شوارع بغداد عنوان الهدر والفساد

03 مارس 2017
مدينة خربة اليوم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من تخصيص ميزانيات كبيرة لترميم وإعادة إعمار شوارع العاصمة العراقية فهي على حالها منذ ما قبل الغزو عام 2003

"على أطلال الماضي القريب تتوكأ شوارع بغداد الجميلة" يطلق مهند (16 عاماً) كلمات تشبه الشعر في التعبير عن حال العاصمة العراقية. فقد فوجئ الشاب بجمال بعض شوارعها عندما شاهدها للمرة الأولى بعد رفع الحواجز الإسمنتية منها. وهي العملية التي بدأتها الحكومة العراقية في 28 أغسطس/ آب 2015 إذ بادرت إلى فتح الشوارع الرئيسية والفرعية التي أغلقها بدءاً من عام 2003 مسؤولون ونافذون وأحزاب.

لكنّ والد مهند الذي يسكن في ناحية السيدية غرب بغداد، يضحك عندما يسأله ابنه عما إذا كان قد مرّ في شارع الأميرات من قبل وهو يثني على الحكومة الحالية التي يعتقد أنّها هي التي أنجزته حديثاً. يفسر أبو مهند لابنه: "رداً على سؤالك يا ابني فهذا الشارع الذي تراه لأول مرة لم تنجزه الحكومة الحالية بل هو من شوارع بغداد القديمة، لكنّه كان مغلقاً وافتتح الآن، لذلك ما زال جميلاً إذ لم تطاوله يد التخريب بعد".

يتابع أبو مهند الذي حضر إلى بغداد لشراء بعض ما يحتاج إليه لورشة النجارة التي يملكها: "الجيل الجديد في معظمه، لم يشاهد بغداد كما شاهدناها نحن قبل الاحتلال. فبعد الاحتلال الأميركي أغلقت الشوارع الرئيسية والمجمعات السكنية بحجة الوضع الأمني، أو نتيجة لاستحواذ الأحزاب الحاكمة على مبان واتخاذها مقرات، وبالتالي لم يبق من صور بغداد غير أحياء ومدن تتراجع وتتآكل بفعل التفجيرات اليومية. لذلك شكلت مشاهدة شارع الأميرات والمنصور دهشة في نفس ابني مهند الذي لم يزر داخل العاصمة بغداد من قبل".

يؤكد أبو مهند لـ"العربي الجديد" أنّه لا يحب زيارة بغداد كثيراً بسبب ما يصفه بـ"عبث المفسدين فيها وخراب بنيتها التحتية". فهو لا يريد أن يشوّه صورة بغداد القديمة التي عرفها ببساطة وجمال عمرانها الذي ما زال شاخصاً لكنّ الدمار يلحق بأجزاء غير بسيطة منه.
من جهته، يقول أستاذ اللغة العربية شاهين الصالحي: "اعتقدنا بعد سقوط بغداد والاحتلال الأميركي عام 2003، أنّ أموراً كثيرة ستتحسن، وستزداد عاصمتنا عمراناً، لكننا فوجئنا أنّ الحواجز الإسمنتية نُصبت في كلّ مكان، والحفريات في الشوارع لم تُطمر بل ازداد عددها، وشوارع أخرى خرّبت بحجة إعادة صيانتها. أنفقت المليارات في إصلاح وإعمار البنى التحتية، ولا نعرف أين نفذ ذلك، وإن كان قد جرى تنفيذه أساساً!".


يشير في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ الأرقام الفلكية التي تتحدث عنها الحكومة العراقية حول إصلاح البنى التحتية ليست لها ترجمة على أرض الواقع، فمن يدخل بغداد يشعر أنّه دخل إلى منطقة تمعن في تخريب تاريخها من دون أن تنشئ مشاريع حديثة. يوضح أنّ 99 في المائة من هذه المشاريع تُسرق تمويلاته، وليس هناك ما يدلّ على الإعمار: "كلّ ما نراه أمامنا هو من الماضي. لا نستطيع أن نفتخر بأيّ بناء جديد. مستشفياتنا قديمة ومعالم المدينة كلّها قديمة، حتى شوارعها جميعها يعود أسفلتها إلى عقود. بتنا نخشى أن تقع كلّ البنايات التي انتهى عمرها الافتراضي ولم تصل إليها حملات الصيانة والترميم".

وفي تفاصيل أكثر، يقول أستاذ الفكر الإسلامي حذيفة السامرائي لـ"العربي الجديد": "شارع الرشيد كان من أرقى الشوارع في الوطن العربي، فقد عُرف بتاريخه القديم واشتهر بالمحال الفاخرة والعلامات التجارية العالمية، لكنّه الآن ليس أكثر من شارع تعيس ليس فيه غير عربات تجرها الحيوانات أو يدفعها الحمالون". يتساءل: "أين هي مشاريع الإعمار للبنى التحتية التي تحدثت عنها الحكومة؟". ويعتبر السامرائي أنّ البنى التحتية في العراق منهارة إلى حد كبير ومهملة، ولم تشهد أي تطوير أو صيانة بالرغم مما يملكه العراق من ثروات هائلة "لكنّها ثروات تذهب إلى جيوب اللصوص".

بدورها، تقول المحامية إيمان الأعظمي التي عاشت في بغداد طوال حياتها لـ"العربي الجديد": "بغداد مدينة خربة، ولا تقاس اليوم بالعقود الخمسة الماضية التي عرفتها فيها". تفسّر: "كلّ حكومة تأتي وتسرق ولا تبني شيئاً بل تهدم. تطلق الوعود ولا تنفذ. وهذا بالضبط ما يحصل منذ الغزو الأميركي، فحكومات متتالية أمسكت بعنق العراق جميعها لم يفِ بوعد. نسمع عن أرقام خيالية خصصت للبنى التحتية ولا نشاهد غير مبانٍ مضى على بناء أحدث واحد فيها ما لا يقل عن عشرين عاماً. هي لم تُبنَ إذاً في عهد الحرية والديمقراطية الذي حدثونا عنه وأملنا به خيراً. اتضح لنا جميعاً أنّنا نمرّ في أسوأ مرحلة في تاريخ البلاد".