كان الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، أحمد الطيب، أحد أبطال مشهد الثالث من يوليو/ تموز 2013، إذ كان حاضراً وقت إلقاء قائد الانقلاب العسكري، الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي بيانه بعزْل الرئيس المنتخب محمد مرسي، لكن بيانه هو كان مقتضباً ولم تبدُ عليه فرحة كبيرة وتفاؤلاً بما يحدث. بعد البيان الذي ألقاه السيسي في مساء ذلك اليوم، والذي تم بموجبه عزل مرسي، الرئيس الشرعي للبلاد، وتعطيل العمل بالدستور، وتأدية رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور اليمين أمام هيئة المحكمة كرئيس مؤقت للبلاد، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية، ألقى الطيب بياناً لم يكن حماسياً بالقدر الكافي، قال فيه إنه تبين من خلال الاجتماع، أن مصر الآن أمام أمرين أحلاهما مر، وأن أشدهما مرارةً هو صدام الشعب المصري وسيلان دماؤه في الشارع. وأضاف أنه كان من الضروري تأييد الرأي بانتخابات رئاسية مبكرة يحتكم فيها الشعب إلى صندوق انتخابٍ يضمن نزاهته... ثم اختتم كلمته بجملة "أسأل الله أن تَسْلم مصر".
بدأت العلاقة بين الطيب والسيسي عندما بدّل الأول موقفه السابق الذي كان قد أعلنه خلال ثورة 25 يناير/كانون الثاني وقبل رحيل نظام مبارك، إذ أكد الثقة بـ"القيادة الرشيدة الحكيمة للرئيس مبارك والقيادات الأمنية". وقال الطيب، تعليقاً على خطاب مبارك الثاني، إن: "التظاهرات بهذا الشكل حرامٌ شرعاً ودعوة للفوضى"، ثم اتخذ موقفاً مخالفاً مع أحداث 30 يونيو/حزيران، فأخذ يدحض ادعاءات القائلين بأن التظاهرات تعد خروجاً على الحاكم، وأن التظاهرات التي يطالب فيها الشعب رئيسه بالتنحي تعد معصيةً وليست خروجاً على الحاكم طالما أنها سلمية، في تراجع واضح عن موقفه قبل ذلك. ومع إعلان عبد الفتاح السيسي دخوله الانتخابات، عاد الطيب إلى موقفه الأول وأفتى بأن التظاهرات ضد السيسي محرمة وتعتبر خروجاً عن الشريعة.
اقــرأ أيضاً
لكن يبدو أن ذلك كله لم يشفع للإمام لدى الرئيس الذي بدا في أكثر من موقفٍ متربصاً بالطيب، وكان آخرها عندما وجّه إليه عتاباً في أثناء الاحتفال بعيد الشرطة، قائلًا: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وذلك في سياق حديثه عن ضرورة تغيير الموقف الشرعي من قضية "الطلاق الشفهي" واعتباره كأن لم يقع إذا لم يتم توثيقه.
مصادر مقربة من الطيب أكدت لـ "العربي الجديد" أن حديث الرئيس بهذا الشكل أغضب شيخ الأزهر بشدة، لا سيما أنها ليست المرة الأولى التي يتعامل فيها السيسي مع الطيب بطريقة فظة، على حد وصفها، إذ قام السيسي بتوجيه نداءات كثيرة في حضور شيخ الأزهر أحمد الطيب، وجميع القيادات الدينية بأن جهودهم غير كافية في مسألة تجديد الخطاب الديني، إلا أن الأمر هذه المرة يتعلق بمسألة فقهية محسومة جدلاً منذ مئات السنين، وهو ما دفع شيخ الأزهر إلى حشْد جبهته القوية داخل هيئة كبار العلماء، وقرروا رفْض ما طالب به السيسي من إلغاء للطلاق الشفهي، وأصدروا بياناً شديد اللهجة. وحذرت الهيئة في بيانها "مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء". وطالبتهم بأن "يؤدوا الأمانة في تبليغ أحكام الشريعة على وجهها الصحيح"، وهو ما يعد رداً قوياً على السيسي ومؤيديه من المشايخ الذين أفتوا بإمكانية إلغاء الطلاق الشفهي.
كما أكدت الهيئة التي يتبع معظم أعضائها الشيخ الطيب، باستثناء أحمد عمر هاشم، وعلي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، أن "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطَه هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي، وأنه على المطلِّق أن يبادر في توثيق هذا الطلاق فور وقوعه حفاظاً على حقوق المطلقة وأبنائها". وأضافت أنه "من حق ولي الأمر شرعاً أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسنِّ تشريعٍ يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه".
