صباح البني تعمل منذ كانت في التاسعة

22 مارس 2018
طردت لأنّني أميّة (العربي الجديد)
+ الخط -

تُدعى صباح نمر البني، وهي فلسطينية في الثمانية والخمسين من عمرها، تسكن في منطقة حي المنشية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، وتتحدّر من بلدة الطيرة في فلسطين. تعيش في بيت متواضع ورثته عن والدتها. منذ ولادتها، حُرمت من حنان وعطف ورعاية الأب، وعاشت مع أمها التي تكفلت بتربيتها. لم تُسجّل في دائرة النفوس بسبب عدم رغبة الأب في استصدار وثائق ثبوتيّة لها، ولم تستخرج شهادة ميلاد إلى أن بلغت الحادية عشرة من عمرها. بذلك، تكون قد حرمت من فرصة التعليم وظلت أمية.

تقول صباح: "انفصل والداي قبل أن أولد. وربّتني أمي بعدما تخلّى عني والدي. عملَت في مهن عدة وفي الخيام البلاستيكية في منطقة الرميلة والجية، حتى تستطيع تأمين معيشتنا. لم أتعلم لأن والدي كان قد حرمني من استصدار بطاقة هوية، إلى أن تقدمت أمي بدعوى قضائية ضده، حين كنت في الحادية عشرة من عمري، وكانت فرصتي في التعليم قد اضمحلّت. ولأنّني لم أذهب إلى المدرسة، عملت مع أمي في الخيام البلاستيكية، إلى أن كان الاجتياح الصهيوني للبنان. في تلك الفترة، تركت أمي العمل، وتهدّم بيتنا، ولم يعد لدينا مأوى. في هذه الأثناء، عملت في ميتم في صيدا، وصرت أتكفل بمصاريف أمي. وحين تقدمت في السن، طردت من العمل لأنني أمية، ولا أجيد القراءة والكتابة".

وتضيف صباح: "بعدما تركت العمل في الميتم، استطعت إيجاد عمل في مدرسة في صيدا. عملت فيها إلى أن ماتت أمي، وأصبت حينها بأمراض عدة، ولم أعد أقوى على العمل، وأصبت باكتئاب. كنت أبكي أمام الجيران، فخافوا علي، ونصحوني ببيع الترمس والفول والحامض المقشر والسميد المطبوخ من على بسطة حتى أستطيع تأمين مصاريفي لأنه ليس لدي من يعيلني. بالفعل، فتحت بسطة صغيرة، وكنت أجني يومياً ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف ليرة لبنانية. وهذا المبلغ كان يساعدني على تأمين احتياجاتي اليومية". وتتابع: "لاحقاً، بدأت في إعداد الحلويات مثل الجلو والكاستر وغيرها من المأكولات التي يرغب بها الأطفال، إلى أن صار أصحاب المحال التجارية في المخيم يعرضون إعطائي بضائع لبيعها. وصارت شرفة بيتي محلاً من دون أن أدري أو أخطط لذلك".


وتكمل صباح قصتها: "أعمل منذ كنت في التاسعة من عمري. لكنني أشعر اليوم بتعب شديد. صار عمري ثمانية وخمسين وما زلت أعمل. ليس لدي من يعيلني باستثناء ما تقدّمه وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) كل أربعة أشهر، إضافة إلى ما يقدمه لي بعض المحسنين في شهر رمضان الكريم. جيراني أيضاً يساعدونني. فإذا استدنت منهم بعض المال لشراء الدواء، يرفضون أن أسدده لهم. أعيش وحيدة في هذا البيت، وأخاف أن أموت في أي وقت من دون أن يعرف أحد بذلك".
المساهمون