صحافة الحكام

02 ابريل 2014
+ الخط -

لماذا تردى الإعلام العربي؟ سؤال محيِّر يتكرر، لكنه للحقيقة لا يحتاج جوابا لأن كل أحوال العرب تردّت، رغم الوفرة المالية في بعض الدول التي تمت ترجمتها في الأغلب إلى سفه وتبذير بدلا من التعليم والثقافة.

يرزح أغلب المواطنون العرب تحت سلطة تتعامل معهم وفق مبدأ فرعون "لا أريكم إلا ما أرى"، ويستخدم الحاكم الإعلام ليزيِّن للمواطن ظلمه باعتباره الحق الأصيل والعدل المقيم، وأن تخليه عن السلطة أو مطالبة المواطن بحقه ليس إلا كارثة تطيح بالبلاد والعباد.

الصحافي الأميركي الموسوعي الراحل، "أي إف ستون"، الذي ترأس لسنوات تحرير أسبوعية "نيويورك ريفيو أوف بوكس"، انتهى بعد مسيرة طويلة من العمل وتدريس الصحافة إلى حقيقة لا تقبل الجدل قالها صراحة لتلاميذه: "إذا ما أردت أن تعرف، فكل ما يجب أن تعرفه يتلخص في كلمتين: الحكومات تكذب".

وإن كانت الحكومات في الغرب تكذب، وإن كانت الصحف الغربية عادة  تنشر تلك الأكاذيب ولا تصححها، فإن الوضع في العالم العربي أكثر سوءا لأن الصحافي العربي لم يعد يكتفي بتصديق أكاذيب الحاكم ونشرها فقط، وإنما بات يزيِّن للحاكم الكذب، ويساعده عليه، بل وربما يدبج له الخطب العصماء المليئة بالأكاذيب ليسحر آذان المواطنين.

في دراسة إيطالية حديثة نشرت قبل أيام، تحذير واضح من خطورة إدمان الحكام حول العالم للكذب وصولا إلى تصديقهم هم أنفسهم أكاذيبهم.

ووسط هذه الأكاذيب الرسمية الرائجة، تتحول مهمة الصحافي الصادق إلى عملية انتحارية، لا ينجو منها غالبا إلا قلة قليلة تتحمل عبء أداء الرسالة، وتقاوم المغريات الكثيرة والمخاطر الأكثر، فما أهون أن يبيع الصحافي نفسه للسلطة، البعض يبيع نفسه وفق اتفاق غير معلن بأن يلعب دور المعارض، والبعض يستعذب النوم في سرير السلطة، أية سلطة، من دون تمييز.

لكن، أيضا، لا شك في أن ثورة الاتصالات والتقنيات جعلت مهمة الصحافي المنافق والكاتب الكاذب أصعب كثيرا مما كانت عليه، كما لم يعد من حق الصحافي أن يتبجح بقلة الموارد وضعف المرتبات كحجة لبيع نفسه.

ليس البشر ملائكة، وليسوا أيضا شياطين، لكن بعض البشر يكونون أحيانا أكثر خطرا من الشياطين، وعندما يمتلك الشيطان البشري وسيلة للتعبير، فإن خطره على الآخرين يكون كارثيا، وهنا تكمن خطورة الإعلام الشيطاني والصحافيين الشياطين على مجتمع يصدق الشياطين أحيانا .