اللافت في الاجتماع الذي عقدته هيئة كبار العلماء وأصدرت على أثره ذلك البيان، أنه تم بحضور النائب السابق لشيخ الأزهر حسن الشافعي، إذ جلس الأخير إلى يمين الطيب مباشرة. والمعروف أن الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء، قد استقال من منصبه كنائب لشيخ الأزهر بعد المجزرة التي ارتكبها الانقلاب ضد المعتصمين السلميين في ميداني رابعة والنهضة. وعلل الشافعي استقالته يومها بأنه لا يريد أن يشعر الطيب بالحرج، ولا سيما أنه يحبه بشدة. وبسبب موقف الشافعي مما حدث في رابعة والنهضة، تم التنكيل به من قبل الأجهزة الأمنية، إذ تم التعامل معه بقسوة في مطار القاهرة، وتم إنزاله هو وزوجته من على عربة نقل المرضى وكبار السن، وذلك عقاباً على البيان الذي أصدره بعد المجزرة.
وبحسب مصادر من داخل مشيخة الأزهر، فإن من أسباب توتر العلاقة بين الطيب والسيسي، قيام الأجهزة الأمنية في مصر بإرسال تقارير عن الأزهر وشيخه إلى الرئيس، وهي التقارير التي وصفتها المصادر بـ "التحريضية" ضد الشيخ، وقالت إنها وصلت إلى حد اتهام الطيب بالاستعانة بقيادات "إخوانية" داخل المشيخة، وعلى رأسها المستشار القانوني لشيخ الأزهر محمد عبد السلام، والذي يعتبر حائط الصد في الدفاع عن الطيب أمام الهجوم الذي يتعرض له، فضلاً عن اتهام المؤسسة الدينية بالفشل في تجديد الخطاب الديني، من خلال حشْد أعضاء هيئة كبار العلماء وأساتذة جامعة الأزهر لتأييد سياساته، إضافةً إلى وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان، وذلك في محاولة من تلك الأجهزة للدفع برجلهم المقرب وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، كمرشح لخلافة الطيب في المشيخة.
نقطة خلاف أخرى كانت سبباً في تصدُّع العلاقة بين المشيخة والرئيس، وهي الزيارة التي قام بها شيخ الأزهر إلى بابا الفاتيكان في روما، إذ قالت المصادر إن الطيب كان غير راضٍ عن تلك الزيارة وخصوصاً مع تصاعد نبرة رفض الزيارة من قِبل علماء الأزهر، بسبب موقف البابا فرنسيس من مصر وطلبه التدخل الدولي لحماية الأقباط. لكن الطيب وافق في النهاية على الزيارة، بعد أن أبلغه مدير مكتب عبد الفتاح السيسي عباس كامل بأنه أتم جميع ترتيبات الزيارة، وأنه لا مجال للتراجع.
المصادر أكدت أيضاً أن من سمات الشيخ الطيب، أنه رجل عنيد لا يرضى بأن تُكسَر شوكته بسهولة، خصوصاً أنه كان عضواً في المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم قبل تعيينه شيخاً للأزهر، ما أكسبه خبرة لا بأس بها في السياسة والتعامل بحنكة. كما أن أصوله الصعيدية، والتي ترجع إلى أسرة عريقة في الأقصر وهي "الطيبين"، تجعله متمسكاً بمواقفه لا يتنازل عنها بسهولة. وهذا ما يصطدم بشدة مع "طبيعة عبد الفتاح السيسي الديكتاتورية والتي لا ترضى سوى بالانبطاح الكامل أمام إرادته"، على حد وصف المصادر. لكن السؤال الآن هو كيف يتعامل السيسي مع شيخ الأزهر وما هو مستقبل العلاقة بينهما؟. ينص الدستور المصري في مادته السابعة من الفصل الأول بالباب الثاني "المقومات الأساسية للمجتمع" أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشْر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء". وهي المادة التي تقف عائقاً في طريق السيسي للإطاحة بالطيب، إلا أن الملحوظ من خلال أي متابع للشأن العام في مصر، أن أجهزة السيسي تلجأ إلى حملات تشويه منظمة في الإعلام ضد الطيب وضد المشيخة بوجه عام.
