أعاد الصدام العسكري الحدودي بين الصين والهند في منطقة لاداخ في سلسلة جبال الهيمالايا، تسليط الضوء على صراع النفوذ بينهما، خصوصاً في ظلّ تضارب مصالحهما السياسية. ولم يكن مقتل 20 جندياً هندياً في 16 يونيو/حزيران الحالي، وسقوط عدد غير معروف من الجنود الصينيين، سوى تكملة لمسار كان جلياً أنه سينفجر، خصوصاً أن نيودلهي تُعدّ الطرف الأكثر قدرة على خلق التوازن مع الصين في آسيا، لاعتبارات جغرافية واقتصادية وديمغرافية. هنا يأتي دور الولايات المتحدة، بحسب الكاتبة في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ماريا أبي حبيب، التي اعتبرت أن أميركا "حاولت مع حلفائها إقناع الهند بأن تصبح شريكاً عسكرياً واقتصادياً أوثق في مواجهة طموحات الصين"، تحديداً في سياق "أكبر ديمقراطية في العالم في مواجهة أكبر دولة استبدادية في العالم".
وبحسب الكاتبة فقد "سمحت الصدامات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بتأكيد نواياه لجهة الاهتمام بتنامي دور الهند في الإقليم والعالم"، مشيرة إلى أن أزمة كورونا أفسحت المجال للهنود بالتصرّف بجرأة، وتوجيه رسائل مفادها بأن "هدفهم هو الاقتراب من الغرب". وهنا، بحسب الكاتبة، ستفضي الصدامات الأخيرة إلى تسريع الخطوات الهندية. فقد وقّعت الهند في الشهر الحالي على اتفاقية دفاع كبيرة مع أستراليا، تسمح لهما باستخدام القواعد العسكرية المشترك. ومن المتوقع أيضاً أن يشارك البلدان في مناورات تضمهما مع الولايات المتحدة واليابان "لمواجهة الصين".
وكشفت الكاتبة أنه على الرغم من محاولة القادة العسكريين في الصين والهند العمل من أجل خفض التوتر، وإعلان نيودلهي أن بكين أطلقت سراح 10 جنود اختطفتهم خلال النزاع، إلا أن سكان المنطقة وصور الأقمار الاصطناعية أظهرا أن الطرفين يدفعان بتعزيزات كبيرة إلى المنطقة، في مؤشر على ارتفاع احتمالات الصدام العسكري. وما عزّز خيار الحرب، هو قرار مودي عقد اجتماع مغلق مع كبار قادة المعارضة، لمناقشة الخطوة الهندية المقبلة. مع العلم أن شخصيات هندية عدة، دأبت على انتقاد الصين بحدّة في الآونة الأخيرة.
لكن تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من كون الجيش الهندي أحد أكبر الجيوش في العالم، إلا أنه فشل في تحدّي التحديث والتنافسية، بل إن جزءاً كبيراً من الميزانية العسكرية الهندية، البالغة 74 مليار دولار لهذا العام، مخصص للرواتب التقاعدية. في المقابل، فإن الميزانية الصينية بلغت 178 مليار دولار لهذا العام، مدفوعة بتطوير كبير لصناعة الأسلحة الصينية. أما من الناحية الاقتصادية، فقد باشرت الهند سلسلة خطوات لاستخدام سوقها الواسعة كأداة للضغط على الصين. ففي إبريل/نيسان الماضي، أصدرت السلطات تشريعاً يتطلب موافقة الحكومة على أي استثمارات من الكيانات الصينية، ما عُدّ انتكاسة كبيرة للصين التي تتطلع شركاتها إلى الخارج للنمو. كما ذكرت وكالة "رويترز"، أول من أمس الخميس، أن "الهند تخطط لرفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية".
في هذا السياق، يتوقع دبلوماسيون أن تمنع الهند شركة الاتصالات الصينية "هواوي" من دخول سوقها لبناء شبكة "5 جي"، خصوصاً أن الأميركيين يعتبرون أن الشركة تساعد الحكومة الصينية على التجسس السيبراني، ويحثون حلفاءهم على عرقلة توسّع الشركة في العالم. مع ذلك، فإن القوة الاقتصادية للهند لم تبلغ القدرة الصينية في الإنفاق الاستثماري وفي استغلال الإقراض لدول عدة.
عدا ذلك، فإن المحيط الجغرافي للهند معادٍ لها، وأقرب إلى الصينيين. فالصدام في لاداخ دفع الحكومة النيبالية للمطالبة بمنطقة كالاباني البالغة مساحتها نحو 35 كيلومتراً مربعاً، وتعتبر أن "الهند استولت عليها". وبدا موقف كاتماندو محبطاً لنيودلهي لدرجة أن وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ، طرح فرضية مفادها بأن "مطالبة النيبال بهذه المنطقة اتخذت بناء على طلب من الصين".
ونقلت أبي حبيب عن مدير المشروع الهندي في معهد "بروكينغز"، تانفي مادان قوله إن "بقاء الهند ضعيفة يسمح للصين بالتدخل أكثر". لكن بكين غير واثقة من ضعف نيودلهي، بعد نشر صحيفة "غلوبال تايمز" الناطقة الرسمية باسم الحزب الشيوعي الصيني باللغة الإنكليزية، افتتاحية اعتبرت فيها أن "الولايات المتحدة ستتخلى عن الهند في نهاية المطاف".
من جهتهما، اعتبر الكاتبان في "بلومبيرغ"، أرشانا شوداري وبيبهوداتا برادهان، في تحليلهما لشخصية مودي، بأنه "بنى صورة الرجل القوي، الذي يتخذ موقفاً عسكرياً جريئاً. وهو ما قد فعله خلال الصدامات مع باكستان، بعد مقتل 40 جندياً هندياً في فبراير/شباط 2019"، على يد مجموعة "جيش محمد" بالقرب من سريناغار، عاصمة إقليم كشمير. وأعادا التذكير بأنه أمر بشن غارات جوية داخل الأراضي الباكستانية، قبل أن يحقق فوزاً كاسحاً بالانتخابات التشريعية في إبريل ومايو 2019. لكنهما اعتبرا أنه "مع تزايد الغضب الداخلي الذي أدى إلى دعوات لمقاطعة البضائع الصينية وإنهاء العقود الحكومية مع الشركات الصينية، يحتاج مودي إلى السير بخط دقيق بين الحماسة القومية المتصاعدة والسعي إلى حل سلمي للأزمة مع بكين". وبالنظر إلى فترة ولايته الأولى (2014 ـ 2019)، فقد عمل مودي على تهدئة الخلافات مع سريلانكا وبوتان وتسوية الوضع الحدودي مع بنغلاديش، لكن الصراع الحالي مع الصين، قد يدفعه إلى إعادة تقييم أولويات الهند الاقتصادية والأمنية.
(العربي الجديد)