تكتسب تظاهرة "المغرب المعاصر"، التي ينظمها "معهد العالم العربي" في باريس، طابعاً بانورامياً شاملاً يستعرض المناحي المختلفة للثقافة المغربية اليوم. الفعالية التي تنطلق اليوم، وتستمر حتى 25 كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، يحوز الفن على الحصة الأكبر منها، عبر معرض ضخم يشارك فيه أكثر من 80 فناناً من مختلف الأجيال والمشارب الفنية.
هكذا، يجمع المعرض عدداً من المؤسسين والراسخين في تاريخ الفن المغربي المعاصر، مثل فريد بلكاهية الذي وافته المنية قبل أسابيع، ومحمد مليحي، وعبد الكبير ربيع، بفنانين آخرين، شباب ومجهولين، أتى أكثرهم من مناطق مغربية نائية، خصوصاً من الجنوب. وقد اختار هؤلاء مندوبا المعرض؛ الفرنسي فرانسوا جون هوبير مارتان، والمغربي موليم العروسي.
يراهن المعرض على منح المشاهد فكرة شاملة عن النشاط الفني المغربي بمكوناته الأكاديمية والدينية والعرقية المختلفة. إضافة إلى التشكيل والنحت والعمارة والتصميم، خصص المعرض حيزاً كبيرا للفنون المعاصرة التركيبية، وفنون الفيديو والتجهيز متعددة الوسائط، والتي باتت رائجة في أوساط الأجيال المغربية الجديدة.
ولا شك أن هذه الأخيرة هي التي تنجح، إلى حد كبير، في عكس الغليان والقلق المميز للإنتاج الفني المغربي المعاصر، مثلما نلاحظ في أعمال منير الفاطمي، ويونس رحمون، وسي محمد فتاكة.
للسينما حضورها القوي، هي أيضاً، في هذه التظاهرة، إذ يعول عليها المنظمون لاستدراج الجمهور؛ فمن 13 إلى 18 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، سيتم عرض باقة من أهم الأفلام الروائية والقصيرة والوثائقية التي طبعت الإنتاج السينمائي المغربي في العقود الأخيرة، وسيُتاح للجمهور مناقشة الأفلام المعروضة مع المخرجين، إذ تستقطب التظاهرة عدداً من أبرز المخرجين المغاربة الذين من المنتظر حضورهم إلى صالة المعهد، مثل نورالدين الخماري، ونبيل عيوش، ونرجس النجار، وفوزي بن السعيدي، ومومن السميحي.
كما ستُنظم عدة ورشات حول الراهن المغربي في الفن السابع، يديرها نقاد ومخرجون سينمائيون بالتنسيق مع "المركز السينمائي المغربي" الذي يساهم بقوة في الفعالية. وفي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، تُنظم التظاهرة ندوة تضم مشتغلين في السينما من المغرب وفرنسا، تناقش رهانات الفن السابع المغربي وطرق تمتينه.
ويشتمل برنامج التظاهرة على أكثر من 30 حفلاً موسيقياً يغطي مختلف الألوان المغربية، بدءاً من الطرب الأندلسي وليس انتهاء بالموسيقى الشبابية الحديثة. وفي الشق الأدبي، يحضر تكريم الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي (30 من الشهر المقبل)، مع تكريم آخر للكاتب محمد برادة (4 كانون الأول/ ديسمبر).
وينظم البرنامج أمسية شعرية يساهم فيها أحمد عصيد، وحسن نجمي، وصلاح الوديع. الرواية حاضرة أيضاً، عبر ندوة تناقش مستقبلها، تقابلها ندوة أخرى عن التعدد اللغوي. والملاحظ أن البرمجة الأدبية في "المغرب المعاصر" هزيلة، ولا تعكس ثلاثية الثراء والتنوع والاختلاف، الذي رفعته التظاهرة شعاراً ونجحت في تطبيقه إلى حد كبير في برنامجي الفنون والسينما. إذ لا يُعقل أبداً أن يتم اختزال الساحة الأدبية المغربية في بضعة أسماء سبق للمعهد أن استضافها مراراً وتكراراً.
وعدا عبداللطيف اللعبي ومحمد برادة، وهما كاتبان مهمان، يبقى التساؤل حاضراً حول غياب عدد من أهم الكتاب والشعراء المغاربة الذين أسسوا الثقافة المغربية المعاصرة. وفي مقابل قيام مندوبي المبادرة المكلفين بالشق الفني فيها، باستقطاب فنانين مجهولين وشباب مبتدئين لتقديمهم في التظاهرة، تجدر الإشارة إلى تقصير مندوبَي الشق الأدبي، المغربيين محمد المطالسي والمعطي قبال، في تنظيم برنامج شامل، يعطي الشباب حقهم، ولا يتجاهل أجيالاً لها حضورها، مغربياً وعربياً، في الشعر والقصة والرواية.
ومن ضمن المبادرات الأكثر إثارة في التظاهرة، خيمة صحراوية ضخمة من جلد الجمال، نُصبت في باحة المعهد، يفوق حجمها 500 متراً، تحوي سوقاً شعبية مصغّرة، تفوح منها روائح البهارات والطعام المغربي التقليدي. وتضم الخيمة معروضات من الصناعة التقليدية في الخزف والمجوهرات والنسيج والخياطة، كما تحتضن فرقاً تعزف نماذج من الموسيقى الفولكلورية وتقدم لوحات فنية تراثية اندثرت أو تكاد.
ولا تقتصر فعاليات التظاهرة، مكانياً، على صالات وقاعات "معهد العالم العربي"، إذ يحتضن متحف "اللوفر" معرضاً حول الفترة الذهبية في تاريخ المغرب الأقصى التي كان يمتد فيها حكمه من السينغال إلى موريتانيا والأندلس، مستعرضاً تاريخ ثلاث سلالات حاكمة: الموحدين والمرابطين والمرينيين.
فرادة هذا المعرض تكمن في طبيعة الأعمال المعروضة، والتي لم يخرج بعضها أبداً من المغرب، مثل ثريات مسجد القرويين في فاس التي يفوق عمرها عشرة قرون، أو عشرات القطع الأندلسية التي تم جلبها من المتاحف الإسبانية، إضافة إلى قطع أخرى من موريتانيا والسنغال تُعرض للمرة الأولى كذلك.