شهادات جامعية وأوراق رسمية سورية مزورة للبيع

20 مايو 2015
شهادات سورية مزورة (العربي الجديد)
+ الخط -
في ما يشبه الطرح الدرامي أو عالم الخيال، يقول السوري المقيم في المملكة العربية السعودية (و. أ) "حصلت على خمس شهادات جامعية سورية، لي ولأخي ولأصدقاء بسعر 150 دولاراً للواحدة من "مزورين سوريين" في تركيا، بغرض استخدامات شتى، أهمها تسهيل استقدام أسرنا إلى المملكة السعودية "لأن ميزات إضافية تمنح للجامعي"، بعد التشدد الذي فرضته المملكة خلال الثورة السورية.

ويضيف (و.أ) لـ"العربي الجديد": "كسروا لي السعر لأني اشتريت "بالجملة" فهم يبيعون الشهادة بمئتي دولار كمعدل وسطي، وبما أنني اشتريت خمس شهادات دفعة واحدة بينها شهادات هندسة ميكانيكية، قدموا لي "وثيقتين مصدقتين طبق الأصل" هدية".

ويروي (و.أ) تفاصيل رحلته للحصول على الإجازة الجامعية التي "لم تستغرق سوى خمسة أيام، منها يومان سفر وعودة إلى تركيا، وسلموني إجازة في هندسة الميكانيك، وإجازة في الحقوق، وإجازة في التاريخ، وإجازة في التأهيل التربويّ وإجازة في التجارة والاقتصاد، بعد أخذهم البيانات الشخصية "الاسم وتاريخ الميلاد ...".


ويضيف "لم أرَ المزورين، بل قابلت وسطاء في مدينة غازي عنتاب التركية تعاملوا بحرص وتخوف شديدين، للتأكد أنني وحيد، وغير متفق مع جهة حكومية تركية، وغيروا مكان الموعد مرتين، قبل أن يقابلوني، اتفقنا على السعر كأننا في بازار، وبعد إعطائهم المعلومات المطلوبة، ونصف المبلغ، اتفقنا أن أسدد ما تبقى عند التسلم، وقالوا نحن نتصل بك".

ويتابع "بعد ثلاثة أيام تكلموا معي وحددوا المكان والزمان في قرية "الاصلاحية " في ريف غازي عنتاب، وأيضاً غيروا المكان وأعتقد أنهم كانوا يراقبونني، والتقينا، وسلموني الوثائق وتسلموا بقية المبلغ".

ويوضح السوري (و.أ) أن 150 دولاراً هو سعر الوثيقة الجامعية الممهورة بأختام وزارة التعليم العالي وأختام وزارة الخارجية السورية، في حين يبلغ سعر الشهادة الأصلية "الكرتون" 300 دولار، مشيراً إلى أنهم عرضوا عليه نسبة مئوية مقابل كل شهادة أو وثيقة يبيعها لهم، وإن ساعدهم في جلب زبائن، وقالوا: "لدينا كل ما تحتاجون من جوازات سفر وشهادات سياقة وشهادات جامعية ..." .

الخروج إلى العلن 

خرجت تجارة تزوير الوثائق الرسمية والشهادات الجامعية السورية إلى العلن، بعد أن عمل في مجالها سماسرة ووسطاء لنحو عامين، إذ عجّت صفحات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بالترويج لهذه التجارة التي كسر المتنافسون أرقام الأسعار الفلكية، التي كانوا يتقاضونها أيام السرية وحاجة السوريين لبعض الوثائق.

هبط سعر الشهادات الجامعية في الفروع النظرية من 300 دولار أميركي إلى نحو 150 دولاراً اليوم، وحافظت شهادتا الطب والهندسة على أسعار مرتفعة لا تقل عن 250 دولاراً حتى اليوم، كما قال "أبو محمد" صاحب مطعم في قرية "الريحانية" المجاورة لمعبر باب الهوا على الحدود التركية السورية.


وأضاف السوري أبو محمد لـ"العربي الجديد" "يشهد مطعمي بعض السمسرات والبازارات لبيع وثائق سورية مزورة في وضح النهار، ومن سماسرة باتوا معروفين هنا، لكنهم يعملون وسطاء لأن المزورين غير معروفين"، متابعاً "سمعت مراراً أنهم في مدينة "كلس" الحدودية، ولديهم وسطاء وعمال يرسلونهم لجلب الزبائن ويحصلون على نسبة على كل وثيقة".

