صديقتي.. لا تُغري سارقاً ولا شرطيّ مرور

15 يناير 2015
أعمل على إصلاح ما أفسده الدهر (Getty)
+ الخط -
لن يغريك شكلها، ستثير الخدوش على جوانبها علامات التعجب في محياك. سيزعجك ربما صوتها. ستصرخ في الشارع: "ابعدها عني". لكنني ما زلت آمل في تحويلها إلى مركبة صالحة. مركبة مهذبة ولبقة في المجتمع.

هي السيارة الأولى التي اقتنيتها لمدة طويلة. هي سيارة عمل أبي على تصليحها قبل وفاته، وحاولت أختي مواصلة ذلك، وها أنا أرثها بالأعطال والأهوال التي ألمّت بها في مشاركتها الموقف العمومي الكبير المسمى "بيروت".

تلقّيتُ عشرات النصائح بتصليحها. يستفزني جداً أولئك الذين يرمون ببطاقات إعلانية لمحلات التصليح عليها. أود أن أصرخ بهم لو حظيت بأحدهم: "تبّاً لك ولكراجك". أُسرّ كثيراً حين تخرج من مغسل السيارات الخاص. صحيح أن هناك بعض البقع التي لا تزيلها أعتى الماكينات المستوردة، لكني أستقبلها كعروس في ليلة زفافها.

تحاول جاهدة أن تبرق، لكن دون جدوى. فتلك السيارة انهالت عليها أوعية البويا تحت إحدى الورشات، وهذا ما يفسّر الأبيض فوق لونها الرمادي. كما تلقت السيارة سيلاً من الطين الأحمر المجبول خلال وقوعها في إحدى الحفر على الطريق البحري بين طرابلس وبيروت.

يومها، تم نقلها بواسطة "ونش" إلى الكراج وعادت بالسلامة. بالإضافة إلى اللونين الأحمر والأبيض، فإنّ زجاجها يشارك تشكيلة قوس القزح الخاصة بها. تعرضت لاعتداء وحشي من شاحنة محمّلة بالحديد.

كانت تُركن على جانب الطريق بكل تهذيب ووقار قبل مرور تلك الشاحنة اللعينة التي اصطدمت بها، فكسرت الزجاج. طرازها القديم، جعلني عاجزاً عن إيجاد زجاج مناسب. اضطررت إلى شراء زجاج أقرب إلى اللون الأزرق. كل لون في سيارتي يشارك لونها الرمادي يرمز إلى دورة الزمن عليها.

سيارتي لا تغري سارقاً، حتى أولئك الذين عيّنتهم البلدية لضبط المخالفات. "إنّها مخالفة بصرية"، قالها شرطي البلدية مرة بفخر، فاضطرني الأمر إلى أن أبادله الإهانة لسيارتي، فقلت: "هذه الخدوش هي ما جنته بلديتكم علينا وما جنيناه على أحد".

ليست تلك المرة الأولى التي يستفزني فيها تصرف أحدهم بحق صديقتي الرمادية. عمد أحد أصحاب محال الوجبات السريعة في حيّنا إلى إرسال صِبْيته لخدش كل سيارة تركن أمام محله، باعتبار أنّ ذلك سيمنع الزبائن من الدخول. اضطررت إلى الركن أمام محلّه ذات يوم متناسياً "بلطجته" بحق السيارات. لكن سرعان ما تذكرت أنّه سيقوم بذلك لكنه لم يفعل.

قال لي بكل لؤم: "مش محرزة حتى نخدشها"! استفزني الموضوع جداً. أسابيع قليلة وتصدّر محل الوجبات السريعة لائحة المطاعم المخالفة للمواصفات الصحية. أعلنت شماتتي حينها علناً وبكل زهو.

صديقتي التي كلّفت أبي أياماً من التعب والتي دفعت أختي أقساط ثمنها. سيارتي التي أعمل حتى الآن على إصلاح ما أفسده الدهر فيها. سيارة شريفة نظيفة عفيفة، بالمقارنة مع سيارة صاحب محل الوجبات غير المطابقة للمواصفات، حتى لو كانت موديل عام 2015.
دلالات
المساهمون