شُح المياه وفساد النخبة السياسية في المنطقة

26 مارس 2018
أزمة المياه سبب رئيسي لفشل التنمية (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه الدول العربية أزمة مياه كانت سبباً رئيسياً في فشل سياساتها التنموية، وشاركت الفساد السياسي في إشعال ثورة شعبية في سورية بعد موجة جفاف طويلة ضربت جنوب البلاد، وفي تونس ومصر بعد موجة غلاء ونقص في إنتاج الغذاء، وما تزال الأزمة مرشحة لتفجير ملفات سياسية ساخنة.

وبينما ترصد الأمم المتحدة، التي تحتفل باليوم العالمي للمياه في 22 مارس/ آذار من كل عام، بوصفه وسيلة لجذب الانتباه إلى أهمية المياه وإدارة مواردها المستدامة، ترصد تزايد الطلب العالمي على الموارد المائية بمعدل 1% سنوياً، مع تزايد النمو السكاني بمعدل 1.2%.

كذلك ترصد تراجع إمدادات المياه في الوطن العربي بمعدل 1.3% سنوياً، على الرغم من زيادة النمو السكاني بنحو 2.4%، وهو ضعف المعدل العالمي.

وعلى الرغم من أن الوطن العربي يشغل مساحة 10.8% من مساحة اليابسة، فإنه لا يحظى إلا بنحو 0.7% فقط من المياه السطحية الجارية في العالم، ولا يسقط عليه إلا 2.1% من أمطار العالم.

وما يزيد الوضع توتراً أن أكثر من 70% من الموارد المائية السطحية تنبع من خارج حدود الإقليم، وأن 90% من المساحة الإجمالية لأراضي المنطقة تقع على خريطة المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة ومتدنية الرطوبة. 



وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا فقد انخفض نصيب الفرد السنوي من المياه في الوطن العربي من 3000 متر مكعب في 1962 إلى 1200 متر مكعب في 1992، ثم انخفض إلى 750 متراً مكعباً في 2011، في مقابل 7200 متر مكعب هو نصيب الفرد من المياه على مستوى العالم.

وباستثناء 6 دول عربية يزيد نصيب الفرد فيها عن خط الفقر المائي المحدد بـ 1000 متر مكعب، تقع 16 دولة عربية تحت خط الفقر المائي. وتُظهر التوقعات الحالية للمنظمة الأُممية أنه بحلول عام 2025، سيصل نصيب الفرد إلى 500 متر مكعب.

موارد مهددة

في حوض النيل، الذي تشترك فيه بوروندي ومصر وإريتريا وإثيوبيا وكينيا ورواندا والسودان وتنزانيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تنازع إثيوبيا ودول المنبع حق مصر في مياه النهر، الذي تعتمد الحياة فيها عليه كلياً، وبينها معاهدات تاريخية تقول هذه الدول إن الزمن قد تجاوزها.

وفي حوض دجلة والفرات، وهو مشترك بين إيران والعراق وسورية وتركيا، لا يزال تقاسم النهرين التوأمين مصدراً للتوتر بين تركيا في اتجاه المنبع ومصب النهر في سورية والعراق، اللذين شهدا انخفاضاً حاداً في إمدادات المياه على مدى العقود.

وفي حوض نهر الأردن، وهو مشترك بين الأردن ولبنان وفلسطين المحتلة وسورية، ومنذ أن استولى الكيان الصهيوني على الضفة الغربية عام 1967 بقي يسيطر بالكامل على الموارد المائية في المنطقة.

قيادة متقاعسة

وما يؤسف له أن المنطقة العربية، وهي على هذا النحو الأشد ندرةً في المياه على مستوى العالم، هي الأقل استعداداً لمواجهة أزمات المياه. وعلى الرغم من ضخامة تحديات الأمن الغذائي وندرة المياه، ووجود ترابط وطيد بين الفقر وسوء إدارة الموارد المائية، أظهرت الحكومات العربية عدم اكتراث بالتحدي البيئي وتدهور الموارد المائية، وبقيت المنطقة متسمة بمحدودية الاستثمارات في مجال إدارة الموارد المائية وتطوير الري والإنتاجية الزراعية.

