شمسُ الجنوب تُشرقُ في الشّمال

11 ابريل 2016
+ الخط -
كان للجنوب السوريّ في كل مراحل الثورة، بشقيها السلميّ والعسكريّ، تميزه الذي يعود إلى نقاء الكوادر الموجودة في التشكيلات، وخصوصاً العسكرية منها، فالكلُّ يعلم أنَّ ما يزيد عن 95 % من المقاتلين هم من أهل المنطقة، إضافة إلى التوافق الكبير بين عشائر تلك المنطقة، وصهر إمكاناتها في بوتقة واحدة، تعمل من خلالها على الدفاع عن أرضها وعرضها.
قبل سنتين، شهد الجنوب السوريّ عملاً موحداً تمثل في تشكل "غرفة عمليات مشتركة"، شاركت فيها معظم الفصائل المقاتلة هناك، ولأنّ "أهل مكة أدرى بشعابها" أدّت هذه المعارك إلى إيجاد واقع جديد يتعلّق بالواقع الجغرافي للمنطقة، والذي يتسّم بالتشابك والتعقيد في مساحة جغرافية صغيرة نسبياً، إلا أنها مفتوحة على ثلاث دول، فضلاً عن الداخل السوري، المتمثّل في قربها من دمشق العاصمة، والتي أصبحت موقع مراهنات لجميع الدول المشاركة في هذه الحرب، مع الطرفين، فهي العقدة التي تنحل بها جميع القضايا العالقة.
بقيت حالة التحرير في الجنوب السوريّ لسنة ونصف أمرا قائما، قبل أن يحدث التدخل الروسي الذي جاء ليزيل كفن الموت عن هذا النظام، ويلبسه ثياب حياة جديدة، حيث عمل النظام السوريّ وحلفاؤه على القيام بعمليات عسكرية واسعة، تستهدف كل المناطق في سورية، لكن الجنوب السوري كان أهم الأهداف الرئيسية، للأسباب التالية:
-تأمين العاصمة دمشق من جبهتي درعا والقنيطرة، حيث أن العاصمة أصبحت تحت نيران الثوار، والعملية من الناحية التكتيكية محاولة لترميم الفرقة التاسعة، آخر معاقل النظام الكبيرة في حوران، لتكون خط دفاعه الموجود في درعا.
- قطع طرق إمداد الثوار باتجاه الغوطة الغربية، وبناء نقطة وصل بين ريف حوران الشمالي وريف دمشق الغربي.
- تأمين خطوط إمداد إلى اللواء 90 في منطقة الكوم في ريف القنيطرة الشمالي.
وبالفعل، شن النظام السوريّ، مدعوماً بالميليشيات الطائفية من إيران ولبنان، هجوماً واسعاً على مناطق الجنوب السوريّ، أدّت، فيما بعد، إلى السيطرة على عدّة مناطق مهمّة عسكرية، مثل الشيخ مسكين، عتمان، منطقة الكوم، دير العدس، وغيرها. وبذلك أصبح للنظام خطوط دفاع جديدة باتجاه العاصمة، ونقاط وصل بين قواته المتمركزة في تلك المناطق.
بعد ذلك، جاءت الهدنة التي أرغمت الأطراف على تهدئة القتال في كل الجبهات، ما عدا التي ترابط فيها جبهة النصرة وتنظيم داعش الذي حورب من فصائل الثورة السورية، قبل أن تحاربه الدول الكبرى.
خلال الهدنة، عانى الجنوب السوريّ من مشكلات صحية ألمّتْ به، فعندما يكون الجسد منهكاً بسبب العمل، يمكن أنْ يعزو كل ألم يُصيبه لذلك العمل، فلا يُحسّ بوجوده، لأنّ الألم استطاع الإختفاء بين جنبات العمل.
وهكذا، انتشر الورم السرطاني الداعشي في الجنوب السوريّ بشكل هادئ وبوجوهٍ متعددة، فقد ظهر ما يُسمّى "لواء شهداء اليرموك" الذي أعلن مبايعته تنظيم داعش، واستغل مواقف كثيرة، ليطعن بظهر الفصائل المقاتلة على ثرى حوران، تلك الفصائل التي أُنهكت في المعارك ضد النظام السوريّ وميليشاته الطائفية.
هاجم هذا اللواء، بالفترة الأخيرة، عدة قرى محرّرة، مثل تسيل، سحم الجولان، حيط، وغيرها، وسيطر على بعض هذه المناطق تحت وطأة المفخخات التي قتلت الناس الآمنين في بيوتهم. لم يطل ردّ فصائل الجنوب ضد هؤلاء المارقين، فكما وقفوا سويةً ضد النظام السوريّ وأعوانه، فقد بقي العهد بينهم لدرء أي خطر يتهدد هذه الأرض، وإبعاد هذه الزمرة المُفسدة عن الأرض التي تعطّرت بدماء أبنائها.
المثير للاهتمام أن هذه الأحداث كانت كالمياه التي تغسل الوحل عن الجسد العاري، لتظهر عورته، فقد أظهرت بعض الفصائل التي كانت تُحسب على الثورة واعتدالها، بعيداً عن الغلوّ الممارس من "داعش"، لنجد هذه الفصائل أقرب إلى داعش منها لأهلها وثورتها، لتكون خنجراً مسموماً في ظهر الثورة وأهلها.
أحدثت هذه المعارك اضطراباتٍ كثيرة لدى المدنيين، فبعضهم استشهد، وفقد الناجون الأمان في بيوتهم، لتُصبح الأرض بساطاً لهم، والسماء غطاءً لهم، ومنزلهم العراء.
الكلُّ يتمنّى أن تعود شمس الجنوب مجدّداً، وتعود المعارك التي يخشى منها النظام وحلفاؤه، والمراهنة الآن على فصائل الثورة المدعومة من المدنيّين، واستئصال ذلك الورم الذي ظهر فيه.
في المقابل، نرى الشمال قد أصبح أفضل حالاً عن قبل، فالكلّ يعلم أنّ النظام سيطر فيما مضى على مناطق استراتيجية، وتقدّم لمساحات كبيرةٍ نسبياً بمساندة الطيران الروسيّ، لكن إلى حين .
بدأت الفصائل المقاتلة في الشمال، بما فيها الإسلامية، معارك تحرير توّجتها بتحرير قرية العيس وتلالها الاستراتيجية، والتقدّم نحو "الحاضر"، هنا نلاحظ التخطيط المحكم للثوار في الشمال السوريّ، ليُعيد إلى الأذهان الفتوحات المتتالية لمناطق الشمال السوريّ قبل سنتين، وهنا يمكن القول إنَّ شمس الشمال بدأت تُشرق من جديد.
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
أيهم أبا زيد (سورية)
أيهم أبا زيد (سورية)