11 نوفمبر 2024
شهادة الكواري ومعركة اليونسكو
ليس حماسا زائدا، ولا عَبَطا متزيّدا، أن يجهر صاحب هذه الكلمات هنا بأن كتاب الوزير والسفير القطري، حمد بن عبد العزيز الكواري، "وظلم ذوي القربى.. الطريق إلى اليونسكو"، (دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، الدوحة) من أهم الكتب التي صدرت بالعربية في عام 2019. وأول مطارح هذه الأهمية أنه كتابٌ غير مسبوقٍ في لونِه، فهو شهادةٌ يبسُطها صاحبُها عن تجربةٍ خاضها، بإحاطةٍ وافيةٍ، تضيء على الواقعة التي تتصل بها هذه التجربة التي لا تخصّ الكواري وحده، وإنما يلزم النظر إليها مقطعا من راهنٍ عربيٍّ مثقلٍ بالرثاثة والتعاسة، لمّا تعاملت دولٌ عربيةٌ مع ترشّح مثقفٍ ودبلوماسيٍّ قطريٍّ لرئاسة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وتنافس برنامجُه مع آخرين، بكيفيةٍ عُصابية، فيها جنونٌ كثير، ومقادير مفزعةٌ من قلّة العقل. وقبل هذا وبعده، فيها ما هو كاشفٌ لحالٍ عربي خربان. وإلى هذين الأمرين، للكتاب أهميةٌ خاصّة، تيسّرها الأفكار التي يطرحها، ويساجِل بشأنها، وتستحقُّ انتباها عربيا عريضا بها، وهي تتعلّق بالصلة بين الكوني والمحلي، على صعيد الثقافة، وبالتاريخ الإنساني المشترك والتشديد اللازم عليه، وبأدوار الدبلوماسية الثقافية، وما تؤدّيه في التقريب بين الشعوب.
يجول الكتاب في هذا كله وغيره، وفي قضايا العلاقات الثقافية بين الأمم، وفي الصناعات الإبداعية، بلغةٍ تدلّ على خبرة الكاتب في التواصل الناجح مع قارئه، حيث البساطةُ التي تتسلّح بالعمق، وليونةُ العبارة التي تُحافظ على روح المحاجَجة. والبادي أن الكواري، وهو الدبلوماسي المنشغل في الثقافة وأسئلتها ووظائفها، قد أفاد كثيرا من خبرته سفيرا 21 عاما في غير عاصمةٍ عربيةٍ وأجنبية، و15 عاما وزيرا للثقافة، ومن طوافه الكثير في العالم وثقافاته، فدلّت سعة معرفته على أهليّته للترشّح للمنصب الثقافي العالمي الرفيع، وهو الذي تكرّم بـ 13 وساما من دول عدة. وأيضا هو الذي يجيب عن سؤال صحافيٍّ لا يخْفى فيه الغَرض، في غضون حربٍ مصريةٍ وبعض خليجيةٍ عليه، إنْ كان متزوجا من أربع، فيُجيب مبتسما بالإيجاب، وإنه يعدل بينهن، وهن أم تميم (زوجته) واللغات العربية والإنكليزية والفرنسية.
تصدّر حمد بن عبد العزيز الكواري نتائج الانتخابات التي تنافس فيها على منصب مدير "اليونسكو" في جولات الاقتراع الأربع، ثم نال في السادسة (النهائية) 28 صوتاً (من الدول الأعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو)، وأحرزت المديرة العامة الحالية، الفرنسية (المغربية الأصل)، أودري أزولاي، 30 صوتاً. وبمعرفة ملابساتٍ غير قليلة، يتبيّن أنه كان صحيحاً قول الكواري إن نصرها هذا كان بطعم الهزيمة. وصحيحٌ، قبل ذلك، إن النتيجة عموماً هي أفضل ما حقّقه عربيٌّ ترشّح للمنصب. وقد ذهبت ثلاثة أصوات عربية إلى أزولاي، من دون سببٍ وجيه، ولا مبرّرٍ مقنع، وخارج كل التوقعات، خصوصاً أن مرشّحة لبنان خرجت من المنافسة في مرحلةٍ مبكرة، وتلتها المرشحة المصرية. والحقيقة التي يخلص إليها قارئ هذا الكتاب (الممتع حقا) أوجزته عبارة صاحب الشهادة، إن "بعض العرب حطّم آمال العرب على صخرة الأنانية والنرجسية والعناد وعدم قراءة الواقع بعقلانية وحكمة".
