شيء من الهبل

22 اغسطس 2014
+ الخط -


في واحدة من روائع السينما المصرية، يقف الفنان يحيى شاهين، (الشيخ إبراهيم)، مجتمعا بأهل (كفر الدهاشنة) بعد الفراغ من صلاة الجمعة في مسجد القرية، ليقول لهم: يا إخواني، أنتم عارفين إن جوازة عتريس من فؤادة باطل، وإن فؤادة لازم ترجع لأهلها.

ولأن العبيد كما هم في كل زمان ومكان، كان رد أحد هؤلاء: يا شيخ إبراهيم وإحنا مالنا، وأبناء هؤلاء يقولون الآن: إيه اللي وداهم هناك! ولأن حزب النور فكرة، والفكرة لا تموت، يقول أحدهم: يا شيخ إبراهيم ده وقته ولا ده مكانه!.

ويعقب آخر: يا شيخ إبراهيم: عايزنا نبطل الجوامع كمان!

فكان رد الشيخ: ما أنتم منهم، أيوة منهم، ما الجبان يبقى من العصابة، لأنه بجبنه بيخليهم يدوسوا على الناس أكثر، واللي بيسكت برضه منهم لأنه بسكوته بيخلي صوتهم هما يعلى.

يبدع الكاتب ثروت أباظة، في قصته القصيرة، والتي حولت إلى الفيلم السينمائي "شيء من الخوف" في رسم صورة الديكتاتور في كل زمان ومكان، والذي أراد توريث العرش لابنه، ومشى ابنه على خطاه في الظلم والقتل والطغيان، حتى استطاعت امرأة واحدة، بشجاعتها وجرأتها، أن تقف في وجهه، وتشجع الثوار والصالحين من أهل القرية على الصدح بكلمة الحق، والوقوف في وجه الظلم. فحمل راية الثورة ذلك الشيخ، الذي آمن بأن الدين الإسلامي منهج حياة، دين ودولة، قول وعمل، وسخر حياته للدعوة والعمل في سبيل الله، وآمن أن الجهر بكلمة الحق والوقوف في وجه الظالم أفضل الأعمال على الإطلاق، وأن الموت في سبيل الله أغلى الأماني، وقد دفع ثمن ذلك غالياً، حيث قتل ولده الوحيد، وكل ما لديه في الحياة، ولم يثنه ذلك عن الجهر بكلمة الحق.

وأبدع مخرج الروائع، حسين كمال، في رسم مشهد النهاية، حينما أصرت الحرة "فؤادة"، وتؤدي دورها الفنانة شادية على رفضها الزواج من عتريس، حتى بعد تهديده لها بقتل محمود، ابن الشيخ إبراهيم، قائلة له بكل سخرية: يا غلبان أنا مش ممكن أبيع نفسي ليك، ولا أبيع الدهاشنة، بعدما ذاقوا كلهم المر، ولو وافقت دلوقتي بكرة تدوس على البلد كلها، ولو قتلت محمود النهارده، البلد فيها ألف محمود، والدهاشنة هتعيش".

ويظهر الفيلم حكاية كفر الدهاشنة، مرة أخرى، بعد أن تنعمت عاماً كاملاً في عهد الرجل الصالح التقي (الشيخ إبراهيم)، وذاقت معنى الحرية والكرامة، حتى تسبب العبيد فيها بعودة الظلم متربعاً على عرشها ثانية، فلم يعد لهم ذلك الديكتاتور العاقل "عتريس"، بل القصير المجنون "رشدي أوميجا"، والذي حلم بالزعامة، وهو أحمق قزم، لا يصلح حتى أن يكون حارس عقار. 

كفر الدهاشنة، القرية المحروسة، هي النموذج المثالي لبلاد الأحرار والعبيد والطغاة، على مدار الأزمنة وفي كل العصور.