تأكّد الخبر ولم يعد شائعة.. رحلت صباح. لم تخل صفحات الميديا البديلة والصحف التي طالما تابعت أخبارها، بعد شيوع خبر وفاتها فجر أمس الأربعاء، من كلمة أو صورة للشحرورة التي ملأت الدنيا بصوتها وحضورها وأناقتها.
يكمن سرّ صباح في حبّها للحياة، هذه الحياة التي لم تعطها كثيراً، لكنها جعلتها في نهاية الأمر واحدة من أكثر النساء تأثيراً في الناس. هي التي هاجرت، وسعت، وثارت، وخاضت معارك كثيرة، طامحة أن تثبت أنها فنّانة، حتى إنّها تناست يوماً أنها إنسانة. هي صباح التي حملت بظلها الجميل كلّ الفرح للناس، واستلهمت من الحياة روحاً لتنقلها إلينا.
رحلت صباح التي هاجرت من قريتها الصغيرة في جبل لبنان، وادي شحرور، إلى القاهرة، بعد أن حلمت بمجد الشهرة والنجاح هناك في أرض المحروسة، حيث استطاعت أن تتفوق بداية الأربعينيات على مغنّيات جيلها اللواتي هاجرن مثلها إلى القاهرة. فقد شاعت موجة اندفاع مغنيات ومطربات لبنانيات من بيروت إلى القاهرة، في أربعينيات القرن الماضي، ونذكر من تلك الفترة من جيل صباح، نور الهدى ولورد كاش ووديع الصافي وسعاد محمد. يومها فتحت القاهرة أبوابها للأصوات اللبنانية التي حلمت بالغناء والشهرة. وشرع عدد من المنتجين يفسحون أبواب السينما والأفلام الغنائية، بعدما كانت السيدة أم كلثوم قد توقفت عن التمثيل منذ آخر أفلامها "جوهرة" في عام 1947. لم يكتب لتجربة النجمات المهاجرات النجاح، وحدهما نور الهدى وصباح استطاعتا أن تدخلا من الباب الواسع للسينما. وبذلك نزلت المطربة ليلى
مراد عن عرش السينما، لا سيما عن الغناء السينمائي، الذي كان مرادفاً لحضور هؤلاء وإثبات وجودهنّ على خارطة الفن العربي.
لم تستسغ نور الهدى الحياة في القاهرة كثيراً، فبعد عشر سنوات من إقامتها، رأت أن العيش في القاهرة كان صعباً. ربما، بحسب نور الهدى، لم تستطع أن تنصهر وتمتزج في ظروف المجتمع المصري، وتركت الملعب لصباح التي حاربت بكلّ قوتها وما امتلكته من سمات استثنائية للوصول إلى المجد.
إنها صباح التي زينت الأفلام المصرية في تلك الحقبة، إذ احترفت الغناء، ودخلت مملكة الألحان المصرية. لم توفر أحداً من "النهر الخالد" عبد الوهاب، إلى محمد فوزي، مروراً بفريد الأطرش وغيرهم. كانت تدور من دون توقف كما عقارب الساعة حينما تسابق الزمن، ليس فقط في إطار التعاون الفني، بل من خلال ثلاث زيجات من فنانَيْن وإعلامي مصري، فقد اقترنت بداية بعازف الكمان الشهير "أنور منسي" ثم بالإذاعي "أحمد فرّاج" والممثل الوسيم "رشدي أباظة"، وكانت ثمرة ارتباطها بالمنسي ابنتها هويدا التي أدخلتها صباح اللعبة الفنية، فخرجت منها خاسرة.
مرحلة القاهرة قلبت تاريخ صباح، لم تتوقف لأكثر من أربعين عاماً عن محاكاة المصريين، وكانت تتطور وفق الأهواء الموسيقية وتبدلها. لم تلتزم بملحن واحد، بل كانت تبحث عن كل جديد يستجدّ على الساحة الفنية. محمد عبد الوهاب عشقها من خلال ألحان كثيرة، إلا أن لحن أغنية "عالضيعة" استطاع أن يقلب قناعات موسيقار الجيل، فلحّن كلمات لبنانية، وكان ذلك إنجازاً من أغنيتين، بعدما أعطى لوديع الصافي لحن أغنية "عندك بحرية". قبل محمد عبد الوهاب غنت لرياض السنباطي، إضافة إلى كل من محمد القصبجي وزكريا أحمد، هؤلاء الذين صاغوا أفضل أغنيات أفلامها الكثيرة
مرت السنوات بإرث كبير حملته صباح إلى فريد الأطرش جارها في مصر وبيروت، وصولاً إلى محمد الموجي وبليغ حمدي الذي أمدّها بجرعة زائدة من أغنيات لا تزال تعتبر من أرقى وأهم الألحان التي تخطت حاجز الزمن، ومنها "يانا يانا" و"عاشقة وغلبانة".