كانت حربا استخدمت فيها الدولة المصرية ضد المرشّح القطري، حمد الكواري، وسائل بالغة الوضاعة، في ممارساتٍ أساءت لمصر، البلد العربي المركزي صاحب الدور الثقافي المتقدّم. يروي الكاتب وقائع في هذا الخصوص، تؤكد لك أن ثمّة مرضا متوطّنا يستبدّ في أفهام القائمين على أجهزة النظام الحاكم في مصر، اسمُه كراهية قطر، لا يجعلها تحتمل أن دبلوماسيّا مثقفا قطريا ينافس بجدارةٍ وكفاءةٍ على منصبٍ دوليٍّ رفيع. يجتمع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع مندوبي دول أفريقية في اليونسكو في باريس، للضغط عليهم، في تطاولٍ وصراخٍ وتوتر أحيانا. "كان المطلوب هو إسقاط مرشح قطر والتضييق عليه بالمنافسة على اقتطاع ما يمكن من الأصوات التي ستذهب إليه في غياب منافس عربي، وكان هذا هو التكتيك الذي اعتمدته مصر، بإسناد من دول الحصار".
يُظلَم كتاب "وظلم ذوي القربى.." إن عمد واحدُنا إلى إيجازِه، وكلُّ إيجازٍ مخلٌّ طبعا، أو إلى انتقاء مقتطعاتٍ منه، ذلك أن الشائق فيه غزير، كما المفيد والمثير،.. وأيضا كما الذي يبعث على الحزن والأسى، فهو كثيرٌ أيضاً.
تصدّر حمد بن عبد العزيز الكواري نتائج الانتخابات التي تنافس فيها على منصب مدير "اليونسكو" في جولات الاقتراع الأربع، ثم نال في السادسة (النهائية) 28 صوتاً (من الدول الأعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو)، وأحرزت المديرة العامة الحالية، الفرنسية (المغربية الأصل)، أودري أزولاي، 30 صوتاً. وبمعرفة ملابساتٍ غير قليلة، يتبيّن أنه كان صحيحاً قول الكواري إن نصرها هذا كان بطعم الهزيمة. وصحيحٌ، قبل ذلك، إن النتيجة عموماً هي أفضل ما حقّقه عربيٌّ ترشّح للمنصب. وقد ذهبت ثلاثة أصوات عربية إلى أزولاي، من دون سببٍ وجيه، ولا مبرّرٍ مقنع، وخارج كل التوقعات، خصوصاً أن مرشّحة لبنان خرجت من المنافسة في مرحلةٍ مبكرة، وتلتها المرشحة المصرية. والحقيقة التي يخلص إليها قارئ هذا الكتاب (الممتع حقا) أوجزته عبارة صاحب الشهادة، إن "بعض العرب حطّم آمال العرب على صخرة الأنانية والنرجسية والعناد وعدم قراءة الواقع بعقلانية وحكمة".
كانت حربا استخدمت فيها الدولة المصرية ضد المرشّح القطري، حمد الكواري، وسائل بالغة الوضاعة، في ممارساتٍ أساءت لمصر، البلد العربي المركزي صاحب الدور الثقافي المتقدّم. يروي الكاتب وقائع في هذا الخصوص، تؤكد لك أن ثمّة مرضا متوطّنا يستبدّ في أفهام القائمين على أجهزة النظام الحاكم في مصر، اسمُه كراهية قطر، لا يجعلها تحتمل أن دبلوماسيّا مثقفا قطريا ينافس بجدارةٍ وكفاءةٍ على منصبٍ دوليٍّ رفيع. يجتمع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع مندوبي دول أفريقية في اليونسكو في باريس، للضغط عليهم، في تطاولٍ وصراخٍ وتوتر أحيانا. "كان المطلوب هو إسقاط مرشح قطر والتضييق عليه بالمنافسة على اقتطاع ما يمكن من الأصوات التي ستذهب إليه في غياب منافس عربي، وكان هذا هو التكتيك الذي اعتمدته مصر، بإسناد من دول الحصار".
يُظلَم كتاب "وظلم ذوي القربى.." إن عمد واحدُنا إلى إيجازِه، وكلُّ إيجازٍ مخلٌّ طبعا، أو إلى انتقاء مقتطعاتٍ منه، ذلك أن الشائق فيه غزير، كما المفيد والمثير،.. وأيضا كما الذي يبعث على الحزن والأسى، فهو كثيرٌ أيضاً.