عقدت لجنة الشؤون الخارجية، في مجلس النواب الأميركي، مساء أمس الثلاثاء، جلسة استماع حول العلاقات السعودية - الأميركية، في ما يخص محاربة "الإرهاب".
وقدّم عدد من المتخصصين في قضايا الخليج، والسياسية الخارجية الأميركية، رؤيتهم للعلاقات السعودية – الأميركية في ما يخص محاربة الإرهاب، ورؤية الدور الإيراني في منطقة الخليج، بالإضافة إلى التغيرات السياسية والاقتصادية التي تعيشها السعودية، منذ تولّي العاهل السعودية، الملك سلمان بن عبد العزيز، الحكم في البلاد، مطلع 2015، مع انطلاق رؤية 2030 السعودية لتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط.
وبينت الشهادات أن السعودية تبذل جهودا كبيرة في محاربة الإرهاب، لا سيما تنظيم "القاعدة"، وتنظيم "الدولة الإسلامية"، وأن التعاون الأميركية – السعودي مهم في أجندة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، ويجب أن يبقى كذلك.
ولفتت الشهادات كذلك إلى الرؤية المتباينة حول المخاوف السعودية تجاه إيران، بين من يراها مخاوف حقيقة، ويجب أن تلعب الولايات المتحدة، لا سيما الإدارة الأميركية القادمة، دوراً في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، جنباً إلى جنب مع محاربة الإرهاب. بينما ذهب آخرون إلى أن السعودية تبالغ في مخاوفها من إيران، ويجب عليها بذل جهود أكبر في تفكيك دوائر التطرّف في مجتمعها المحلي. كما ذهب بعض الباحثين إلى أهمية رؤية السعودية 2030، داعين الإدارة الأميركية إلى دعمها، والمشاركة فيها.
ورأى مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن، سايمون هندرسون، في شهاداته أمام مجلس النواب الأميركي، أن فهم السعودية ينطلق من عدة اعتبارات، أولها "رؤية السعودية نفسها قائداً للعالم الإسلامي، وليست إحدى قياداته، كما ترى نفسها إحدى قيادات العالم العربي، إن لم تكن تقوده منفردة، وبسبب قوتها كأكبر مصدر للنفط، ترى نفسها من قيادات مجال الطاقة عالميا".
وحدد هندرسون حدثين مؤسسين للسياسة السعودية الحالية، الثورة الإيرانية في 1979، وحادثة احتلال الحرم (المعروفة بحادثة جهيمان) في العام ذاته. حيث رأى أن المملكة، ومن تلك اللحظة، كانت بحاجة إلى "القتال على جبهتين متناقضتين: مواجهة السياسية الإيرانية العدائية في المنطقة، والتي تشمل دعم الأقلية الشيعية في السعودية، وبذات اللحظة، مواجهة التطرف السني، والذي يفتح المجال لوجود جهاديين (مفترضين) على الأراضي السعودية".
ولخص هندرسون رؤيته للعلاقة ما بين السعودية والولايات المتحدة في محاربة الإرهاب بأنها "غير مضمونة" وفق المعطيات الحالية، خاصة مع الشكوك حول الاستقرار السياسي في السعودية، على حد تعبيره.
من ناحيتها، نظرت زميلة مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية، كارين هاوس، إلى العلاقات السعودية الأميركية بشكل مختلف، إذ رأت أن هناك فرصة لتطوير العلاقات مع السعودية ودعم تحولها الاقتصادي مع "تولي قيادات جديدة شابة المسؤولية في البلاد".
وقالت: "أجادل أنه من الواضح تماما أن مستقبل السعودية مع الجيل الجديد من قياداتها الآن سيكون شديد الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة".
وأكدت هاوس على أن السعوديين يؤكدون أن "التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ضد الإرهاب قوي وأساسي ويجب أن يستمر".
وعلى عكس رؤية سايمون هندرسون، أشارت هاوس إلى أن خوف السعودية من إيران مبرر، موضحة أن "إيران وبشكل معلن تؤكد رغبتها بقلب نظام الحكم في السعودية، وتقوم بمد نفوذها في المنطقة على حساب السعودية".
