تُعتبر حرية الصحافة في مجتمعات اسكندينافيا من مقدسات تمكين السلطة الرابعة، في سياق ترسخ الحريات والديمقراطية. إلا أنّ بعضها يقع في مطبات مهنية قاتلة وخطيرة حين يتعلق الأمر بالأقليات والمهاجرين، أو "المواطنون الجدد" كما يطلق عليهم في السويد (مع تراجع التسمية خلال السنوات الأخيرة)، خصوصاً في صحافة أقرب إلى اليمين فيها ولدى جارتها، الدنمارك، حيث تستغل الأحزاب عناوينها المتلاعبة بالحقائق لبث المزيد من الكراهية والتحريض على من هم "غير غربيين" منهم.
القناة التلفزيونية الرسمية الدنماركية، دي آر، لديها برنامج أسبوعي يسمى "الكشاف" (Detektor)، يتخذ طابع فحص وتدقيق في ما ينشر في وسائل الإعلام وما يصرح به على ألسنة السياسيين وقادة الأحزاب في البلد. وبين حين وآخر يذهب "الكشاف" للعب دور المراقب في كشف حقيقة ما ينشر والتلاعب الذي يتم، ما يضطر المتلاعب إلى "تصحيح" ما ذكر، وهو أمر يتسبب بحرج شديد للسياسيين أو "المختصين" الذين تستعين بهم الأحزاب لإثبات صحة ما يلقى في وسائل الإعلام لجذب الرأي العام، وبالتالي أصوات الناخبين.
وفي آخر كشف له، نهاية الأسبوع الماضي من "الكشاف"، وتحت عنوان "العناوين الرئيسية (للصحافة) تجعل من المهاجرين جنائيين دون حكم قضائي"، بدأ البرنامج بمفهوم وقاعدة عامة عن دولة القانون، بالقول "الإنسان بريء حتى تثبت إدانته هو مبدأ رئيسي للدول الدستورية مثل الدنمارك والسويد، ورغم ذلك فقد قرأنا في بداية أغسطس/ آب الحالي عنواناً رئيسياً على غلاف صحيفة (كريستلي داوبلاديت) الورقية اليومية الدنماركيّة، وضع قاعدة أخرى باعتبار المشتبه بهم مدانون". وقدم البرنامج نموذجاً عما ذهب إليه الغلاف وعنوان الصحيفة ذات التاريخ العريق والتي تتلقى دعماً رسمياً من مؤسسة المطبوعات في البلد، فكتبت "المهاجرون والمتحدرون منهم مسؤولون عن نصف الجرائم في السويد".
اقــرأ أيضاً
هي ليست المرة الأولى التي تعنون فيها صحافة اليمين الدنماركي بكثير من الإثارة والتعميم والتضخيم حول شؤون تتعلق بالأجانب أو حتى بالقضية الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنّ المثير للانتباه أنّ معسكر اليمين المتشدد يقوم على الفور بتبني تلك العناوين ويقدمها للقراء (على مواقعه الرسمية ومواقع قياداته) على أنها حقائق مسلم بها. ففي البحث الذي أقدم عليه "الكشاف"، فكّك طريقة إعادة تدوير حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف ذلك العنوان، بلغة تحريضية، تقول: "في السويد يقف المهاجرون والمتحدرون منهم وراء نصف الجرائم، هذا أمر جنوني. على الدنمارك ألا تكون مطلقاً كالسويد، ولهذا فإن سياسات أجانب متشددة وترحيل عن البلد أمر حاسم، هل أنت موافق؟".
وهذا الموقف فيه "تنافس" مع حزب "سترام كورس" (تشديد الاتجاه)، بزعامة راسموس بالودان، الداعي أيضاً لترحيل 750 ألف مواطن من جذور غير دنماركية، وأقرب إلى مواقف سياسيين يمنيين متطرفين في أحزابهم في معسكر يمين الوسط، مثل وزيرة الهجرة والدمج السابقة إنغا ستويبيرغ، وغيرها، على الساحتين الدنماركية والسويدية، وفي الأخيرة يبرز "ديمقراطيو السويد" و"البديل لأجل السويد"، الأكثر تطرفاً، واستعارة مواقع منظمات ومجموعات نازية وفاشية شمالية بمثل تلك التقارير بنشرها وتبنيها على صفحاتهم الرسمية.
وقال معدّو تقرير "الكشاف" إنه "ليس ثمة مبرر للقول إن المهاجرين والمتحدرين من صلبهم يقفون وراء نصف الجرائم في السويد، كما ادعى عنوان كريستلي داوبلاديت". ويضيف هؤلاء الصحافيون في هيئة البث الرسمية (دي آر): "بناء على طلب أحد المستمعين قمنا بالبحث في خلفية ما عرضته الصحيفة تحت ذلك العنوان، فماذا اكتشفنا؟ إن صحيفة كريستلي داوبلاديت بنت عنوانها المشار إليه على بحث قامت به مؤسسة بحثية وإعلامية سويدية تدعى (المجتمع الصالح) (Det Goda Samhålla)، ولكن عند التعمق بتلك الدراسة البحثية، نجد أنها لم تقم مطلقاً بدراسة كم من الجرائم يقف خلفها المهاجرون ومن يتحدر منهم، أقله ليس إذا نظرنا إلى الجرائم التي أدت إلى صدور أحكام، بل هي دراسة غطت الفترة بين 2013 و2017 حول مجموع عمليات الاشتباه بعنوان (المهاجرون والجريمة: منظور ثلاثة أعوام)".
