على مدى مائتي صفحة وصفحة من رواية "مديح لنساء العائلة" لم يتمكّن بطل الرواية "محمّد الأصغر"، من تحقيق أيّ من المهمّات التي كان والده منّان بن محمّد بن عبد الله، آخر كبار عشيرة العبدلّات، يطمح إلى تحقيقها. لكنه قبل نهاية الرواية بقليل يقدّم وعدا لوالده بكتابة تاريخ العائلة (المُمزّقة) المحفوظ في صدور كبارها، فيموت منّان، بعد أن "أدى هو وجيله دورهم على نحو ما".
الرواية الصادرة حديثا هي الجزء الثاني المكمّل لرواية "فرس العائلة" (2012) وترسم ارتطام الجيل الرابع من هذه العائلة المقدسية الممتدة بالحائط الصلد، بعد أن كانت، منذ عهد العثمانيين، ذات حضور قوي في المجتمع العشائري الفلسطيني. كان منّان آخر كبارها، وحاول أن يصنع من ابنه الأصغر وريثا لـ"مملكته"، لكن بلا جدوى.
مسيرة العائلة، والتحولات التي عصفت بها، في سياق تحوّلات المجتمع الفلسطيني أولاً، والهزّات الخارجية التي تعرضت لها فلسطين ثانياً، هي مادة الروايتين، مادة تغطي محاور كثيرة وعميقة التأثير في ما آلت إليه حال فلسطين والفلسطينيين، منذ الحكم العثماني، مرورا بالبريطاني ثم العدو الصهيوني، وصولا إلى الحكم الأردني، وانتهاء بحصار بيروت وخروج المقاومة منها.
تقدم الروايتان عشرات الشخصيات الأساسية والثانوية، ذكورا وإناثا، في حال من الانهيار والهزيمة، تتساوق مع الانهيار العام، الفلسطيني والعربي بين عامي 1948 و1982، مرورا بهزيمة عام 1967 وأيلول 1970 وسواهما من الهزائم الشخصية والوطنية والقومية. شخصيات مأزومة تنتهي بمصائر تراجيدية. "البطل" الأساسي هنا، منّان، في حالة تدهور على كل الأصعدة، فقد انفرط عقد عائلته، وكان قد تزوّج ست زوجات، وأنجب مائتين من الأبناء والأحفاد، وصار لكل منهم طريقه.
في المجتمع الروائي "النسويّ"، وعلى النقيض من "المديح" للنساء الذي يحمله العنوان، نجد القليل من النماذج الإيجابية. هنا تقف "وضحا" زوجة منّان، كأنها "شهرزاد"، بوصفها أيقونة العائلة، ومصدر حكاياتها، والقائمة بوظيفة الراوية الساردة لهذه الحكايات في "ليالي السمر"، إذ "الحكاية أنثى مسالمة"، وظيفة ورثتها عن أمها ولا تريد التخلي عنها.
تعكس الرواية في واحد من محاورها طبيعة العلاقة بين الأردن وفلسطين، قبل كارثة 1948 وبعد قيام وحدة الضفّتين، ومن مظاهر هذه العلاقة، زواج "العمة معزوزة" من الجندي الأردني صايل، فحين أصيب صايل في حرب 1948، جرى علاجه واحتضانه في بيوت العبدلّات، تعرّف إلى معزوزة وتزوجها وأخذها إلى مدينته (مأدبا)، وأنجب منها "فزاع"، وهو ما يظهر حجم التلاحم بين الأردني والفلسطيني، لكن في المقابل ستظهر لاحقا، في معارك أيلول الأسود، إمكانية المواجهة بين عمر ابن محمد الكبير الذي التحق بالمقاومة، وفزاع الذي صار جنديا في الجيش الأردني. إنها المواجهة بين الجنديّ الأردني وابن خاله الفدائيّ الفلسطيني.
واستتباعاً، ينجح الطبيب الشيوعي الأردني في انتخابات عام 1956 نائبا عن مدينة القدس، ويهزم المرشح الموالي للنظام الملكي، "في زمن لم يعد الانتماء فيه للعشائر بل للوطن". بعدها نشهد الإطاحة بالحكومة الوطنية 1958، وحظر الأحزاب السياسية واعتقال المنتسبين إليها (في سجن الجفر الصحراوي الشهير)، باستثناء جماعة "الإخوان المسلمين"، التي "احتضنها النظام"، بذريعة أنها جماعة دعوية، بحسب الرواية دائما.
