الكثير منكم، مثلي، سمع مراراً هذه العبارة البسيطة والشمولية وشبه الثقافية: "لقد انتهى عصر الشعر، والعصرُ الجديد هو مجال العقل والمحاسبة على أساس المنطق". ما يدور في الأفواه والأقلام، بشدّة وحدّة، حول الشعر الفارسي، هو أن المجتمع الحديث لا يضطر للذهاب إلى الشعر. بل هو أكثر تعقيداً من أن يبحث عن حل لأزماته ومأزقه في الشعر، وتكون السلطة المطلقة للنثر؛ حيث إنَّ الأدب القصصي والرواية هما ورشة لصنع الأفكار والتأمّلات للإنسان المعاصر.
يبدو أنه بمجرد أن يريد الفرد الإيراني ارتداء الحداثة يجب عليه أن يحرق القصيدة كما يحرق نفطه في النار. في مقترحات مثل هذه تُسدَّد الرماح على وجه التحديد نحو الأدب الصوفي. محتجّين أن الروح الاستسلامية للصوفي الشرقي تمنع الفرد الإيراني من الانضمام إلى ركب التفكير العالمي والأدب العالمي.
ومن الغريب أن جانب العدالة والتحرّر والأخلاق في الأدب الصوفي، والذي يسيطر على خطابه الرئيسي، هو بالضبط ما تمسك به وسائل الإعلام؛ وما يستدل به هؤلاء القضاة أنَّ هذا الحكم ليس في إيران فقط، بل إن الشعر في أدب بقية العالم قد انخفض إلى مستوى معيّن من حيث الجانب الفني؛ ويبدأ نزاعي مع مُصدّري هذا البيان عند هذه النقطة. من هذه الزاوية المتزلزلة لأدب "بقية العالم".
نعلم جميعاً أن بقية العالم هو مجاز ويُعنى به الغرب؛ إذ لم أر أحداً يأتي بمثال من الأدب الياباني أو الهندي وحتى من العالم العربي. ومن الواضح أنَّه عندما نتحدّث عن الغرب نعني نقاطًا معينة.
إذا أردنا أن نعتمد المقارنة على فترات مختلفة من الأدب الفارسي، أي المقارنة في تاريخ أدبنا الخاص، يجب أن نعرف تاريخ الأدب الفارسي أولاً. يجب أن نعرف أن مدرسة "الوقوع" وُلدت من مدرسة "العراقي" وجاءت المدرسة "الهندية" من مدرسة "الوقوع". أبعد من ذلك، يجب علينا أن نتّخذ وعياً تاريخياً ونرى أن تواصل التطوّر لأي فن ليس خطّاً مستقيماً. بل إن حياة الشعر لها تقلباتها أيضاً، وهذا التأثير له العديد من العوامل الخارجية والداخلية التي لن تؤدي أبداً إلى موت الشعر.
لذلك، لم تبق الحال هكذا ولن تبقى؛ ولكن إذا وضعنا أساس هذا الاستدلال على مقارنة حالة الشعر في إيران مع حالة الشعر في العالم، يجب أن نعرف أوّلاً أن هذه المقارنة خاطئة أساساً. لأنَّ في أيٍّ من تلك البلدان لم يتم تسليط الضوء على دور الشعر إلى هذا الحد. كيف يمكننا أن نضع فئتين مختلفتين في كفتين من الميزان؟
لذلك، ولتغطية هذا الاختلاف، علينا أن نبدأ بمقارنة دور الشعر الإيراني ومكانته مع دوره ومكانته في الخطاب الأدبي لـ"بقية العالم". الأمر بسيط جدّاً: إن دور الشعر الفارسي في تاريخ تطوّر العقل الإيراني يكاد يكون فريداً وغير مسبوق بالمقارنة مع دور هذا الفن في نقاط أخرى من العالم.
داريوش شايغان الذي عبّر في مقدمة كتابه "الأقاليم الخمسة للحضور" عن وجهة نظره، قد أثار شكوكاً حول الاستناد الكثير إلى الشعر. إنَّه يصدّ عن طريقة التفكير الحر؛ ولكنَّه لم يقل في هذه العبارات إن الشعر هو التفكير الحر أو على الأقل هو الطريقة الحرة للتفكير والتعبير عنه.
من المثير للدهشة أن أصدقاءنا يطأطئون رؤوسهم خجلاً بسبب شِعرنا الإيراني. بينما إذا كان علينا أن نرفع رؤوسنا فلهذا السبب بالذات.
* كاتبة إيرانية، ترجمة عن الفارسية: حمزة كوتي