وأكّد معدو "الكشاف" أن الدراسة ركزت فقط على الأشخاص "الذين اشتبه بارتكابهم مخالفات وجرائم، بمن فيهم الأبرياء الذين أسقطت عنهم التهم، ولم يجرِ مطلقاً التطرق في الدراسة السويدية إلى أعداد وأرقام من جرى الحكم عليهم بارتكاب جرائم، وهو ما أكده لنا القائمون على مؤسسة المجتمع الصالح السويدية بأنه لا يمكن استخدام الأرقام للاستنتاج أن المهاجرين والمتحدرين منهم مسؤولون عن نصف جرائم السويد". وصرح مسؤول المؤسسة البحثية السويدية باتريك اينغلو، لبرنامج "الكشاف"، بأنه أبداً لا يمكن الذهاب إلى تلك الخلاصات التي تقول إن نصف الأحكام كانت من نصيب المهاجرين وأبنائهم. وعبّر خبراء وقانونيون عن رفضهم للطريقة التي يتم بها استغلال دراسات بحثية من قبل الصحافة والسياسيين لتضليل الرأي العام.
وبعد فضح "الكشاف" لهذا التلاعب، اضطرت صحيفة كريستلي داوبلاديت، عبر مسؤول تحرير الأخبار فيها مورتن راسموسن، إلى تقديم ما يشبه الاعتذار والتراجع عن العنوان وتغييره إلى "مشتبهين"، مبدياً أسفه لأن القراء "فهموا أن نصف الجرائم مرتكبة من مهاجرين"، ولكن ذلك كله لم يجعل أحزاب اليمين المتطرف تغير حرفاً واحداً مما نشرته على مواقعها ولا تعليقات القراء العنصرية والتحريضية على "المواطنين الجدد".
وفي ظل اندفاعة يمينية متطرفة ومحرضة على الأجانب، تتلاعب صحيفة "دن كورت أفيس" الدنماركية بصور وعناوين لتضع أخرى معاكسة تماماً لما تنشره بعض الصحف الأخرى. واقتبست هذه المرة ما جاء في عنوان "كريستلي داوبلاديت"، فسجلت عنوانها مع صورة كادر لحرائق سيارات في السويد بـ"السويد في حرب.. أكثر من نصف الجرائم مرتكبة من المهاجرين وأبنائهم". وكثيراً ما طالب صحافيون وسياسيون بوقف دعم مؤسسة المطبوعات مالياً لصحيفة "دن كورت أفيس"، والتي ترأس تحريرها كارين يسبرسن، وهي وزيرة شؤون اجتماعية سابقة من يسار الوسط، ويتابعها عشرات الآلاف وتبث الكثير من الأخبار المحرفة وبعناوين مثيرة للجدل وصلت حد اتهامها بـ"التحريض والعنصرية" لانشغالها فقط بقضايا تتعلق بالأجانب داخل البلد وخارجه.
القناة التلفزيونية الرسمية الدنماركية، دي آر، لديها برنامج أسبوعي يسمى "الكشاف" (Detektor)، يتخذ طابع فحص وتدقيق في ما ينشر في وسائل الإعلام وما يصرح به على ألسنة السياسيين وقادة الأحزاب في البلد. وبين حين وآخر يذهب "الكشاف" للعب دور المراقب في كشف حقيقة ما ينشر والتلاعب الذي يتم، ما يضطر المتلاعب إلى "تصحيح" ما ذكر، وهو أمر يتسبب بحرج شديد للسياسيين أو "المختصين" الذين تستعين بهم الأحزاب لإثبات صحة ما يلقى في وسائل الإعلام لجذب الرأي العام، وبالتالي أصوات الناخبين.
وفي آخر كشف له، نهاية الأسبوع الماضي من "الكشاف"، وتحت عنوان "العناوين الرئيسية (للصحافة) تجعل من المهاجرين جنائيين دون حكم قضائي"، بدأ البرنامج بمفهوم وقاعدة عامة عن دولة القانون، بالقول "الإنسان بريء حتى تثبت إدانته هو مبدأ رئيسي للدول الدستورية مثل الدنمارك والسويد، ورغم ذلك فقد قرأنا في بداية أغسطس/ آب الحالي عنواناً رئيسياً على غلاف صحيفة (كريستلي داوبلاديت) الورقية اليومية الدنماركيّة، وضع قاعدة أخرى باعتبار المشتبه بهم مدانون". وقدم البرنامج نموذجاً عما ذهب إليه الغلاف وعنوان الصحيفة ذات التاريخ العريق والتي تتلقى دعماً رسمياً من مؤسسة المطبوعات في البلد، فكتبت "المهاجرون والمتحدرون منهم مسؤولون عن نصف الجرائم في السويد".
