على الرغم من حجم الرهانات الكبير الذي تعقده واشنطن على دور قائمة العقوبات الجديدة التي تريد الشروع في فرضها على إيران فجر غد الاثنين، إلا أن هناك مخاوف في تل أبيب من نجاح هذه العقوبات في إخضاع طهران وإجبارها على القبول بالتفاوض على اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي يحل محل الاتفاق النووي الذي وقعته مع الدول العظمى عام 2015، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وتساور كثير من المحافل في إسرائيل الشكوك في أنه بخلاف ما توعد به ترامب، فإن بدء فرض العقوبات القاسية على إيران تحديداً في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، لن يجعل هذا اليوم الأكثر قسوة في تاريخها.
ويرى المعلق الإسرائيلي تسفي بارئيل أن ما يُثير قلق تل أبيب بشكل خاص هو أن تسهم التداعيات الاقتصادية العالمية لفرض العقوبات في حدوث تراجع سريع في تأثيرها.
وفي تحليل نشره موقع صحيفة "هارتس" أمس، أشار بارئيل إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى فرض العقوبات التي يفترض أن تشل قدرة إيران على بيع نفطها، من دون أن تتحوط لحل المشاكل المسبقة، وعلى رأسها النقص المتوقع في النفط، الذي يمكن أن يرفع الأسعار بشكل كبير.
ويتوقع بارئيل أن يُفضي النقص في النفط إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وزيادة كلفة تشغيل المرافق الصناعية في العالم بشكل يدفع الرأي العام في كثير من الدول إلى ممارسة ضغوط على حكوماته لعدم التعاون مع العقوبات الأميركية على إيران.
ويشير إلى أن ما يزيد قلق دوائر صنع القرار في تل أبيب أن تفضي زيادة الأسعار والخدمات إلى زيادة الغضب العالمي من سياسات إدارة ترامب، ما يفضي، في المقابل، إلى تحسين مكانة إيران.
ويرى بارئيل أنه حتى لو تجنّدت كل من السعودية وروسيا لسد النقص الناجم عن تراجع صادرات إيران من النفط، والتي تصل إلى 2,5 مليون برميل يومياً، فإن هذا التطور سيأخذ وقتاً ولن يكون بالإمكان تحقيق هذا الهدف إلا بحلول مارس/ آذار من عام 2019.
ويشير إلى أن كلاً من الرئيس بوتين ونظام الحكم في الرياض لن يوافقا على سد النقص في سوق النفط مقابل المال فقط، بل سيحرصان على ابتزاز الإدارة الأميركية ومطالبتها بتقديم تنازلات سياسية كبيرة.
وقد يطالب بوتين إدارة ترامب بتقديم تنازلات سياسية في بعض الملفات العالقة؛ في حين أن نظام الحكم في الرياض سيطالب بتنازلات على صعيد الإجراءات الأميركية العقابية التي يمكن أن تتخذ رداً على اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ومما يزيد مستويات القلق في تل أبيب، في نظر بارئيل، حقيقة أن هناك خلافات داخل إدارة ترامب بشأن طابع وحجم العقوبات على إيران. ففي حين يطالب مستشار الأمن القومي جون بولتون بفرض عقوبات مشددة بحيث يتم السماح لطهران فقط باستيراد المواد الغذائية والدواء، فإن وزارة الخارجية تطالب بتخفيف العقوبات التي ستفرض على تصدير النفط لتقليص الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عن هذه العقوبات.
ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أنه حتى وزير المالية الأميركي ستيفان مونتشين، المعروف بتحمسه الشديد لفرض عقوبات مشددة على إيران، يطالب بعدم منع إيران من الاستعانة بخدمات شبكة المقاصة الدولية "SWIFT"، وذلك لتمكين الإيرانيين من شراء المتطلبات الأساسية، بهدف تكريس الرسالة الأميركية من العقوبات والتأكيد أنها تهدف إلى المس بنظام الحكم في طهران وليس الشعب الإيراني.
ويوضح بارئيل أن الخلافات داخل الإدارة الأميركية بشأن العقوبات تدلل على أن إدارة ترامب نفسها لا تعرف ما الذي تخطط لتحقيقه من خلال فرض العقوبات على إيران؛ أو أنها على الأقل لا تعرف كيف بإمكانها توظيف العقوبات في إخضاع إيران من دون أن تتسبب هذه العقوبات في إيذاء مصالح حلفاء الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن المخاوف من ردة فعل حلفاء واشنطن دفعت إدارة ترامب إلى منح استثناءات لعدد من الدول الحليفة، مثل الهند وتركيا، والسماح لها بمواصلة استيراد النفط الإيراني بشرط تقليص كمية النفط المستورد من هناك، مشيراً كذلك إلى أن كلاً من نيودلهي وأنقرة لم تتعهدا بوقف الاتجار مع طهران.
وحسب بارئيل، فإن مجمل ما ستصدره إيران من نفط في اليوم في أعقاب فرض العقوبات سيصل إلى 1,5 مليون برميل، مع العلم أنها تصدر حالياً 2,5 مليون برميل، وهذا يعني أن وضع إيران سيكون أفضل بكثير من وضعها عندما فرضت عليها العقوبات في عهد الرئيس السابق باراك أوباما قبل التوصل إلى الاتفاق النووي.
وحسب بارئيل، فإن قدرة إيران على تجاوز العقوبات ستتعاظم في أعقاب تدشين الميناء الذي تشارك الهند والصين في بنائه في إيران، والذي يفترض أن يسهم في تقليص تكلفة نقل البضائع من هذه البلدين إلى إيران، وهو ما يمنح طهران القدرة على تجاوز نظام العقوبات الأميركي.