شلَل الحياة السياسية في تونس: أحزاب تنسحب ومعارك تؤجل

04 ابريل 2020
تركيز المواطن أصبح على محاربة الوباء (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -


خفّ الحراك الحزبي والسياسي في تونس، إثر منع التجمهر والتظاهرات، وفرض حظر التجول خوفاً من تفشي وباء كورونا، فاختارت بعض الأحزاب الدخول في سبات وحجر سياسي، وانسحبت أخرى من ساحة المعركة الصحيّة، ومن المشهد السياسي، فيما تحاول الأحزاب الكبرى التأقلم باستعمال التكنولوجيات الحديثة لفرض استمرار حضورها في المشهد.

وسجّلت الحياة السياسية في تونس تراجعاً واضحاً في النشاط الحزبي بشكل قسري، وحتى على مستوى إصدار المواقف وإعلان البيانات، لتدخل بعض الأحزاب في شلل اختياري، منذ انطلاق الحجر الصحي العام بسبب فيروس كورونا. ومنذ اجتماع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ برؤساء الأحزاب، الأسبوع الماضي، والذي مثّل حدثاً فارقاً بجمع الأضداد والأعداء والمتنافسين على طاولة واحدة، بهدف الخروج برسالة موحدة للتونسيين، إلا أن هذا اللقاء الذي حظي باستحسان وإعجاب المتابعين لم ينته إلى نتائج ملموسة.

وتواصل الأحزاب الكبرى فرض حضورها في المشهد السياسي بشكل ضعيف من خلال الاعتماد على الوسائط التكنولوجية الحديثة، إذ عقد حزب "النهضة" اجتماع مكتبه السياسي عن بُعد. كما انعقد مجلس الجهات للكتّاب العامين، برئاسة زعيم الحزب راشد الغنوشي، الذي يُعد من أكثر الشخصيات السياسية حراكاً ونشاطاً مقارنة بمنافسيه في المعارضة أو في أحزاب الحكم. ولم يفوت حزب "النهضة" مناسبة لإبراز حضوره سياسياً من خلال وزرائه في الحكومة، أو أعضائه في البرلمان، عكس أحزاب أخرى، خصوصاً غير الممثلة تحت قبة البرلمان، والتي لوحظ تلاشي حضورها تماماً مع الأزمة الصحية وتبعاتها اجتماعياً واقتصادياً. وتسعى بعض الأحزاب المعارضة بدورها، كما أحزاب الائتلاف الحكومي، إلى التمسك بموقعها، وإبراز حضورها في المشهد. ويحسب لرئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، بحسب المتابعين، محافظتها على مخاطبة أنصارها بشكل دوري وشبه يومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما نظمت اجتماعات حزبية مع الديوان السياسي لحزبها عن بُعد.

ودفعت الأزمة الصحية الراهنة التي تمر بها البلاد إلى انحسار المنافسة السياسية، وتراجع منسوب الخلافات الحزبية المباشرة. وعلى الرغم من بعض التجاذبات المسجلة أخيراً بين مساندي قانون التفويض لرئيس الحكومة لإصدار المراسيم ومعارضيه، أو بعض التدافع بين رأسي السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد، إلا أن الصراعات لم تخرج بدورها عن محيط وباء كورونا وتداعياته على البلاد. ووصف المحلل السياسي حسن موري، في حديث لـ"العربي الجديد"، المشهد السياسي في تونس خلال تفشي كورونا بالهدنة السياسية، إذ حمل الأحزاب السياسية قسراً على تأجيل خلافاتها وصراعها إلى ما بعد انتهاء الأزمة، مشيراً إلى أن الأزمة الراهنة كشفت أزمة الأحزاب وضعفها. وأكد أنها تفتقر لقدرات على اختلاق الحلول وتقديم المبادرات البناءة بعيداً عن الشعبوية الزائفة والمزايدات الزائلة، والتي لا تحظى باهتمام الشعب والجمهور خلال الأزمات.