في 2015، طرح خبراء المنتدى الاقتصادي العالمي على قادة من المنطقة العربية السؤال الآتي: "أي المخاطر العالمية تعتبر منطقتكم أقل استعدادًا لها؟"، فاعتبرت غالبية المجيبين عن السؤال أن أزمات المياه هي أعظم تهديد يواجه المنطقة، بل هو أعظم من عدم الاستقرار السياسي أو البطالة، وذلك بحسب ما جاء في كتيب صدر عن مجموعة البنك الدولي في 2017 بعنوان "ما بعد ندرة المياه: الأمن المائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"
وبسبب ضعف الاستثمارات وتوقف البحوث، ظلت كفاءة استخدام المياه في الوطن العربي عند 62%، ولم تزد كمية المياه المنتجة بالتحلية والتنقية على 12 مليار متر مكعب، بنسبة 5% من كمية المياه المستخدمة في المنطقة.




ولا يتعدى الإنفاق في مجال البحوث الزراعية 1% من قيمة الإنتاج الزراعي في هذه الدول، وبذا لا يتعدى معدل إنتاجية وحدة مساحة الأرض من الحبوب الاستراتيجية، القمح والأرز والذرة، الـ 1.6 طن للهكتار، في مقابل 3.6 أطنان للهكتار هو المعدل العالمي، بنسبة عجز بلغت 44%.

في 2012، استوردت الدول العربية 87 مليون طن من الأغذية الزراعية، بما يوازي 274 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية، وقامت بتصدير 19 مليون طن من الأغذية الزراعية، بما يوازي 55 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية، وفي نفس العام قامت هذه الدول بإنتاج طعام استخدم 282 مليار متر مكعب، بحسب تقرير الوضع المائي في المنطقة العربية، الصادر عن المجلس العربي للمياه.

ما يعني أن المنطقة العربية في حاجة إلى 219 مليار متر مكعب من المياه، حتى تصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغذاء فقط، ومن المتوقع أن تصل هذه الكمية إلى 261 مليار بحلول عام 2030، بحسب دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية أجرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالاشتراك مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة.

لقد كلفت الفجوة الغذائية الدول العربية العام الماضي مبلغ 33 مليار دولار، ومن المتوقع أن تزيد هذه الفجوة إلى 53 مليار دولار بحلول 2020، و60 ملياراً بحلول عام 2030، مدفوعة بالزيادة السكانية وشح المياه والتغيرات المناخية.

وبلغ مجموع واردات العرب من القمح فقط، مادة إنتاج الخبز، 41 مليون طن، بما يعادل 27% من المتاح للتجارة عالمياً، ومن المتوقع زيادة الواردات بنحو 75% على مدى الـ 30 سنة المقبلة، لتصل إلى 71 مليون طن، بما يوازي 18 مليار دولار بأسعار عام 2017.

وعلى الرغم من أن إنتاجية وحدة الأرض والمياه من هذه المحاصيل يمكن زيادتها بنسبة 50%، باستخدام تكنولوجيا البذور عالية الإنتاج، أو بمعنى آخر توفير نصف مساحات الأراضي ومياه الري المستخدمة حاليًا، فإن الدول العربية تعاني عجزاً في إنتاج هذا النوع من التقاوي بلغ 80% من الاحتياجات.

إن استثمارات بحجم 5 مليارات دولار فقط في مجال تكنولوجيا البذور يمكن أن تزيد إنتاج القمح إلى الضعف، ما يزيد فرص الاكتفاء الذاتي.

وفي حين تستثمر الدول العربية النفطية مبلغ 6 تريليونات دولار في دول غير عربية، لا تزيد حصة استثمارات هذه الدول من الأموال النفطية في قطاع الزراعة العربية على 0.3% من جملة هذه الاستثمارات، لكن حكومات هذه الدول لا تفعل، ما يؤكد الرأي الذي يقول به أعضاء منتدى الاقتصادي العالمي في 2015 من تقاعس القادة العرب عن الاستعداد لمواجهة أزمة المياه التي تعصف بدولهم.
المساهمون