بدأت العلاقة بين الطيب والسيسي عندما بدّل الأول موقفه السابق الذي كان قد أعلنه خلال ثورة 25 يناير/كانون الثاني وقبل رحيل نظام مبارك، إذ أكد الثقة بـ"القيادة الرشيدة الحكيمة للرئيس مبارك والقيادات الأمنية". وقال الطيب، تعليقاً على خطاب مبارك الثاني، إن: "التظاهرات بهذا الشكل حرامٌ شرعاً ودعوة للفوضى"، ثم اتخذ موقفاً مخالفاً مع أحداث 30 يونيو/حزيران، فأخذ يدحض ادعاءات القائلين بأن التظاهرات تعد خروجاً على الحاكم، وأن التظاهرات التي يطالب فيها الشعب رئيسه بالتنحي تعد معصيةً وليست خروجاً على الحاكم طالما أنها سلمية، في تراجع واضح عن موقفه قبل ذلك. ومع إعلان عبد الفتاح السيسي دخوله الانتخابات، عاد الطيب إلى موقفه الأول وأفتى بأن التظاهرات ضد السيسي محرمة وتعتبر خروجاً عن الشريعة.
لكن يبدو أن ذلك كله لم يشفع للإمام لدى الرئيس الذي بدا في أكثر من موقفٍ متربصاً بالطيب، وكان آخرها عندما وجّه إليه عتاباً في أثناء الاحتفال بعيد الشرطة، قائلًا: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وذلك في سياق حديثه عن ضرورة تغيير الموقف الشرعي من قضية "الطلاق الشفهي" واعتباره كأن لم يقع إذا لم يتم توثيقه.
كما أكدت الهيئة التي يتبع معظم أعضائها الشيخ الطيب، باستثناء أحمد عمر هاشم، وعلي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، أن "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطَه هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي، وأنه على المطلِّق أن يبادر في توثيق هذا الطلاق فور وقوعه حفاظاً على حقوق المطلقة وأبنائها". وأضافت أنه "من حق ولي الأمر شرعاً أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسنِّ تشريعٍ يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه".
اللافت في الاجتماع الذي عقدته هيئة كبار العلماء وأصدرت على أثره ذلك البيان، أنه تم بحضور النائب السابق لشيخ الأزهر حسن الشافعي، إذ جلس الأخير إلى يمين الطيب مباشرة. والمعروف أن الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء، قد استقال من منصبه كنائب لشيخ الأزهر بعد المجزرة التي ارتكبها الانقلاب ضد المعتصمين السلميين في ميداني رابعة والنهضة. وعلل الشافعي استقالته يومها بأنه لا يريد أن يشعر الطيب بالحرج، ولا سيما أنه يحبه بشدة. وبسبب موقف الشافعي مما حدث في رابعة والنهضة، تم التنكيل به من قبل الأجهزة الأمنية، إذ تم التعامل معه بقسوة في مطار القاهرة، وتم إنزاله هو وزوجته من على عربة نقل المرضى وكبار السن، وذلك عقاباً على البيان الذي أصدره بعد المجزرة.
نقطة خلاف أخرى كانت سبباً في تصدُّع العلاقة بين المشيخة والرئيس، وهي الزيارة التي قام بها شيخ الأزهر إلى بابا الفاتيكان في روما، إذ قالت المصادر إن الطيب كان غير راضٍ عن تلك الزيارة وخصوصاً مع تصاعد نبرة رفض الزيارة من قِبل علماء الأزهر، بسبب موقف البابا فرنسيس من مصر وطلبه التدخل الدولي لحماية الأقباط. لكن الطيب وافق في النهاية على الزيارة، بعد أن أبلغه مدير مكتب عبد الفتاح السيسي عباس كامل بأنه أتم جميع ترتيبات الزيارة، وأنه لا مجال للتراجع.
المصادر أكدت أيضاً أن من سمات الشيخ الطيب، أنه رجل عنيد لا يرضى بأن تُكسَر شوكته بسهولة، خصوصاً أنه كان عضواً في المكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم قبل تعيينه شيخاً للأزهر، ما أكسبه خبرة لا بأس بها في السياسة والتعامل بحنكة. كما أن أصوله الصعيدية، والتي ترجع إلى أسرة عريقة في الأقصر وهي "الطيبين"، تجعله متمسكاً بمواقفه لا يتنازل عنها بسهولة. وهذا ما يصطدم بشدة مع "طبيعة عبد الفتاح السيسي الديكتاتورية والتي لا ترضى سوى بالانبطاح الكامل أمام إرادته"، على حد وصف المصادر. لكن السؤال الآن هو كيف يتعامل السيسي مع شيخ الأزهر وما هو مستقبل العلاقة بينهما؟. ينص الدستور المصري في مادته السابعة من الفصل الأول بالباب الثاني "المقومات الأساسية للمجتمع" أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشْر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء". وهي المادة التي تقف عائقاً في طريق السيسي للإطاحة بالطيب، إلا أن الملحوظ من خلال أي متابع للشأن العام في مصر، أن أجهزة السيسي تلجأ إلى حملات تشويه منظمة في الإعلام ضد الطيب وضد المشيخة بوجه عام.