وأضاف موري أن "الوضع الراهن يقتضي من الأحزاب اتّباع سياسة الأزمة، وترك المزايدات جانباً، والتركيز على اهتمامات التونسيين الحقيقية، وفي مقدمتها مجابهة الوباء، على غرار ما نتابعه من مواقف بعض الأحزاب في الديمقراطيات العريقة". واعتبر أن الوضع لا يقتضي من المعارضة التخلي عن دورها السياسي والتهليل للحكومة وللائتلاف الحزبي الداعم لها، بل يقتضي منها مواصلة دورها المعارض من خلال تقديم حلول بديلة، وأفكار مغايرة، لمقترحات الأحزاب الحكومية بعيداً عن المزايدات.

ولفت المحلل السياسي إلى أن بإمكان الأحزاب مواصلة القيام بدورها من دون خرق الحجر الصحي العام واحترام إجراءات الوقاية من الوباء، وذلك من خلال ابتكار وسائل وآليات للعمل والنشاط عن بُعد، مشيراً إلى أن هناك أحزاباً اختفت وراء الأزمة الصحية، واستغلّتها مطيّة للاختباء وراء فقرها الحزبي وافتقارها لوسائل العمل البديلة، في وقت المطلوب منها المساهمة في جهود الدولة في التوعية بوسائل مكافحة هذا الوباء، وتأطير أنصارها وجمهورها على ضرورة الالتزام بالقانون والحجر الصحي وحظر التجول والتعليمات الصحية.

وطغى على خطاب القيادة السياسية للبلاد، سواء كان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أو رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوصفهما رأسي السلطة التنفيذية، أو رئيس البرلمان راشد الغنوشي بصفته رئيس السلطة التشريعية، أو رؤساء المنظمات الوطنية الكبرى، الدعوات للوحدة الوطنية، والتضامن الشعبي الواسع لمجابهة هذا الوباء. غير أن الممارسات بين السلطات ومسيّري الأحزاب وممثلي المنظمات لم يترجم ذلك، خصوصاً بمتابعة الجلسة العامة البرلمانية للحوار مع رئيس الحكومة، التي عكست مشهد الصراع الدائر بين البرلمانيين، وكانت سمتها التشنج وتبادل التُهم والشتائم، إلى جانب السجال المتواصل بين نواب "ائتلاف الكرامة" وأنصاره من جهة، واتحاد الشغل والنقابيين التابعين له من جهة أخرى، إلى جانب الخطاب الأخير لسعيّد الذي وصفه بعض المتابعين بالتحريضي والمتشنج.

واعتبر المحلل السياسي خالد قزمير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال الحروب والأزمات تبرز فئة انتهازية تستفيد اقتصادياً ومادياً، وهناك فئات تكون معرضة للخسارة والتهميش، خصوصاً الفئات الشعبية الضعيفة. كما تخلق الحروب الأبطال السياسيين أو الانتهازيين أيضاً، وتكشف عن القادة الأفذاذ كما تعري المسؤولين الهواة". ورأى أن "المشهد السياسي والحزبي في تونس يعيش ركوداً وجموداً طبيعياً، وهو من تداعيات جائحة كورونا التي ضربت كل القطاعات، باستثناء الحيوية"، مشيراً إلى أن "هذا المشهد مشابه لما تمر به مختلف الدول، لاعتبارها أزمة صحية عالمية، فأكثر من نصف سكان العالم في الحجر الصحي".

وفسر ما وصفه بانحراف اهتمام التونسيين عن الشأن السياسي والحزبي عموماً، والتركيز على كل ما يتعلق بحرب الحكومة على الوباء وخطواتها ووسائل مجابهته بالأمر العادي، باعتبار أن أولويات المواطن تغيّرت، فحياة الإنسان وسلامته تأتي أولاً، وقبل كل مجالات اهتمامه ومشاغله الأخرى، كالترفيه والتعليم والثقافة وغيرها. وأشار إلى أنه "إذا انتصرت القيادة الحالية، وفي مقدمتها رئيس الحكومة ورئيس الدولة ووزير الصحة والوزراء المعنيون مباشرة بمكافحة الوباء، على غرار الدفاع والداخلية والتجارة، فإنهم سيتحولون إلى زعماء في نظر الشعب وستزيد شعبيتهم"، لافتاً إلى أن هذا الاختبار الصعب سيحدد مصير البلاد والتونسيين ومصائر المسؤولين عن قيادة هذه المرحلة.

المساهمون