ويقول أبو محمد "معظم الزبائن من السوريين المهاجرين إلى الدول الأوروبية والمقيمين في دول الخليج العربي، وأكثر الوثائق المطلوبة جوازات السفر بسعر يتراوح بين 1500-1800 دولار، ومن ثم قسيمة الزواج، وإخراج قيد النفوس، والشهادات الجامعية "لكن المزورين يمنحونك ما تريد ولكل وثيقة سعرها، فلديهم شهادات سياقة وشهادات خبرة للمدرسين والعاملين في الدولة، بل وشهادات خبرة من مشاف ومستوصفات حكومية لمن يشتري شهادات الطب والتمريض".

كا، يكشف لـ"العربي الجديد" أن المزوّر الرئيسي يستخدم طابعات حصل عليها من مدينة الرقة بعد تحريرها عام 2013 "وهو الأشهر بمنح جوازات السفر".

ويختم أبو محمد "لك للأمانة، يقول لك المزورون، إن الوثائق غير صالحة للاستخدام داخل سورية ولا يتعهدون أنها قانونية، ويمكن أن تمر عبر جميع المطارات والدوائر الحكومية ... نبيعك سمكاً بالماء، وأنت وحظك".

وكان نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، قد عمّم على "الأنتربول الدولي" أرقام الجوازات التي سرقت من مبنى الهجرة والجوازات في مدينة حلب، مما أدى إلى توقيف كثير من السوريين في المطارات، ومنها المطارات التركية وترحيلهم إلى مكان قدومهم أو إلى أي بلد لا يطلب من المعارضين السوريين الحصول على الوثائق الرسمية، بما فيها جوازات سفر أو تجديد المنتهية الصلاحية منها، قبل أن يسمح الشهر الفائت باستصدار جوازات عبر السفارات والقنصليات السورية بسعر 400 دولار للجواز.

تزوير في تقنية التكنولوجيا

انعكس انتشار الشهادات الجامعية المزورة حتى على التصنيف العالميّ للجامعات، الذي يعدّه موقع "ويب ماتريكس" الإسبانيّ (webometrics)، والذي أشار إلى تراجع ترتيب جامعة دمشق عالميّاً من 3400 في منتصف عام 2012 إلى 5070 في عام 2014.


ولا يزال المزورون يستغلون حاجة الناس، وإلّا كيف استمروا في منح جوازات السفر، على سبيل المثال، بعد نفاد الكمية التي حصلوا عليها من "حلب والرقة" بعد دخول المباني الحكومية؟ وهل من فارق في اللون والحبر والأختام بين الأوراق الرسمية والمزورة؟

يقول الفني التقني، باسل كمال، "لم يعد التزوير صعباً بعد تطور التكنولوجيا اليوم، لذا نرى الحكومات حول العالم تطوّر وثائقها، وصارت تضيف رموزاً وشعارات معقدة وغير مطبوعة بطابعات عادية متوفرة للعامة وتستخدم نوعيات خاصة من الورق، يصعب الحصول عليها، لحماية هذه الوثائق من التزوير، وأحد الأمثلة هو شعارات الـ Hologram المستخدمة عالمياً".

ويضيف الفني المتخصص لـ"العربي الجديد" "بالنسبة للشهادات الجامعية السورية، ما زالت قديمة، لم تتطور تقنياً وأمنياً مع تطور التكنولوجيا، حيث أصبحت بعض بطاقات الدعوة لحفلات الزفاف أكثر تقدماً وتعقيداً منها".

ويتابع "ما كان غير متوفر لجمهور العامة من معدات، أصبح متوفراً وبأسعار زهيدة، حيث إنه منذ أعوام عدة كان موضوع طباعة صفحة ملونة بدقة جيدة حكراً على القلّة وعلى الحكومات بسبب الحاجة لمعدات متطورة باهظة الثمن، أما اليوم فإن الثورة التقنية توفر طابعات الليزر الملونة للعامة بأسعار زهيدة لا تتجاوز 150 دولاراً للطابعة، وسمحت بطباعة وثائق حكومية بدقة عالية، ووصل بعضهم حتى لتزوير الأموال عن طريقها".

وعن تزوير الشهادات الجامعية السورية يوضح الفني، باسل كمال، "تقوم الحكومات عادة بطباعة عدد كبير من الوثائق الفارغة التي تحتوي على العلامات المميزة وبدون معلومات فيها، وبعدها يتم طباعة المعلومات، كالاسم والنتائج في المراكز والجامعات الرسمية عن طريق استخدام نفس الوثيقة الفارغة في طابعة ليزرية أو عادية".


