شهرزاد العربية في الاغتراب

05 يوليو 2015
لاجئات سوريات في الاغتراب الأوروبي(Getty)
+ الخط -
منذ عامين حضرت صديقتي من المغرب إلى ألمانيا، بموجب "لمّ شمل" مع زوجها "العربي الأوروبي"، لم يمض وقت طويل قبل أن تندلع الحقيقة المرة. صديقتي الأخرى، تعيش في برلين، تزوجت من شاب فلسطيني وقد عرض عليها الزواج في مكان العمل حيث كانا يعملان، هي وهو مقيمان منذ سنوات هناك، لم تمض أشهر حتى كانا سعداء بأنهما سيرزقان بطفلهما الأول، تلك حقيقة بطعم مذاق الامتزاج الجميل بين العرب. فمن برلين طارت صديقتي مع مولودها الأول إلى الرباط يرافقها زوجها لزيارة الأهل. الشهر مر بسعادة وهدوء، عروسان عرفا أية بيئة يحييان وأية ثقافة يريدان لأطفالهما وحياتهما، فقد أصبح لصديقتي البرلينية طفلان يساعدها زوجها في رعايتهما وتربيتهما منذ الاستيقاظ نحو العمل في الصباح حتى موعد المساء.
صديقتي الأولى، ما تزال تجهش بالبكاء بعد عامين من حضورها لتجد نفسها في مجمع أشبه بإسطنبول مصغرة، فرض عليها حجاباً وغطاء جسد بلون معين طيلة أيام العام، وبدأ يهذي بما لم يكن يغرد به حين كان يداعب رمال الشاطئ في بلدها. كيف كانت ستعرف بأنه كلما أراد حتى زيارة طبيب سيحتاج مترجماً، مثلما اكتشفت بأنه لا يدرك من ألمانيا سوى المحاكم والمحامين والمترجمين والبلديات.
كل الغضب في داخل زوج صديقتي، والتي جاءها ذات صيف أربعيني يطلب الزواج مقدماً بين بعض الجمل العربية كلمات ألمانية باعتباره يجيد كل شيء، كان يقع على رأسها. كيف كانت ستعرف بأن الرجل يعاني صدمات جمة وهو تحت العلاج ومطلق ويعيش على المساعدات بما يشبه التقاعد المبكر من دون عمل ومن دون دراية بشيء؟
بين صديقاتي اللاتي تغربن بعد تخرجهن، كانت هي الأكثر تعاسة في انقلاب الظروف التي حلمت من خلالها أن تصبح منتجة في عملها بشهادتها. ها هي صديقتي ما فتئت تزاول الألم والانزواء، فبعد أن كانت مراكش شهر العسل، صارت أيامها حنظلاً في ألمانيا وكأنها انتزعت نفسها نحو سراب لم تسأل عنه شيئاً قبل أن تسير إليه.
سألتها: هل تسمحين لي أن أروي شيئاً؟ علّ صديقات غيرك في عالمنا العربي يدركن بأن يسألن مرة واثنتين وثلاث قبل أن تحضر الأوراق التي غالباً لا تحوي كل المطلوب من معلومات، وإن احتوت فهي لن تعكس حقيقة الشخص القادم كبعضهم لزيجة بعد زيجات.
قالت: قولي لهن أن يسألن كثيراً، وأن يفتشن عن كل صغيرة وكبيرة، الماضي ليس هو الأساس الذي يجب أن يمررن عليه، لكن حاضر هؤلاء الرجال الآتين كالجراد من الغرب إلى بلاد العرب باحثين عن جوارٍ... أو متنفسات مرض... وليس زوجات.
حدث لصديقة أخرى في المشرق العربي قبل ست سنوات أن قامت بما تسميه "غلطة عمر"، فقد كان المحيط يدفعها لقبول "الستر" كما قالت. فأي "ستر" وهي ثلاث مرات في دولة اسكندنافية أدخلت المشفى، بحجة وقوعها عن الدرج، وفي الرابعة اختفت فيها مع ثلاثة من الأطفال متنقلة بين دور المعنفات قبل أن تنتقل مرة أخرى إلى بلد آخر تاركة وراءها سراب خمس سنوات من الصبر.
ترى ماذا لو حكت شهرزاد العربية في بلاد الاغتراب؟

دلالات
المساهمون