إلى بيروت مدّت حيويتها، فلم تهدأ صباح رغم إقامتها في القاهرة وانشغالها، ولطالما حملت ذاكرة لبنان في قلبها حتى في فترة الحرب. استطاعت صباح أن تجذب الألحان الجميلة إلى صوتها. حسب ميولها المبنية على المودّة أولاً، لم تسع صباح إلا إلى المنافسة الحقيقية البعيدة كل البعد عن أيّ أذى، فدخلت مملكة الرحابنة، ووقفت مغنية قديرة إلى جانب فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين. صعدت وارتقت، ولعل أغزر عطاء لصباح في مجال الأغنية اللبنانية، كما يقول الأستاذ إلياس سحاب، جاء عبر مشاركتها المطرب الكبير وديع الصافي الغناء في أكثر من عمل، حتى إن وديع الصافي كان يشدد في كثير من أحاديثه، على أنه أكثر ارتياحاً في أداء ألوان الغناء اللبناني الأصيل عندما تكون صباح شريكته في الغناء. كذلك فإنّ مساهمة صباح الأكبر والأبرز، التي حظيت بألحان لبنانية من الأخوين رحباني وعفيف رضوان وزكي ناصيف ووليد غلمية وعصام رجي وإيلي شويري، في تاريخ الأغنية اللبنانية، كانت من خلال تعاونها مع فيلمون وهبي.
منذ استقرارها في لبنان، لم تقدم الشحرورة الكثير من الأعمال الفنية، على الرغم من اندفاعها نحو كل جديد غنائي يُعرض عليها. قبل طلاقها من زوجها الأخير فادي لبنان، قدمت إلى جانبه مسرحية "الأسطورة 1" و"الأسطورة 2" لمدة زادت على العام، وكانت أغنياتها عبارة عن "ديوهات" من قبل بعض المعجبات الراغبات في التسلق على شهرة واسم صباح، كما هو
الحال مع المغنية رولى سعد. وأعادت تسجيل بعض الأغنيات مع هواة ومغنين، ونالت انتقادات واسعة. ويقال إن سبب ذلك كان مادياً بالدرجة الأولى، لكن ذلك لم يقلل من شأنها.
آخر تكريم لها كان في قصر بيت الدين عام 2011، إذ مُنحت وسام الأرز من قبل رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ولم تظهر صباح إلا في صور نادرة بعدها، حتى فبراير/شباط هذا العام، عندما قبلت أن تُلتقط لها صور تعتبر الأخيرة بمبادرة من المونولجست باسم فغالي وخبير التجميل جوزف غريب الذي لازمها أكثر من 25 عاماً سنداً ومديراً غير رسمي لأعمالها، حتى رحلت فجر أمس مبتسمة، كما أعلنت كلودا ابنة شقيقتها، ونعتها نقابة الفنانين اللبنانيين: "بمزيد من الفرح رحلت الأسطورة صباح".
تقام مراسم الدفن يوم الأحد المقبل، حيث توارى الثرى في قرية بدادون/ جبل لبنان.
رحلت صباح التي هاجرت من قريتها الصغيرة في جبل لبنان، وادي شحرور، إلى القاهرة، بعد أن حلمت بمجد الشهرة والنجاح هناك في أرض المحروسة، حيث استطاعت أن تتفوق بداية الأربعينيات على مغنّيات جيلها اللواتي هاجرن مثلها إلى القاهرة. فقد شاعت موجة اندفاع مغنيات ومطربات لبنانيات من بيروت إلى القاهرة، في أربعينيات القرن الماضي، ونذكر من تلك الفترة من جيل صباح، نور الهدى ولورد كاش ووديع الصافي وسعاد محمد. يومها فتحت القاهرة أبوابها للأصوات اللبنانية التي حلمت بالغناء والشهرة. وشرع عدد من المنتجين يفسحون أبواب السينما والأفلام الغنائية، بعدما كانت السيدة أم كلثوم قد توقفت عن التمثيل منذ آخر أفلامها "جوهرة" في عام 1947. لم يكتب لتجربة النجمات المهاجرات النجاح، وحدهما نور الهدى وصباح استطاعتا أن تدخلا من الباب الواسع للسينما. وبذلك نزلت المطربة ليلى
لم تستسغ نور الهدى الحياة في القاهرة كثيراً، فبعد عشر سنوات من إقامتها، رأت أن العيش في القاهرة كان صعباً. ربما، بحسب نور الهدى، لم تستطع أن تنصهر وتمتزج في ظروف المجتمع المصري، وتركت الملعب لصباح التي حاربت بكلّ قوتها وما امتلكته من سمات استثنائية للوصول إلى المجد.