وأضافت "من غير المفاجئ أن ترى السعودية إيران كخطر أكبر من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، حتى وهي تتعاون مع الولايات المتحدة ودول أخرى لمواجهة التنظيم".
وانتقدت هاوس بشدة عبارات الرئيس الأميركي باراك أوباما، في حواره مع "ذا اتلانتك"، في وصفه للسعودية بأنها "راكب مجاني" واقتراحه على السعوديين "تقاسم المنطقة مع إيران".
وأكدت أن الأمر يشبه "اقتراح أن تتقاسم بيتك مع مجرم"، مضيفة أن "السعوديين يرون الأمر بهذا الطريقة، وهم على حق".
وبحسب هاوس فإن الولايات المتحدة "تمتلك فرصة التعاون مع الأمراء الشباب المدعومين من الملك سلمان (إشارة إلى ولي العهد وولي ولي العهد)، من أجل تعميق التعاون ضد إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وإرهاب إيران".
ودعت الباحثة "الولايات المتحدة إلى دعم الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في السعودية، تلك التي طالما ناصرتها الولايات المتحدة". وقالت: "نحن (الولايات المتحدة) لا نملك قيماً متطابقة مع السعودية، لكننا نتقاسم أهدافاً استراتيجية عامة".
من ناحيته، اعتبر تيم رومر، وهو أحد الأعضاء البارزين في لجنة تحقيقات أحداث سبتمبر، أن السعودية "في وسط العديد من القضايا الحساسة بالنسبة لاهتمامات السياسية الخارجية الأميركية: الإرهاب، وإيران، واستقرار الشرق الأوسط، والطاقة، وحقوق الإنسان".
وحول مسألة تعاون السعودية مع الولايات المتحدة، في محاربة الإرهاب، لفت إلى أن هناك تعاوناً سعودياً مع الولايات المتحدة، على المستوى الرسمي، وعلى مستوى المعلومات الاستخباراتية، وعلى مستوى التضييق على تمويل الجماعات الإرهابية، لكنه يفصل بين هذا المستوى وما يعتبره "المجتمع والثقافة التي تصدر التطرف والتعصب".
وبين أن "مواجهة تهديدات التطرف لا تتم عبر الشرطة، والاستخبارات، والجيش، وحدهم. الحكومة السعودية بحاجة إلى معالجة تهديدات التطرف والراديكالية مع مجتمعها".
ويتفق رومر مع رؤية السعودية تجاه إيران، كعامل عدم استقرار في المنطقة، قائلاً: "في مواجهة التهديدات الإيرانية، يجب أن نتأكد أن السعودية قادرة على مقاومة ومواجهة الطموحات الإيرانية للهيمنة على المنطقة"، في إشارة إلى ما يجب على الإدارة الأميركية القادمة فعله في هذه القضية.
ولخص رؤيته للعلاقات السعودية الأميركية، في معالجة التهديدات الإيرانية للمنطقة، ودعم الإرهاب، بقوله "يجب أن نتأكد أن العلاقة السعودية – الأميركية تعالج التهديدات الإيرانية وتهديدات التنظيمات الإرهابية كالقاعدة والدولة الإسلامية بالتوازي، دون أن يأخذ أحد هذه الملفات الاهتمام من الآخر".
أما أستاذ الشؤون الخارجية في جامعة جورج تاون، دانيال بايمان، فرأى أن السعودية تمثل "معضلة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الإرهاب، فمن ناحية، السعودية شريك مقرب للولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب، ومن ناحية أخرى، السعودية تدعم علماء دين، ومنظمات غير حكومية، تعزز المناخ المتطرف".
وأضاف أن "السعودية حققت تقدماً مهماً في محاربة الإرهاب في الـ 15 سنة الأخيرة، لكنها بحاجة إلى بذل المزيد".
وركز أستاذ الشؤون الخارجية في جامعة جورج تاون، على أن صانع القرار الأميركي يجب أن "يتذكر أن السعودية شريك مهم في مواجهة الإرهاب، لكنها ليست صديقة، فالسعودية والولايات المتحدة تتقاسمان الكثير من الاهتمامات المشتركة، لكنهما لا تتشاركان في القيم أو رؤية العالم".