شهادات مروعة لضحايا التعذيب في تونس... فضح المستور

21 نوفمبر 2016
يرفعون الصوت مع اشتداد القمع (محمد مدللا/الأناضول)
+ الخط -

صدمت أصوات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات الاستبداد والظلم في فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كل من تابع أولى الجلسات العلنية التي نظمتها "هيئة الحقيقة والكرامة" مع مرور أكثر من خمسة عقود من التعذيب.

وجاءت طلبات من تعرضوا للتعذيب أو عايشوا تجارب قريبة منهم عن الانتهاكات التي ارتكبت في تلك الحقبة من تاريخ تونس مثيرة ومفاجئة للتونسيين. فالشهادات التي تليت على مسامع التونسيين نقلت حجم المعاناة التي كابدها شباب ونساء من كل التيارات السياسية التونسية على مدى سنوات طويلة، منذ لحظات الاستقلال الأولى حتى اليوم.
وفي زحمة الشهادات التي توالت على مدى يومي 17 و18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وفي غمرة الدموع والحسرة، والذكريات الأليمة، ورغبة بعض الأمهات في الاقتصاص لأبنائهم، برز بين الحاضرين صوتان، أذهلا بشهادتيهما كل التونسيين، وباتا حديث المقاهي والشوارع.
الأول هو رضا بركاتي، شقيق المناضل اليساري في حزب العمال الشيوعي التونسي، نبيل البركاتي، الذي توفي تحت التعذيب في مركز الأمن في قعفور، من محافظة سليانة الفقيرة، وسط تونس.
والثاني هو الباحث سامي براهم، الذي لاقى من ألوان التعذيب ما لم يخطر على بال، وتحدى سجانيه بالصفح، ونجح في إكمال دراسته، وأفشل مسعى النظام الدكتاتوري في قهره والدوس على كرامته.
بركاتي الذي قتل شقيقه تحت التعذيب وأُلقيت جثته في بركة مياه في أطراف المدينة، دعا إلى تحويل مقر الشرطة، الذي قتل فيه شقيقه تحت التعذيب، والذي أحرق لاحقاً خلال أحداث الثورة، إلى مقر للجمعيات الحقوقية الناشطة في الجهة، وإلى مكتبة يرتادها محبو الثقافة، وتعهد بتوفير آلاف الكتب التي تملكها عائلته.

كما دعا بركاتي أيضاً، إلى جعل يوم الثامن من مايو/أيار من كل عام، ذكرى مقتل شقيقه، يوماً وطنياً لمناهضة التعذيب، مذكراً بأن والدته كانت تردد دائماً: "سيأتي على تونس يوم ويختفي فيه التعذيب"، ولكن ذلك يستوجب تغيير العقليات تدريجياً.


أما سامي براهم، الذي أصبح حديث التونسيين بقدرته العجيبة على توصيف ما كان يحدث معه في دهاليز السجون التونسية، بتواضع وقدرة مذهلة على تجاوز ما حصل، أردف شهادته بنص طويل نشره على صفحته الرسمية، بعد أن تابع مئات ردود الأفعال على شهادته.

براهم قال إنه كتب نصه "لأتحرّر وأعود إلى حياتي في سلم داخلي"، في إشارة إلى خروجه إلى دائرة الضوء الواسعة، وتحوّله إلى موضوع لأحاديث الناس، مع أنه كان معروفاً في الأوساط الإعلامية والسياسية.

وتابع: "أكتشف معدن التونسيين نساء ورجالاً، وعمق توقهم للحرية، وخوفهم من ضياع الثّورة، وما يحدوهم من مشاعر التضامن وسعة القلوب"، مضيفاً: "بعضهم عرض عليّ مساعدات عينيّة، وبعضهم عرض عليّ مواصلة دراستي في الخارج، وبعضهم قال لي، أمّي تريد أن تقبّل جبينك (...) وأحدهم، رجل بوليس سابق، قال إنه يبكي منذ يومين، وطلب السماح وأشياء أخرى مذهلة تعبّر عن نقاء ضمير الشعب الكريم الطيب (...) يا الله قلبي الصغير لا يحتمل".



وأكد أن "الخشية من أنّ هذا الطوفان من التعاطف وعودة الوعي واستفاقة الضمير، تفتر بمجرّد العودة إلى تسليم العقول والقلوب إلى فنيّي القولبة وتشكيل الوعي الشقيّ المغَيّب. وأن يكون سقف العدالة الانتقالية وأقصى ما يمكن أن تصل إليه هو عرض الآهات والأوجاع والدّموع ومشاهد التعذيب المحزنة".

واعتبر أن "الدّولة وهي الطّرف الأساسي في المعادلة، غائبة بكلّ صلف، تستمع إلى ضحاياها من خلف الشاشات في المكاتب وفي الغرف المغلقة، دون أن تكون لها الجرأة لمواجهتهم".

وتوقع براهم أن تتواصل الحملات الشرسة على الهيئة ورئيستها بقصد تخريبها من الدّاخل والخارج، متسائلاً عما إذا لم يكن هناك خطّة لتشويه أصحاب الشهادات، خاصّة هو، "كم من الوقت ستصمد الهيئة (هيئة الحقيقة والكرامة)؟ وهل يمكن أن تحقّق نصف أهدافها؟ وهل سيُسمَحُ لها بذلك في ظلّ التوازنات القائمة؟ وهل لأطراف ما مصلحة في العدالة الانتقاليّة من غير الضّحايا؟".

المساهمون