إنها صباح التي زينت الأفلام المصرية في تلك الحقبة، إذ احترفت الغناء، ودخلت مملكة الألحان المصرية. لم توفر أحداً من "النهر الخالد" عبد الوهاب، إلى محمد فوزي، مروراً بفريد الأطرش وغيرهم. كانت تدور من دون توقف كما عقارب الساعة حينما تسابق الزمن، ليس فقط في إطار التعاون الفني، بل من خلال ثلاث زيجات من فنانَيْن وإعلامي مصري، فقد اقترنت بداية بعازف الكمان الشهير "أنور منسي" ثم بالإذاعي "أحمد فرّاج" والممثل الوسيم "رشدي أباظة"، وكانت ثمرة ارتباطها بالمنسي ابنتها هويدا التي أدخلتها صباح اللعبة الفنية، فخرجت منها خاسرة.
مرحلة القاهرة قلبت تاريخ صباح، لم تتوقف لأكثر من أربعين عاماً عن محاكاة المصريين، وكانت تتطور وفق الأهواء الموسيقية وتبدلها. لم تلتزم بملحن واحد، بل كانت تبحث عن كل جديد يستجدّ على الساحة الفنية. محمد عبد الوهاب عشقها من خلال ألحان كثيرة، إلا أن لحن أغنية "عالضيعة" استطاع أن يقلب قناعات موسيقار الجيل، فلحّن كلمات لبنانية، وكان ذلك إنجازاً من أغنيتين، بعدما أعطى لوديع الصافي لحن أغنية "عندك بحرية". قبل محمد عبد الوهاب غنت لرياض السنباطي، إضافة إلى كل من محمد القصبجي وزكريا أحمد، هؤلاء الذين صاغوا أفضل أغنيات أفلامها الكثيرة
مرت السنوات بإرث كبير حملته صباح إلى فريد الأطرش جارها في مصر وبيروت، وصولاً إلى محمد الموجي وبليغ حمدي الذي أمدّها بجرعة زائدة من أغنيات لا تزال تعتبر من أرقى وأهم الألحان التي تخطت حاجز الزمن، ومنها "يانا يانا" و"عاشقة وغلبانة".
إلى بيروت مدّت حيويتها، فلم تهدأ صباح رغم إقامتها في القاهرة وانشغالها، ولطالما حملت ذاكرة لبنان في قلبها حتى في فترة الحرب. استطاعت صباح أن تجذب الألحان الجميلة إلى صوتها. حسب ميولها المبنية على المودّة أولاً، لم تسع صباح إلا إلى المنافسة الحقيقية البعيدة كل البعد عن أيّ أذى، فدخلت مملكة الرحابنة، ووقفت مغنية قديرة إلى جانب فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين. صعدت وارتقت، ولعل أغزر عطاء لصباح في مجال الأغنية اللبنانية، كما يقول الأستاذ إلياس سحاب، جاء عبر مشاركتها المطرب الكبير وديع الصافي الغناء في أكثر من عمل، حتى إن وديع الصافي كان يشدد في كثير من أحاديثه، على أنه أكثر ارتياحاً في أداء ألوان الغناء اللبناني الأصيل عندما تكون صباح شريكته في الغناء. كذلك فإنّ مساهمة صباح الأكبر والأبرز، التي حظيت بألحان لبنانية من الأخوين رحباني وعفيف رضوان وزكي ناصيف ووليد غلمية وعصام رجي وإيلي شويري، في تاريخ الأغنية اللبنانية، كانت من خلال تعاونها مع فيلمون وهبي.
منذ استقرارها في لبنان، لم تقدم الشحرورة الكثير من الأعمال الفنية، على الرغم من اندفاعها نحو كل جديد غنائي يُعرض عليها. قبل طلاقها من زوجها الأخير فادي لبنان، قدمت إلى جانبه مسرحية "الأسطورة 1" و"الأسطورة 2" لمدة زادت على العام، وكانت أغنياتها عبارة عن "ديوهات" من قبل بعض المعجبات الراغبات في التسلق على شهرة واسم صباح، كما هو
آخر تكريم لها كان في قصر بيت الدين عام 2011، إذ مُنحت وسام الأرز من قبل رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ولم تظهر صباح إلا في صور نادرة بعدها، حتى فبراير/شباط هذا العام، عندما قبلت أن تُلتقط لها صور تعتبر الأخيرة بمبادرة من المونولجست باسم فغالي وخبير التجميل جوزف غريب الذي لازمها أكثر من 25 عاماً سنداً ومديراً غير رسمي لأعمالها، حتى رحلت فجر أمس مبتسمة، كما أعلنت كلودا ابنة شقيقتها، ونعتها نقابة الفنانين اللبنانيين: "بمزيد من الفرح رحلت الأسطورة صباح".
تقام مراسم الدفن يوم الأحد المقبل، حيث توارى الثرى في قرية بدادون/ جبل لبنان.