صالح المهدي.. قاضٍ هرب بعود زرياب

17 سبتمبر 2014
+ الخط -

من صبري مدلل في سوريا إلى حسين الأعظمي في العراق وصولاً إلى صالح المهدي في تونس. هؤلاء موسيقيون ومطربون تتفاوت قدراتهم الصوتية وخلفياتهم الفنّية والثقافية، لكنهم جميعاً اتفقوا ضمناً على أن يُبقوا سراج المقامات التراثية مضيئاً وحياً.

وبفقدان صالح المهدي (1925) قبل أيام يكون التراث الموسيقي العربي خسر فناناً وفياً من حرّاسه. رحل زرياب تونس الذي تخفّى تحت هذا الاسم لسنوات، حتى التصق به وصار لقباً.

فبعد تنصيبه قاضياً في العام 1951، مارس اهتمامه الموسيقي من عزف وتلحين وكتابة صحافية في نقد الموسيقى تحت اسم "زرياب"، تاركاً اسم صالح المهدي للقاضي، ومتحرراً بلبس عباءة أحد أقدم الموسيقيين في التاريخ الإسلامي.

وفي هذه الأثناء أيضاً، لم يمنع زرياب نفسه من الانغماس أكثر فأكثر في الفن، فلعب أدواراً على المسرح مع فرقة "الكوكب" التي أصبح رئيسها، وأصبح معروفاً أن القاضي والموسيقي هما الشخص نفسه. ومع إعلان استقلال تونس أوكل للمهدي، باسمه الحقيقي، إدارة قسم الفنون الجميلة في وزارة التعليم، وله الفضل مع آخرين في تأسيس المعهد الوطني للموسيقى، وإدخال تعليم الموسيقى والرقص والمسرح إلى مناهج المرحلة الثانوية. حتى عُيّن في العام 1962 رئيساً للجنة الثقافية الوطنية، التي عمل من خلالها على تأسيس "الأوركسترا التونسية" وفرقة للفنون الشعبية.

هذا التعلّق بالموسيقى وجعلها مشروع حياة يشاركها الآخرين ليس مستغرباً ممن تربى على أن يكون سميعاً لمطرب المالوف التونسي الشهير خميس ترنان. فقد خصص والد المهدي المحب للفن والأدب، أياماً من الشهر في بيته لإقامة مجلس أو صالون ثقافي فني، كان يحضره ترنان ويغني فيه بصحبة فرقته.

ظلّ المهدي وفياً للمالوف التونسي، الفن الذي يحمل هوية غرناطية مغاربية، ويجمع بين الإنشاد الديني والغناء للحب والعشق في آن. كما ظل زرياب يقدّم دروساً في الطبوع، أي المقامات التونسية. ومن هذا الولع بالتراث جاءت ألحانه التي قدّمها للمطربين والمطربات مزيجاً من الموسيقى الشعبية المألوفة ورؤيته الخاصة للحن، فغنت له عليّة التونسية أغنية "قاسي" مثلما قدمت له صليحة "دار الفلك".

كما قدّم ستمئة مقطوعة، أو تراكيب موسيقية، جمعت الشعبي بالكلاسيكي، مستخدماً الآلات الشرقية والغربية معاً ومقاطع سمفونية مع الموشحات وقالبي البشارف والنوبة. أما في المجال الأكاديمي فقد أغنى المهدي المكتبة العربية بأبحاث متخصصة بالتأريخ الموسيقي، ونال عن جهده كباحث موسيقي جائزة "الأكاديمية العربية للموسيقى" التابعة لجامعة الدول العربية.

ولدى إلقائه كلمة في حفل التكريم في عام 1999، قال المهدي: "البصري يحجب المسموع، وكذلك تفعل تقنيات الإستوديو في واقع الصوت. والمؤسف بحق، أن "الصورة الطبيعية" تُستبدل شيئاً فشيئاً بالـ "الصورة الحسّية". جاذبية الأجساد تخدم في نمو السوق. فتباع الأغاني كما تباع المعلّبات".

المساهمون