لأكثر من أربعين عاماً، كان صباح الأحمد مهندس السياسة الخارجية الكويتية، ولم يغب عن وزارة الخارجية سوى لفترة قصيرة في العام ١٩٩٢، قبل أن يُعيّن رئيساً للوزراء، ثم يُنصّب أميراً للبلاد بعد أزمة الحكم عام ٢٠٠٦، إثر وفاة الأمير السابق، جابر الأحمد، وعزل الأمير سعد العبدالله، بسبب عجزه عن ممارسة مسؤولياته. بالطبع، لم يمر صباح الأحمد بمنصب ولي العهد كسائر من سبقه من حكام الكويت، كون مجلس الأمة الكويتي اختاره بالاجماع في جلسة عزل الأمير سعد العبدالله، ومبايعته أميراً للبلاد.
وبعدها مرّت البلاد بتقلّبات سياسية عدة على المستوى المحلي من خلال تعرّض رئيس الوزراء ناصر المحمد إلى سهام المعارضة، ما أدّى إلى خروج آلاف الكويتيين للمطالبة برحيله، وهو ما تحقّق لهم، إذ قبل الأمير استقالته بعد اعادته ثماني مرات رئيساً للحكومة، وهو ما تكرر مع خلفه، جابر المبارك، الذي شكل ست حكومات حتى الآن، بخلاف حل البرلمان لثلاث مرات وإبطاله بحكم قضائي مرتين، ومقاطعة المعارضة وشريحة كبيرة من المجتمع الانتخابات.
على المستوى الخارجي، كان لصباح الأحمد دور كبير في عدد من القضايا التي مرت بها الأمة العربية، لعل أهمها دعمه اللامحدود للقضية الفلسطينية ووقوفه على مسافة واحدة من الفرقاء الفلسطينيين إضافة إلى عدم انصياعه للضغط الأميركي والأوروبي لا سيما بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي من التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما ساهم في تطوير الصندوق الكويتي من أجل اقراض الدول العربية وانجاز المشاريع التنموية.
وعملت الكويت، ذات المساحة الصغيرة والتي بالكاد يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة، في عهد الأحمد، على توحيد اليمن عام ١٩٩٠، وإقناع اليمنيين بالانخراط في دولة واحدة. كما كانت له جولات مكوكية، إبان الحرب الأهلية اللبنانية، من أجل إيجاد حد أدنى من التوافق بين الفرقاء اللبنانيين يمكن بموجبه إيقاف الحرب، فضلاً عن دعم بلاده للعراق في حربه مع ايران، والتي تضرّرت فيها الكويت من خلال تعرض الأمير السابق جابر الأحمد لمحاولة اغتيال وتعرّض البلاد لتفجيرات.
تغيّرت الدبلوماسية الكويتية، فقد اختار صباح الأحمد في عهده "دبلوماسية الحياد"، ولا سيما أن بلاده تقع بين ثلاث دول عملاقة وكبيرة وذات تأثير وثقل سياسي واقتصادي وكثافة بشرية، لا تستطيع أن تتحداها الكويت (العراق والسعودية وإيران).
لذلك، أبقت الكويت على علاقات جيدة مع العراق في نظامه الجديد، وهو ما مكّنها من حلّ جميع قضاياها المعلقة وإقفال جميع الملفات التي كانت سبباً في توتر العلاقة بين البلدين بين الفينة والأخرى، كما أن تمسكها بمجلس التعاون الخليجي لم يمنعها من إقامة علاقات ممتازة مع إيران، التي لا تتمتع بعلاقات جيدة مع السعودية. ورسم أمير الكويت هذه التوازنات من أجل حماية بلاده من الانزلاق في فلك إقليمي أو تحالف في محور، قد يسبب لبلاده مشاكل ومخاطر في ظل اقليم ملتهب واصطفاف طائفي كبير أخذت تتسع رقعته فضلاً عن نشوء حركات وتيارات متشددة، أصبحت تهدد الكيان الصغير إذا ما تم احتساب سياسة البلاد في محور دون آخر. وظهر الحياد جلياً في الشهور الأخيرة على الصعيد الخليجي، عندما تولّى أمير الكويت مهمة محاولة تذليل الأزمة الخليجية بين قطر من جهة، والسعودية والامارات والبحرين من جهة ثانية، وهو ما تبلور أخيراً في اتفاق "المصالحة" الخليجية.
جميعها محطات قد تبرر لماذا قررت الأمم المتحدة تكريم الشيخ صباح الأحمد الصباح بمناسبة تسميته "قائداً للعمل الإنساني"، وتسمية دولة الكويت "مركزاً للعمل الإنساني".