ويقول "ما يقوم به المزورون هو إما شراء هذه الوثائق الفارغة من أطراف فاسدة لدى نظام بشار الأسد، وهذا النوع يبدو نظامياً ويمكن أن يمر عبر الدوائر الرسمية خارج سورية، أو يقومون بإعادة إنتاج نسخ طبق الأصل عن وثائق الحكومات، باستخدام معدات بسيطة كبرنامج الفوتوشوب وماسح ضوئي وطابعة ليزرية، هذا إن كانت الوثيقة ملونة ومطبوعة على ورق عادي أو كرتون ولا تحتوي علامات مميزة. وإن كانت تحتوي علامات مميزة مثل نتوء للكلمات أو الشعار أو استخدام دمغة ذهبية، فيمكن إرسالها الى المطابع الحديثة التي أصبحت متوفرة بكثرة وبإمكانيات متطورة لتلبية الطلبات الخاصة للشركات وبطاقات الزفاف. وحتى إذا كان الأمر أكثر تعقيداً تقنياً لاحتوائها علامات مميزة متقدمة، أصبح بالإمكان طلبها من الخارج من دول متقدمة صناعياً مثل الصين، وبتكلفة 2-3 دولارات للوثيقة الواحدة، فالأمر ليس صعباً إن كانت الرقابة المحلية غير قوية والقوانين غير رادعة".


وعن ختم الوثائق بأختام رسمية يقول كمال: "الأمر سهل، أي صانع أختام قادر على تقليد أختام الجامعات السورية، مجرد استخراج الختم على برنامج الفوتوشوب من أي وثيقة نظامية وإرساله إلى صانع أختام، تستطيع الحصول على خاتم مشابه وطبق الأصل بسهولة وبتكلفة لا تزيد على 20 دولاراً، أي أن الحصول على شهادة أو وثيقة سورية مزورة وطبق الأصل لا تكلف صانعها أكثر من خمسة دولارات كحد أقصى، وبعضها لا يتجاوز الدولار الواحد، وبمعدات لا تتجاوز قيمتها 500 دولار".

ويختم كمال عن ضمان التفريق بين الوثائق المزورة والأصلية "الضامن الوحيد اليوم، والذي تتبعه الحكومات المتطورة عالمياً، خصوصاً لجهة تأشيرات الدخول هو الانتقال إلى الأتمتة و التأكد من الوثائق الرسمية عن طريق الانترنت أو الشبكات الخاصة المغلقة".

بعيداً عن عيون القانون

يقول رئيس تجمع المحامين الأحرار المعارض، غزوان قرنفل: "للأسف، للثورة وجوه قبيحة ومشوهة، وكثيرون يستغلون الفلتان الأمني. وقد انتشرت الأعمال والتجارة غير القانونية بما فيها تجارة الأعضاء البشرية وبيع الآثار، ولكن أن يصل الأمر إلى بيع شهادات علمية، فهو شيء فارق في تحديد مستوى الخسة والوضاعة التي يمارسها راكبو الموجة ومستثمرو الظروف".


ويضيف قرنفل "جميع القوانين تعاقب على جرم التزوير، ولكن أين هو القانون؟ وأين الجهة التي ستطبقه في واقع غياب الدولة في سورية؟ فعلى الرغم من أن تزوير أوراق رسمية يمثل جرماً جنائي الوصف، ويعاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤقتة لخمس سنوات، كما يعاقب الفاعل بجرم استعمال المزور (أي فقط من يستعمل الشهادة المزورة) بالحبس ثلاث سنوات، لكن استغلال الفراغ والعمل على الحدود، للتهرب حتى من قوانين الدولة التركية، شجع الانتهازيين على هذه التجارة الرابحة".

كما يلفت إلى اشتراك من يشتري الوثائق المزورة بالجرم لأمرين، الأول حصوله على وثائق غير قانونية يعاقب على حيازتها القانون، والأمر الثاني أنه لم يبلغ على تلك "العصابات" أو سماسرتها للجهات التركية كي تلاحقهم وينالون العقاب.

من جهته، الخبير الاقتصادي التركي، جيواد غوك، يؤكد أن عدم عمل المزورين على الأراضي التركية وعدم تقدم أي سوري بشكوى وإبلاغ السلطات التركية، جعل هذه التجارة رائجة ومستمرة حتى اليوم.

ويقول لـ"العربي الجديد""التزوير وفق القوانين التركية جرم كبير، لكن بعض السوريين استغلوا التسهيلات التي منحتها الدولة التركية وارتكبوا أعمالاً كثيرة غير قانونية، ما سبب إساءات كثيرة لحكومة العدالة والتنمية تستخدمها أحزاب المعارضة ضدها، وترفع شعارات ملاحقة السوريين وإرجاعهم إلى بلدهم في حال فوزها بالانتخابات البرلمانية التي ستجري في السابع من الشهر المقبل".

اقرأ أيضاً: الـ "فيس بوك".. تزوير في شخصيات رسمية!

دلالات