في عام 1973 ظهر إنتاج مسرحي مهم من إخراج البريطاني بيتر بروك (1925)، كان العرض هو النص الشكسبيري "تيمون الأثيني"، الذي كتبه عام 1605. آنذاك، اعتبر نقاد أن نسخة بروك هذه "أهم إنتاج لشكسبير قدم في أوروبا على الإطلاق"، وكان من بين من احتفوا بهذا العرض الناقد المسرحي الروماني-الفرنسي جورج بانو (1943).
كشف إنتاج بروك لهذا النص عن صلة هذا النص بواقع العالم في تلك اللحظة، فتناول مواضيع المال والتضخم والاستهلاك والوفرة الاقتصادية، وما فعله بروك أنه لم يقم بقياس الشخصيات على عصرنا بل بقياس الأحداث على الزمن الذي قدمت فيه المسرحية.
ظلت علاقة المسرحي البريطاني المقيم في فرنسا منذ السبعينيات بشكسبير مليئة بالجدل والتنظير المسرحي والأدائي، وصدرت عدة دراسات عن علاقة بروك بشكسبير وكيف قدمه كمعاصر لنا، بعض هذه الأعمال كتبها بروك نفسه.
في هذا السياق، صدرت مؤخراً عن "دار الفنون والآداب" في بغداد، ترجمة لكتاب "بيتر بروك.. شكسبير: ورحلة البحث عن علاقة مباشرة" من تأليف بروك نفسه وجورج بانو ودنيس بابليه، ونقله إلى العربية الأكاديمي محمد سيف.
قدم بروك خلال تجربة متواصلة منذ ستة عقود، 15 عملاً من نصوص شكسبير، وكشف عمله على هذه النصوص عن كيف يمكن إن تؤثر تقنية العمل بشكل أساسي على تلقي النص، من حيث الصوت والأداء، فعند بروك الاستعارات الصوتية ذات أهمية، حيث كان مشغولاً دائمًا هو إعطاء الوزن للبعد الموسيقي للنصوص الدرامية.
عاد بروك طيلة مسيرته الفنية إلى أعمال شكبير "الصاع بالصاع" وهذه كانت البداية التي قدمها عام 1950، ثم اشتغل على مسرحية "حكاية الشتاء" وعرضها عام 1952، ثم "هاملت" (1955)، و"تيتوس أندرونيكوس" (1958)، ثم "الملك لير" (1962)، و"حلم ليلة منتصف الصيف" (1970)، و"العاصفة" (1990)، بل وقدم أيضاً إحدى سوناتات شكسبير على المسرح وكانت "الحب خطيئتي" في 2009.
ظل المخرج البريطاني يعيد تقديم هذه المسرحيات، مراراً لكن من دون تكرار، فكل مرة يعرض فيها بروك النص نفسه لا تكون المسرحية نفسها لا بد من شيء أضيف إليها أو أخذ منها عبر السنوات التي توالت فيها عروضها وتغير خلالها الممثلون.
الكتاب يستكشف هذه العلاقة المباشرة التي ظل بروك يفتش عنها مع شكسبير، فحاول المخرج المعاصر أن يبني علاقة مع نصوص الكاتب الذي عاش في القرن السابع عشر، متأثراً بشكل مباشر بمقاربات مسرح القسوة لأنطونين أرتو.