في 1 مايو/أيار من كل سنة، ومنذ 21 سنة، يتجمع المئات من المتظاهرين، صباحاً، لتذكر الجريمة العنصرية التي اقترفها شباب محسوبون على حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسية المتطرفة، تسللوا من تظاهرة كان يخطب فيها جان ماري لوبان، فعثروا على شاب مغربي يدعى إبراهيم بوعرام، على ضفة نهر السين فقذفوا به، مما أدى إلى غرقه، على الفور.
وكان الحدث صادماً للطبقة السياسية والنقابية، ودفع الرئيس الراحل فرانسوا ميتران لإدانة الجريمة، وحضر إلى عين المكان وألقى وردة في النهر، حيث غرق بوعرام، وأصبح الأمر تقليداً، كل سنة.
وجاءت وقفة اليوم، التي دعت إليها العشرات من الجمعيات السياسية والعمالية والمنظمات التي تهتم بحقوق الإنسان، في لحظة تاريخية مقلقة، حيث لا تزال الجرائم العنصرية مستمرة، كما أن اليمين المتطرف العنصري وصل إلى الدورة الثانية في رئاسيات فرنسا، وهو ما دفع الحاضرين في تجمع اليوم إلى أن يطالبوا السلطات الفرنسية بمحاربة، لا هوادة فيها، لكل أشكال الجرائم العنصرية، كما طالبوا بالوقوف في وجه مارين لوبان، يوم الأحد القادم، وفي الانتخابات التشريعية.
وكان مفاجأة اليوم حضور المرشح إيمانويل ماكرون، لفترة قصيرة، من دون الإدلاء بأي تصريح.
وانتهى التجمع بإلقاء باقات من الزهور في نهر السين، في نفس المكان الذي غرق فيه الشهيد إبراهيم بوعرام، في فاتح مايو 1995.
منذ سنوات عديدة أصبحت وحدة الحركة النقابية العمالية في فاتح مايو حلما بعيد المنال، فالغالب أن تتظاهر "سي جي تي"، إلى جانب "قوة عمالية"، من دون حضور "سي إف دي تي"، التي أصبحت في آخر انتخابات النقابة الأولى في القطاع الخاص.
وليس الأمر مستغربا، هذه السنة، بسبب قانون الشغل، الذي آزرته "سي إف دي تي"، فيما عارضته النقابتان الأخريان، وهو ما ترك ندوبا عميقة في الوحدة النقابية، وحتى الموقف من الدورة الثانية للرئاسيات، هو محل خلاف بين النقابات، فـ"سي إف دي تي" تدعو، من دون مواربة للتصويت لصالح ماكرون، فيما "سي جي تي" تدعو لهزيمة مارين لوبان، أما "قوة عمالية" فهي تمتنع عن اتخاذ أي موقف سياسي.
وإذا ترك جانب موقف "قوة عمالية"، فإن معظم من شارك في تظاهرة اليوم، في باريس، التي انطلقت من ساحة الجمهورية إلى الباستيل، والتي تجاوز عدد المشاركين فيها 70 ألف شخص، كانت تدعو لهزيمة لوبان، وتدافع عن المطالب التقليدية التي يحملها العمال في مثل هذه المناسبات، كزيادة الأجور ووقف التسريح وحرية العمل النقابي وغيرها.
ولم يكن من السهل العثور على صوت يدعو للتصويت، صراحة، لصالح المرشح إيمانويل ماكرون، فقد كان أنصار جان لوك ميلانشون، بأعداد كبيرة، عززها حصوله على أكثر من 7 ملايين صوت في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ومحاولات الغزل التي تنصب عليه من الشيوعيين ومن الإيكولوجيين، للحصول على تزكية حركته في الانتخابات التشريعية القادمة.
وقد أطل ميلانشون لبعض الوقت ليحيي جمهوره وأنصاره، الذين وعدوه بمواصلة المقاومة، ووزّع أنصاره في "جبهة اليسار" وفي "معا"، بيانا يقول: "7 مايو، هزيمة لوبان! ولا مهلة لماكرون، ابتداء من 8 مايو".
ويطالب البيان بـ"ألاَّ تُمنحَ مارين لوبان أي صوت"، وبأن "يُحارَب مشروع إيمانويل ماكرون، ويتم توحيد "اليسار الواقف"".
ويرى البيان أنه "يجب على القوى التي ساندت ميلانشون أن تتفق على التقدم معا، وأن تتوسع نحو ترشيحات توحد كل قوى اليسار والإيكولوجيين الذين عارضوا سياسة هولاند، والذين لا يريدون خمسة سنوات إضافية مع ماكرون."
وختم القول "بالارتكاز على نجاح ترشح ميلانشون، يتعلق الأمر، من الآن فصاعدا، بإعادة بناء يسار جديد، "يسار واقف". القوى موجودة. إنه تحدّ حاسم يجب رفعه، من الآن".
أما موقف "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية"، الذي رشّح، فيليب بوتو، فقد طالب بـ"الوقوف في وجه الجبهة الوطنية، الخطر القاتل للمعسكر الاجتماعي، وبمواجهة كل السياسات الليبرالية"، وهو ما يعني أن "ماكرون هو أفضل ممثل للسياسات الليبرالية التي طبقت منذ ثلاثين سنة/ هو الذي ألهم، حين كان وزيرا لهولاند، القوانين التي تحمل اسمه، مثل قانون الشغل. ما هو برنامجه؟ إنه القضاء على العمل 35 ساعة في الأسبوع، وتحطيم الضمان الاجتماعي، وتقليص عدد الموظفين، ثم الذهاب بعيدا في تكسير قانون الشغل"..
وككل هذه التظاهرات، التي تتم في ظل "حالة الطوارئ"، والتي شهدت حضورا بوليسيا ضخما، فقد كان كل المتظاهرين يخضعون للتفتيش، قد تخللتها مناوشات في مقدمة التظاهرة، بعد أقل من نصف ساعة، فقط، من انطلاقها، في الثانية والنصف بعد الظهر، بين فوضويين وقوات الشرطة، التي استخدمت بغزارة القنابل المسيلة للدموع، والتي تسببت في كثير من حالات التقيؤ وفقدان الوعي، لدى المتظاهرين، إضافة إلى جرح أربعة من رجال الشرطة، جراح أحدهم حرجة، واعتقال ثمانية من المتظاهرين.