تواجه الخدمات الصحية الوطنية البريطانية عدداً من التحديات، كان أبرزها وفاة أطباء نتيجة إصابتهم بعدوى فيروس كورونا الجديد خلال أدائهم واجبهم المهني في البلاد. وكان عدد من الأطباء البريطانيين من أصول مهاجرة قد توفوا نتيجة إصابتهم بالفيروس، من بينهم ألفا سعدو (68 عاماً) وأمجد الحوراني (55 عاماً) وعادل الطيار (64 عاماً) وحبيب زيدي (76 عاماً). ويعكس هذا الأمر الجهود التي يبذلها العاملون في القطاع الصحي البريطاني للتعامل مع الأزمة الحالية، وخصوصاً ذوي الأصول المهاجرة. ويشكل هؤلاء نحو 20 في المائة من أصل 1.2 مليون من العاملين في الخدمات الصحية البريطانية. تلك النسبة تعد مرتفعة مقارنة بنسبة البريطانيين البالغة 14 في المائة. وترتفع النسبة إلى 44 في المائة من الطواقم الطبية.
وفاة الأطباء في بريطانيا دفع زملاءهم إلى انتقاد النقص في معدات الوقاية الضرورية لحماية الأطباء في أثناء عملهم، مؤكدين وجود حالة من الارتباك في التوصيات الحكومية لوقاية العاملين في الخدمات الصحية الوطنية. وأعاد ما حدث تسليط الضوء على طريقة التعامل الحكومي مع المخاطر التي يواجهها العاملون في القطاع الصحي البريطاني. وتشير التقارير إلى أن واحداً من كل أربعة أطباء عاملين في الخدمات الصحية الوطنية مريض أو في الحجر الصحي.
يقول طبيب يعمل في الخدمات الصحية الوطنية، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "التوصيات الحكومية الجديدة التي تلت انتشار الفيروس، تنصح باستخدام معدات الوقاية الشخصية للحماية من الرذاذ عند التعامل مع أية حالة مصابة بكوفيدـ19 أو الاشتباه بالإصابة". ويشير إلى أن ذلك يعني ضرورة ارتداء نوع خاص من الأقنعة الواقية (FFP3) وليس القناع الجراحي التقليدي الذي تبين أنه غير فعال في الوقاية من الفيروسات شديدة العدوى. ولا تنتج هذه الأقنعة الواقية بكميات صناعية وقياسات موحدة، بل يجب أن تكون مخصّصة على قياس كل طبيب على حدة لتضمن الوقاية المطلوبة والعزل التام.
يتابع الطبيب نفسه قائلاً إن هذه الأقنعة الواقية توافرت في المستشفى الذي يعمل فيه لعدد من أطباء الصف الأول وممرضيه، مثل الطواقم الإسعافية وغرف العمليات. أما بقية الطواقم الصحية العاملة في أقسام أخرى من المستشفى، فلا يمنحون الأولوية. يضيف: "على الرغم من أخذ القياسات اللازمة لعدد من الأطباء لتوفير أقنعة FFP3 الضرورية، لم تصل إلى قسم الطوارئ الخاص بنا حتى 21 مارس/ آذار 2020". ويوضح: "طلبوا مني فحص مريض تظهر عليه علامات الحمى والسعال الجاف وآلام جسدية، إضافة إلى أعراض أخرى أفترض أنها مرتبطة بالأنف والأذن والحنجرة (مثل التهاب الحلق) من دون الحماية التامة. وعندما طلبت معدات الوقاية الملائمة، كان جوابهم: يجب أن تستخدموا المتاح هنا، فهو كل ما لدينا. بالفعل، لم تكن لدينا معدات الوقاية الصحيحة. وخلال انتظار توفراها، يجب أن نفحص المرضى".
ويشير الطبيب إلى أن الأمور تحولت بعد توافر أقنعة FFP3 بين معدات الوقاية الخاصة بالطوارئ منذ 23 مارس، على الرغم من أن الأقنعة المتوافرة ذات قياس ونوع موحد. وجاء ذلك بعد إعلان وفاة طبيب أذن وأنف وحنجرة نتيجة إصابته بالفيروس، وانتقال العدوى إلى عدد آخر من الأطباء في المستشفيات البريطانية. "لكنّ الحقيقة أن هناك فجوة دائمة بين التوصيات الرسمية والممارسة الفعلية، وهو ما يمكن تفسيره بالسرعة الكبيرة التي تتبدل فيها القواعد والتوصيات خلال الأسبوعين الماضيين. وتصل إلينا رسائل عن التعليمات الجديدة كل يوم تقريباً. وأصبح من الصعوبة فعلاً اللحاق بركب كل هذه التغييرات. فمريض فُحِص قبل ساعتين من دون وقاية تامة، يصنَّف الآن ذات خطورة عالية، ويجب عليك أن تكون مرتدياً معدات الوقاية الكاملة إذا أردت إجراء الفحوصات".
وكان وزير المجتمعات روبرت جنريك، قد أعلن في وقت سابق أن الحكومة خصصت الملايين من معدات الوقاية التامة لمؤسسات العناية الصحية، قائلاً: "لجميع من يعتمدون على هذه المعدات وعائلاتهم وأحبائهم: لن نتوقف حتى تحصلوا على المعدات التي تحتاجون". إلا أن السلطات الصحية أقرّت بوجود فجوة في التوزيع ومشاكل في سلسلة التموين الخاصة بمعدات الوقاية. وقالت إن العاملين في قطاع الصحة يجب أن يكونوا "على ثقة بأنه يجري التعامل مع هذه المشاكل".