شماتة مريضة

13 أكتوبر 2017

صائب عريقات.. دعوات له بالشفاء العاجل (14/5/2017/Getty)

+ الخط -
غاب منذ أشهر كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، عن المشهد الإعلامي، وهو الشخصية ذات الحضور اللافت على منابر الإعلام، كما في كواليس السياسة. راجت إشاعات كثيرة عن غياب الرجل، ما بين تفسير يغوص في نظرية المؤامرة، وتحجيم دور أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي تولى حقيبته هذه في ملابسات عاصفة، بعد غضب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من ياسر عبد ربه الذي احتفظ بالمنصب، حتى خان الأمانة، على حد تعبير كارهين له. وما بين تفسيرات رجّحت تراجع أهمية عريقات، مع تراجع ملف المفاوضات مع إسرائيل، وتقدم ملفات أكثر إلحاحا، قفزت بشخصيات جديدة إلى صدارة المشهد، منهم رئيس جهاز المخابرات العامة، ماجد فرج. وما بين هذا وذاك، كانت الأقاويل تكثر عن مرض عضالٍ أصاب عريقات، وألزمه فراش العلاج بعيدا عن عيون المتربصين أو الشامتين.
وظل الحال على ذلك، حتى قطع صائب قول بريء، أو شك ضاغن، بالظهور على وسائل الإعلام، ليتحدث بكل شجاعة عن مرضه، وعدم قدرته على تنفس الأوكسجين إلا بواسطة أجهزة طبية، بعد تليف أصاب رئتيه. وظهر الرجل، أو تظاهر، قوي العزم، مليئا بالأمل بالله. وعلى خلاف إيمانه بأن "الحياة مفاوضات"، لم يُظهر الرجل أي استعدادٍ للتفاوض مع الموت، مًشددا على عزمه العودة لاستئناف عمله، ومتابعة مهامه "كجندي" كما قال.
ومثلما أثار غيابه الأسئلة والإشاعات، أثار ظهوره، مع أنبوبة الأوكسجين في أنفه، موجة من ردود الفعل من الناس، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، تمنى له كثيرون الشفاء العاجل، وأبدى آخرون استعدادهم التبرع له بالرئتين، وعاجل آخرون بزيارته في مشفاه في واشنطن، وهناك من أرسل باقات زهور، أو بطاقات الدعاء بالشفاء العاجل، غير أن اللافت كان عدم تردد بعضهم عن إظهار شماتة "مريضة" بالرجل المريض، وصلت إلى حد تمني هؤلاء موت الرجل، وعدم عودته إلى الوطن.
لم أتفق يوما مع صائب عريقات في تقديراته السياسية، لأنني لا أتفق أصلا مع نهج "أوسلو" برمته، لكنني لم أتصور للحظة أن يصل بعضهم إلى هذه الدرك الأسفل من اللاإنسانية، حتى يتمنى للرجل عدم الشفاء والموت. ولم أكن أتخيل أن في البشر فئة "تتمتع" بهذا الكم من المشاعر السوداء، والقدرة للضغط على أزرار الهاتف المحمول، أو لوحة مفاتيح الحاسوب، لتملأ الفضاء الإلكتروني بكل هذه الكراهية البغيضة.
والأقسى في هذا المشهد المُحزن عدم تريث بعض الساسة الفلسطينيين، الطامعين والطامحين للانقضاض على كرسي صائب عريقات، والمسارعة لبث تسريباتٍ عن اقتراب ساعة الرجل، الذي أوصى "بلف جثمانه بعلمي حركة فتح وفلسطين، وأن تمر جنازته أمام ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات"، كما أشاع أحدهم، ما استدعى ظهور صائب عريقات في مقطع فيديو مصور، نفى فيه صحة التسريبات المريضة، والتأكيد على أنه بخير، ويتطلع للعودة إلى الوطن لاستئناف عمله.
ولم يكتف هؤلاء المريضون بداء المنصب المزمن، بل باشروا تسريب أخبار عن وفاة عريقات، وتناقلت صحف صفراء، ومواقع إلكترونية هابطة، هذه التسريبات، من دون مراعاة لمشاعر زوجته، وأبنائه، وأهله، الذين يصلون لشفاء أبو علي، الزوج والوالد والابن، وعودته سالما معافى، وكل الألقاب والرتب لا تساوي ذرة أوكسجين تدخل رئتي الرجل، لتبعث بهما الحياة من جديد.
نتمنى لصائب عريقات الشفاء العاجل، وندعو له بالعودة إلى أسرته وأهله وشعبه، سليما معافى. ولعل في الدرس الذي علمني إياه رجلٌ على قدر بسيط من الثقافة، درس لأصحاب النفوس المريضة، الشامتين بمرض عريقات، فقد حدث أن عدت مريضا عزيزا على سرير المرض، وخلال حديث "جبر النفوس" الذي غالبا ما يتدفق في لحظات الألم والضعف، فاجأني ذلك الشخص، وهو يقول: "الموت أقوى منا.. لا أحد عايش بشطارته".
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.