صحافيون سودانيون على أرصفة التشرد والضياع

05 فبراير 2020
وقفة تطالب بتحرير الإعلام من سطوةنظام البشير(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
اضطر الصحافي السوداني صديق السيد البشير، إلى كتابة منشور على صفحته الخاصة في "فيسبوك" يطلب فيه المساعدة بالبحث عن عمل، قائلاً: "بعد أن ضاقت بنا بلادنا بما رحبت، نداء إلى الأساتذة، الزملاء، الأصدقاء خارج السودان، نستميحكم عذراً في مساعدتنا بالبحث عن عمل في مجال الإعلام، لم نجد غير الفضاء الأزرق في التواصل معكم". 

يقول الصحافي البشير، والذي كان يعمل مراسلاً لقناة "الشروق" التي حجزتها السلطات السودانية قبل نحو شهر، إنه اضطر إلى كتابة المنشور بعد أن أُغلقت في وجهه كافة المنافذ الإعلامية للانطلاق إلى فضاءات جديدة داخل السودان، إثر الحجز على القناة التي يعمل فيها. ويشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه بات يشعر بالتشرد والضياع، وأصبح عاطلاً عن العمل بعد مسيرة عمل امتدت لـ5 سنوات في قناة "الشروق" التي أدار مكتبها في ولاية النيل الأبيض المحاذية لدولة جنوب السودان.

وأغلقت قناة "الشروق" التي يعمل فيها نحو 220 موظفاً، نصفهم تقريباً من الصحافيين، بناءً على قرار من لجنة إزالة تمكين نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، ومعها 3 مؤسسات إعلامية كبيرة هي قناة "طيبة" الفضائية، وصحيفتا "الرأي العام" و"السوداني"، وذلك بحجة الاشتباه في ملكية النظام السابق لها، فيما أكّدت اللجنة في تصريحاتها أن قرار الإغلاق لن يتضرر منه الصحافيون العاملون في تلك المؤسسات.

لكنّ البشير يؤكد أنّ العاملين في تلك المؤسسات تضرروا ضرراً كبيراً، مبيناً أنه شخصياً صار غير قادر على إعالة نفسه وأطفاله الخمسة. ويوضح أنه حتى راتب يناير/كانون الثاني الماضي الذي وعدت به اللجنة لم تصرفه لهم حتى الآن، مشيراً إلى أنّ "قرار الحجز على تلك المؤسسات وعدم السماح لها بمواصلة العمل كان مستعجلاً ومرفوضاً جملة وتفصيلاً بالنسبة لهم"، لأنه حسب تقديره، "من الأفضل استمرار التحقيق في ملكية تلك المؤسسات على أن تواصل رسالتها الإعلامية كالمعتاد، وفي الوقت الذي تصل فيه اللجنة إلى يقين حول الملكية تتخذ القرارات التي لا يتضرر منها إلا المئات من الصحافيين".

وينفي الصحافي البشير أن يكون لهم "أي دور في تشويه الثورة"، قائلاً إن بعض الصحافيين في الدور المحجوز عليها كان جزءاً من الحراك الثوري، لكن الكل في عمله كان يراعي المهنية "وإن ظهرت أخطاء فمردّها للإدارات أو نتيجة للضغوط الأمنية".

القناة الثانية التي تعرضت للحجز والإيقاف هي "الطيبة"، والتي كان يعمل فيها نحو 59 صحافياً ومعهم 54 آخرون في وظائف مساعدة، وجدوا أنفسهم مشردين وعاطلين عن العمل. ومنهم رئيس قسم الأخبار في القناة، عاصم محمد علي، والذي يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الضرر النفسي الذي وقع عليه أفدح من الضرر المادي، لأنه ظل يعمل لمدة 18 عاماً متنقلاً بين القنوات التلفزيونية وقبلها الصحف، باذلاً كل تلك السنوات في قصص الإنتاج ومسابقة الأخبار، ليجد نفسه فجأة بدون عمل ولا برنامج، فقط عليه البقاء في المنزل من دون أي استعداد نفسي لذلك". وحول الأضرار المادية، يقول علي إنه "لم يعد قادرا على دفع نفقات إيجار منزله، وبالتالي يتوقع أن يطرد منه في أية لحظة، هذا عدا عن عجزه عن دفع تكاليف الحياة اليومية، بما في ذلك أقساط الرسوم الدراسية لأبنائه".

