رصدت صحيفة فرنسية أن مستوى العيش في القدس الشرقية تدهور في السنوات الأخيرة بالتزامن مع امتداد الاستيطان اليهودي، حيث أصبح عدد المستوطنين في القدس الشرقية 200 ألف، إلى جوار 313 ألف عربي.
ونشرت صحيفة "لاكَرْوا" الفرنسية، تقريرا لمُراسلتها في القدس الشرقية، ميليني ليبريول، على صفحة كاملة اليوم، عن الفلسطينيين المقدسيين، نقلت فيها عن عدد منهم أنهم يشعرون كما لو أنهم منفصلون عن مواطنيهم في الضفة الغربية، وفي نفس الوقت منهكون بسبب السياسة الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن المقدسي، كريم جبران، اعترافه بأن الظروف في القدس الشرقية تغيرت كثيرا عن السابق: "كان فلسطينيو الضفة الغربية في الماضي يعتبروننا محظوظين مقارنة بأوضاعهم، ولكنّ بعضَهم أصبح يقول لي: كان الله في عونكم".
وتقر الصحيفة بأنّ بقاء المواطنين العرب في منازلهم يعتبر بمثابة المقاومة. "إذا كان المسلمون يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن الدفاع عن الحرم الإبراهيمي، فإن المسيحيين، الذين يُقدرون بحدود 2 في المائة، يصمدون في القدس خوفاً من اختفاء الطائفة المسيحية".
وتلخص الصحيفة الفرنسية يوميات هؤلاء الفلسطينيين في تبرير وجودهم عبر الحرص على أدنى فاتورة كهرباء تثبت أنهم يعيشون هناك، لأن "السلطات الإسرائيلية تطاردهم بشكل مستمر، مهددة إياهم بسحب الإقامة المقدسية منهم".
وتكتب الصحيفة أن "البطاقة الزرقاء" تمنح صاحبها امتيازات تثير غيرة العديد من أقرانه في الضفة والقطاع، من حيث التأمين الاجتماعي وإمكانية التنقل بين جانبي الجدار العازل. كما تتيح لهم العمل مع إسرائيليين، في الوقت الذي يعاني فيه فلسطينيو الضفة مشاكل كبيرة في الحصول على رخصة العمل في إسرائيل منذ 2002.
لكن الحصول على البطاقة الزرقاء لا يعني أن المشاكل تنتهي، وهو ما يكشف عنه المقدسي المسيحي، عفيف عميرة:"الحياة في القدس لا تخلو من مشاكل إدارية. نحن نقاوم على جبهتين؛ أولاها التجديد السنوي لزوجتي المنحدرة من بيت لحم، لشهادتها كمُرافقة لمُقيم من القدس. والثانية الدعوى التي أقامها والداي ضد سلطات الاحتلال التي تهدد بهدم بنايتنا في حي بيت حانينة لأنها تتجاوز ثلاثة طوابق".
وتعدّد الصحيفة 112 منزلا تعرَّض للهدم في القدس الشرقية في السنة الأخيرة، وفق تقرير للمنظمة الإسرائيلية غير الحكومية، اير أميم (مدينة الشعوب).
وتقول لاكروا، إن إسرائيل التي تطمح إلى أن تجعل من القدس مدينة موحدة؛ تهمل الأحياء العربية. "القمامة لا يتم جمعُها بشكل منتظم، والشوارع لا تتوفر لها أرصفة ولا إنارة عمومية، أما النظام التعليمي فهو في حالة كارثية"، كما أن هذه الأحياء "لا تتلقى سوى 10 في المائة من ميزانية البلدية رغم أنها تضم 37 في المائة من سكان المدينة، الذين يصل عددهم إلى 850 ألف شخص، وهو ما يجعل 80 في المائة من السكان تحت خط الفقر، وفي ظل نظام تعليمي أقل تطورا من مثيله في الضفة الغربية".
ويعتقد هؤلاء الفلسطينيون، أن إسرائيل تريد دفعهم إلى المغادرة، ولكن الصحيفة ترى أن الأمر ليس صحيحا بشكل كامل، وتستشهد بالمحلل الإسرائيليّ، عوفير زالزبيرغ، الذي يرى أن الرأي العام الإسرائيليّ لا يوافق على "أسرلة" عنيفة للقدس الشرقية، وأن "كثيراً من الإسرائيليين يخشون على أمنهم في ظل سيناريو قدس موحدة"، كما أنهم يخشون من "ميزان ديموغرافي يميل لصالح الفلسطينيين في نهاية المطاف".
وتشير الصحيفة إلى تزايد عدد المقدسيين الذين يطالبون بالجنسية الإسرائيلية، والتي تتيح لهم التمتع بوضعية مستدامة أكثر من وضعية المقيم العادي، كما تتيح لهم السفر بسهولة بفضل جواز السفر الإسرائيلي، ولكن إسرائيل ومنذ سنة 2014 "لا تستجيب لهذه الطلبات، إلا نادرا".
والحالة النفسية لهؤلاء المقدسيين، الذين أصبحوا إسرائيليين (5 في المائة)، تعبّر عن مسار براغماتي، كما تختم الصحيفة، وتكشف عن "فقدان بعضهم الأمل في دولة فلسطينية عاصمتها القدس".