لقد قام محمود شقير، عبر الروايتين، بالعمل الذي ينبغي أن يقوم به محمد الأصغر: "تدوين وقائع حياة العائلة التي انتقلت من البرية إلى مشارف القدس، وعايشت أزمنة وحُكّاما متعدّدين"، كما يكتب شقير في عدد من مقاطع الرواية. أهي سيرة عائلته التي ظلّ يرغب في كتابتها، وجاءت في هاتين الروايتين، وربّما تتبعهما أجزاء أخرى؟
*كاتب وشاعر أردني
الرواية الصادرة حديثا هي الجزء الثاني المكمّل لرواية "فرس العائلة" (2012) وترسم ارتطام الجيل الرابع من هذه العائلة المقدسية الممتدة بالحائط الصلد، بعد أن كانت، منذ عهد العثمانيين، ذات حضور قوي في المجتمع العشائري الفلسطيني. كان منّان آخر كبارها، وحاول أن يصنع من ابنه الأصغر وريثا لـ"مملكته"، لكن بلا جدوى.
مسيرة العائلة، والتحولات التي عصفت بها، في سياق تحوّلات المجتمع الفلسطيني أولاً، والهزّات الخارجية التي تعرضت لها فلسطين ثانياً، هي مادة الروايتين، مادة تغطي محاور كثيرة وعميقة التأثير في ما آلت إليه حال فلسطين والفلسطينيين، منذ الحكم العثماني، مرورا بالبريطاني ثم العدو الصهيوني، وصولا إلى الحكم الأردني، وانتهاء بحصار بيروت وخروج المقاومة منها.
تقدم الروايتان عشرات الشخصيات الأساسية والثانوية، ذكورا وإناثا، في حال من الانهيار والهزيمة، تتساوق مع الانهيار العام، الفلسطيني والعربي بين عامي 1948 و1982، مرورا بهزيمة عام 1967 وأيلول 1970 وسواهما من الهزائم الشخصية والوطنية والقومية. شخصيات مأزومة تنتهي بمصائر تراجيدية. "البطل" الأساسي هنا، منّان، في حالة تدهور على كل الأصعدة، فقد انفرط عقد عائلته، وكان قد تزوّج ست زوجات، وأنجب مائتين من الأبناء والأحفاد، وصار لكل منهم طريقه.
في المجتمع الروائي "النسويّ"، وعلى النقيض من "المديح" للنساء الذي يحمله العنوان، نجد القليل من النماذج الإيجابية. هنا تقف "وضحا" زوجة منّان، كأنها "شهرزاد"، بوصفها أيقونة العائلة، ومصدر حكاياتها، والقائمة بوظيفة الراوية الساردة لهذه الحكايات في "ليالي السمر"، إذ "الحكاية أنثى مسالمة"، وظيفة ورثتها عن أمها ولا تريد التخلي عنها.
تعكس الرواية في واحد من محاورها طبيعة العلاقة بين الأردن وفلسطين، قبل كارثة 1948 وبعد قيام وحدة الضفّتين، ومن مظاهر هذه العلاقة، زواج "العمة معزوزة" من الجندي الأردني صايل، فحين أصيب صايل في حرب 1948، جرى علاجه واحتضانه في بيوت العبدلّات، تعرّف إلى معزوزة وتزوجها وأخذها إلى مدينته (مأدبا)، وأنجب منها "فزاع"، وهو ما يظهر حجم التلاحم بين الأردني والفلسطيني، لكن في المقابل ستظهر لاحقا، في معارك أيلول الأسود، إمكانية المواجهة بين عمر ابن محمد الكبير الذي التحق بالمقاومة، وفزاع الذي صار جنديا في الجيش الأردني. إنها المواجهة بين الجنديّ الأردني وابن خاله الفدائيّ الفلسطيني.
واستتباعاً، ينجح الطبيب الشيوعي الأردني في انتخابات عام 1956 نائبا عن مدينة القدس، ويهزم المرشح الموالي للنظام الملكي، "في زمن لم يعد الانتماء فيه للعشائر بل للوطن". بعدها نشهد الإطاحة بالحكومة الوطنية 1958، وحظر الأحزاب السياسية واعتقال المنتسبين إليها (في سجن الجفر الصحراوي الشهير)، باستثناء جماعة "الإخوان المسلمين"، التي "احتضنها النظام"، بذريعة أنها جماعة دعوية، بحسب الرواية دائما.
لقد قام محمود شقير، عبر الروايتين، بالعمل الذي ينبغي أن يقوم به محمد الأصغر: "تدوين وقائع حياة العائلة التي انتقلت من البرية إلى مشارف القدس، وعايشت أزمنة وحُكّاما متعدّدين"، كما يكتب شقير في عدد من مقاطع الرواية. أهي سيرة عائلته التي ظلّ يرغب في كتابتها، وجاءت في هاتين الروايتين، وربّما تتبعهما أجزاء أخرى؟
*كاتب وشاعر أردني