منطقة الجزاء أو أسفل الأطراف.
تأخر المدرب في تغييراته لكنه فعل المتوقع في النهاية، بدخول الألماني ساني مكان دانيلو، وإضافة لاعب قادر على المراوغة والنجاح في موقف 1 ضد 1 على الخط، ليخلق مزيداً من الفراغات أمام لاعبي العمق، لذلك سجل الأرجنتيني هدف التقدم بعد أن نجحت أجنحة السيتي في سحب دفاعات برايتون نحو الأطراف، حتى حصل المهاجم على حرية الحركة داخل الصندوق.
يحتاج مانشستر سيتي إلى تجارب أخرى حتى يصل مدربه إلى أفضل تشكيلة ممكنة، لكن لا يعبر أبداً هذا الفوز على قوة الفريق فنياً وتقنياً، لأنه بحاجة إلى عمل مضاعف خلال مقبل المواعيد، مع إمكانية الاكتفاء بمهاجم واحد والاعتماد على جناح إضافي أو صانع لعب، دون إهمال قدرة دانيلو على أداء دور المدافع الثالث عند عودة ميندي إلى التشكيلة الأساسية بالجولات المقبلة، في النهاية لم يظهر البطل الحقيقي حتى الآن.