وهذا الموقف فيه "تنافس" مع حزب "سترام كورس" (تشديد الاتجاه)، بزعامة راسموس بالودان، الداعي أيضاً لترحيل 750 ألف مواطن من جذور غير دنماركية، وأقرب إلى مواقف سياسيين يمنيين متطرفين في أحزابهم في معسكر يمين الوسط، مثل وزيرة الهجرة والدمج السابقة إنغا ستويبيرغ، وغيرها، على الساحتين الدنماركية والسويدية، وفي الأخيرة يبرز "ديمقراطيو السويد" و"البديل لأجل السويد"، الأكثر تطرفاً، واستعارة مواقع منظمات ومجموعات نازية وفاشية شمالية بمثل تلك التقارير بنشرها وتبنيها على صفحاتهم الرسمية.
وقال معدّو تقرير "الكشاف" إنه "ليس ثمة مبرر للقول إن المهاجرين والمتحدرين من صلبهم يقفون وراء نصف الجرائم في السويد، كما ادعى عنوان كريستلي داوبلاديت". ويضيف هؤلاء الصحافيون في هيئة البث الرسمية (دي آر): "بناء على طلب أحد المستمعين قمنا بالبحث في خلفية ما عرضته الصحيفة تحت ذلك العنوان، فماذا اكتشفنا؟ إن صحيفة كريستلي داوبلاديت بنت عنوانها المشار إليه على بحث قامت به مؤسسة بحثية وإعلامية سويدية تدعى (المجتمع الصالح) (Det Goda Samhålla)، ولكن عند التعمق بتلك الدراسة البحثية، نجد أنها لم تقم مطلقاً بدراسة كم من الجرائم يقف خلفها المهاجرون ومن يتحدر منهم، أقله ليس إذا نظرنا إلى الجرائم التي أدت إلى صدور أحكام، بل هي دراسة غطت الفترة بين 2013 و2017 حول مجموع عمليات الاشتباه بعنوان (المهاجرون والجريمة: منظور ثلاثة أعوام)".
وأكّد معدو "الكشاف" أن الدراسة ركزت فقط على الأشخاص "الذين اشتبه بارتكابهم مخالفات وجرائم، بمن فيهم الأبرياء الذين أسقطت عنهم التهم، ولم يجرِ مطلقاً التطرق في الدراسة السويدية إلى أعداد وأرقام من جرى الحكم عليهم بارتكاب جرائم، وهو ما أكده لنا القائمون على مؤسسة المجتمع الصالح السويدية بأنه لا يمكن استخدام الأرقام للاستنتاج أن المهاجرين والمتحدرين منهم مسؤولون عن نصف جرائم السويد". وصرح مسؤول المؤسسة البحثية السويدية باتريك اينغلو، لبرنامج "الكشاف"، بأنه أبداً لا يمكن الذهاب إلى تلك الخلاصات التي تقول إن نصف الأحكام كانت من نصيب المهاجرين وأبنائهم. وعبّر خبراء وقانونيون عن رفضهم للطريقة التي يتم بها استغلال دراسات بحثية من قبل الصحافة والسياسيين لتضليل الرأي العام.
وبعد فضح "الكشاف" لهذا التلاعب، اضطرت صحيفة كريستلي داوبلاديت، عبر مسؤول تحرير الأخبار فيها مورتن راسموسن، إلى تقديم ما يشبه الاعتذار والتراجع عن العنوان وتغييره إلى "مشتبهين"، مبدياً أسفه لأن القراء "فهموا أن نصف الجرائم مرتكبة من مهاجرين"، ولكن ذلك كله لم يجعل أحزاب اليمين المتطرف تغير حرفاً واحداً مما نشرته على مواقعها ولا تعليقات القراء العنصرية والتحريضية على "المواطنين الجدد".
وفي ظل اندفاعة يمينية متطرفة ومحرضة على الأجانب، تتلاعب صحيفة "دن كورت أفيس" الدنماركية بصور وعناوين لتضع أخرى معاكسة تماماً لما تنشره بعض الصحف الأخرى. واقتبست هذه المرة ما جاء في عنوان "كريستلي داوبلاديت"، فسجلت عنوانها مع صورة كادر لحرائق سيارات في السويد بـ"السويد في حرب.. أكثر من نصف الجرائم مرتكبة من المهاجرين وأبنائهم". وكثيراً ما طالب صحافيون وسياسيون بوقف دعم مؤسسة المطبوعات مالياً لصحيفة "دن كورت أفيس"، والتي ترأس تحريرها كارين يسبرسن، وهي وزيرة شؤون اجتماعية سابقة من يسار الوسط، ويتابعها عشرات الآلاف وتبث الكثير من الأخبار المحرفة وبعناوين مثيرة للجدل وصلت حد اتهامها بـ"التحريض والعنصرية" لانشغالها فقط بقضايا تتعلق بالأجانب داخل البلد وخارجه.