أما صحيفة "السوداني"، فيعمل فيها نحو 91 موظفاً، منهم أكثر من 30 صحافياً، وحالهم حال الصحافيين في "طيبة" و"الشروق"، وكذا الحال بالنسبة للصحافيين العاملين في صحيفة "الرأي العام". تقول إيمان كمال الدين، من صحيفة "السوداني"، لـ"العربي الجديد"، إنها "شعرت بالصدمة حيال قرار إيقاف صحيفتها وجراء التوقف المفاجئ عن العمل، بالتالي توقفت إثر ذلك العديد من الأعمال التي كانت تقوم بها على صيغة التعاون مع مؤسسات صحافية أخرى لأسباب عديدة، يتعلق أولها بعدم وجود مكان ثابت لمزاولة العمل فيه، أي توفر المتطلبات المكتبية لهذا العمل".

وتشير كمال الدين إلى تصريح نائب رئيس اللجنة، محمد الفكي سليمان، التي قال فيها إن العاملين لن يتضرروا من قرارات الحجز، قائلةً "لا أفهم ماهية الضرر الذي عناه، فقد وقع الضرر مسبقاً وما زال". وتضيف: "توقفت عن العمل، ومنعت من حق التعبير في مؤسستي، حتى وإن كان الحد الأدنى من ذلك، وإن كان يعني بالضرر مادياً فلا شيء يلوح في الأفق حتى اللحظة لمحاولة فهم ماهية جبر هذا الضرر".

ولم يكن قرار إغلاق المؤسسات الأربع من دون مراعاة للصحافيين الأول من نوعه، فسبق أن أوقف "المركز السوداني للخدمات الأمنية"، التابع لجهاز الأمن والمخابرات، والذي كان يعيّن نحو 35 من الصحافيين. ووجهت تهم للمركز بأنه كان "أداة من أدوات تشويه الثورة ونشر الأخبار الكاذبة بواسطة جهاز الأمن والترويج لبقاء نظام البشير وتلميعه". يبدي الصحافي عبد الله بشير، وهو واحد منهم، أسفه الشديد من أوضاعهم الحالية، إذ لم يستلموا بعد مرور أشهر من القرار مستحقاتهم المالية لما بعد نهاية الخدمة، منوهاً إلى أنه تم سحب حتى البطاقات العلاجية التي ظلوا يتعالجون بها مع أسرهم. ويوضح بشير، في حديث مع "العربي الجديد"، أنهم رفعوا مذكرة لمجلس السيادة الانتقالي ولمجلس الوزراء ولوزارة الثقافة والإعلام، مؤكداً أنهم كصحافيين ظلوا يؤدون مهمتهم بمهنية وتقديم خدمات خبرية عبر نشرة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، تستفيد منها الصحف المحلية والقنوات الفضائية ووكالات الأنباء، وأنّ مواقفهم من الثورة كانت واضحة، لدرجة أنّ إدارة المركز هددتهم بطرد بعضهم. كما يشير بشير إلى أنّ "كثيراً من الصحافيين حاول إيجاد وظيفة بعد التسريح، لكنه فشل في ذلك حيث سدت كل الطرق أمامهم"، مؤكداً أنهم "سيواصلون تصعيد قضيتهم، بتقديم شكوى للمنظمات الدولية والإقليمية الناشطة في هذا المجال، في حال لم تجد السلطات حلًا لقضيتهم".

من جانبها، تبيّن الصحافية التي تعمل كمتعاونة مع "مركز الخرطوم للإعلام الإلكتروني"، هنادي الهادي، لـ"العربي الجديد"، أنها فقدت وظيفتها بعد قرار إغلاق المركز، وذلك مع نحو 99 موظفا آخرين، بعضهم الآن على قارعة الطرقات يبحثون عن عمل، في زمن قلّت فيه الوظائف وندرت. وتشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ قرارات إغلاق كل المؤسسات الإعلامية المحسوبة على النظام السابق لم تراعِ مطلقاً الآثار الاجتماعية للقرار، ولم تقدم بدائل متاحة للصحافيين.

في حين يقول محمد بابكر، وهو صحافي في صحيفة "سودان فيشن" المحسوبة على جهاز الأمن وتم إيقافها وتسريح صحافييها، إنّ وضعهم بات "أقرب للمتسولين، لأن الوظيفة كانت تسد لهم كثيراً من رمق الحياة"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّه "من جملة 14 صحافياً لم يتمكن سوى اثنين فقط منهم من الحصول على وظيفة جديدة بعد التسريح". وأكد أنّ "كل الصحافيين لم يكن لهم أية توجهات سياسية وليس لهم أي ذنب، وأنهم أصبحوا كبش فداء للصراع بين الأحزاب"، مشدداً على ضرورة منحهم تعويضات نهاية الخدمة بأسرع ما يمكن.
المساهمون