صراع الأدمغة بين المقاومة وإسرائيل

08 يناير 2016
+ الخط -
نشرت كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، في 3 يناير/كانون ثاني الجاري، فيلماً قصيراً بعنوان "وحدة الظل"، كشفت فيه عن وجود وحدة سرية في كتائب القسام باسم "وحدة الظل"، مهمتها الأساسية الاحتفاظ بالأسرى من الجنود الإسرائيليين، ويعتبر الفيلم جزءاً من صراع الأدمغة بين القسام والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لما يحتويه من رسائل عديدة، ويمكننا اعتباره جزءاً من استراتيجية التفاوض التي ينتهجها القسام، لإبرام صفقة تبادل جديدة للأسرى المبنية على سياسة الغموض البناء.
يبدأ الفيلم بالتنبيه إلى أنه قد سمح بنشره بناءً على أمر مباشر من محمد الضيف، القائد الأعلى لكتائب القسام، في رسالة مزدوجة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ بأنّ الضيف الذي زعمت بأنها اغتالته في حرب الجرف الصامد مازال القائد الفعلي لكتائب القسام، بمعنى أنه يقوم بعمله من دون أي عائق؛ حيث ادعت وسائل الإعلام الإسرائيلية الموحى لها من الأجهزة الأمنية، تارة بأنه قد مات، وتارة أخرى بأنه أصيب إصابة بليغة تعيقه عن الحركة. ومن جهة أخرى، يشير الأمر إلى أنّ ملف التفاوض على الأسرى بيد كتائب القسام، وأنّ الكلمة الأخيرة في أي اتفاق سيتم عقده سيكون للقائد العام لكتائب القسام وليس لأي مسؤول سياسي في حركة حماس.
يلاحظ أن الفيلم قد أخرج بطريقة احترافية من ناحية التصوير والموسيقى، وبلا شك يحوي عدة رسائل للعدو الإسرائيلي، هدفها على ما يبدو تحريك ملف المفاوضات حول تبادل الأسرى، حيث يعلن أبو عبيدة (الناطق باسم القسام) أنّ "وحدة الظل" تم تشكيله وحدة منتقاة من كتائب القسام قبل حوالي عشر سنوات (أي في العام 2005) بغرض القيام بعدة مهمات، من أهمها المحافظة على الجنود المأسورين؛ وفي هذا إشارة إلى أنّ الوحدة تشكلت قبل أسر الجندي جلعاد شاليت بحوالي سنة، وهذا يعني بأن التخطيط لهذا الشكل من العمل قد بدأ قبل أسره بحوالي سنة.
سخر الفيلم بطريقة مباشرة من الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية حول مكان وظروف احتجاز شاليط، حيث أورد ما ذكرته في حينها أنّ شاليط محتجز في غرفة تحت الأرض، أو منطقة داخل صحراء سيناء، فأظهر الفيلم شاليط وهو بين آسريه في غرفة تدخلها الشمس، بل وعرضه وهو في حفلة شواء على شاطئ البحر، ما يفند دعاوى وأوهاماً كثيرة نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية حول ظروف أسر شاليط، ويعطي رسالة واضحة بأنّ كتائب القسام ملتزمة بتعاليم الإسلام التي تنص على حسن معاملة الأسرى؛ حيث يظهر شاليط بين آسريه يضحك ويأكل من الطبق نفسه الذي يأكل منه جنود وحدة الظل، بل ويظهر الفيلم بأنّ شاليت لم يكن معزولاً عن العالم الخارجي وإنما زود بتلفاز.
كشف الفيلم عن أسماء عدة شهداء منتمين لوحدة الظل، كما أظهر الفيلم مشاهد لبعض الشهداء وهم يجالسون شاليط، وبالإطلاع على أسماء الشهداء وأعمارهم بين 25-43 يمكننا الاستنتاج أنّ وحدة الظل قائمة على العمل المؤسسي، فأفراد الوحدة ينتمون لمناطق جغرافية مختلفة في قطاع غزة ولفئات عمرية متنوعة، وهذا يعني أنّ أفراد الوحدة يتم اختيارهم بدقة على أساس الكفاءة، وبأنّ هنالك توارث للخبرات؛ فوجود أفراد في الوحدة أعمارهم لا تتجاوز سنة 25 يعني بأنهم انضموا للوحدة بعد تأسيسها بعدة سنوات (الوحدة تأسست عام 2005 وهذا يعني أنّ عمر الشهيد وقتئذ كان أقل من 15 عام).
وتحمل خاتمة الفيلم رسالة على درجة بالغة من الأهمية، ربما تكون الهدف الأساسي من إصدار الفيلم، حيث يظهر الفيلم صورة معلقة على الجدار للجندي شاؤول أورون، وبجانبه صورتان مظللتان لجنديين مجهولين، ويبدو أن المقصود من هذه الرسالة الرد على طلب والدة الجندي المأسور شاؤول أورون الذي توجهت به للقسام عبر وسائل الإعلام قبل أسابيع؛ بإعطائها إشارة تفيد بوجود ابنها على قيد الحياة، حتى تثير الموضوع أمام المستوى السياسي، وتضغط من أجل عقد صفقة تبادل.
نشر القسام لصورة الجندي شاؤول دوناً عن بقية الصور، لا تؤكد ولا تنفي شيئاً حول موته أو بقائه حياً، لكنها توحي بشكل قوي، من دون تصريح بذلك على وجوده حياً، فنشر صورته ترافق مع وقوف أحد جنود القسام وبيده ورقة مكتوب بها اسم الجندي وتاريخ أسره؛ فلا يوجد معنى لتسجيل اسم الجندي وتاريخ أسره، إن كان مجرد جثة، والمعنى المستقى من المشهد يفيد بأنّ شاؤول ما زال حياً ويتم تفقد حالته دورياً على غرار ما يحدث مع الأسرى الأحياء.
يمكن القول إن الفيلم يحوي رسائل عديدة، والأكيد أنّ أجهزة الأمن الإسرائيلية ستعمل بشكل دؤوب على تحليلها، ولا نبالغ إذا وضعنا الفيلم بما يحويه من رسائل ضمن الحرب النفسية وصراع الأدمغة التي تخوضه المقاومة بشكل سري وشبه يومي مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
avata
avata
أشرف بدر (فلسطين)
أشرف بدر (فلسطين)