شكري عياد: أكتب أو لا أكتب

08 ابريل 2018
شكري عياد
+ الخط -
ضمن سلسلة "مجدّدون" التي استحدثها "مركز الدراسات الثقافية" في القاهرة، أقيمت الخميس الماضي أولى حلقات هذه السلسلة، والتي خصّصت لإعادة قراءة مشروع الناقد المصري شكري محمد عيّاد (1921-1999) بمشاركة أكاديميين وباحثين ونقاد من أجيال مختلفة تناولت أوراقهم وجوه عياد وانهماكاته المتعددة .

جاءت الجلسة الافتتاحية بأربعة مداخلات أدرتها الأكاديمية مروة مختار؛ حيث تناول أستاذ الأدب محمد عناني (1936) "شكري عيّاد مفكراً"، وتطرّق الناقد جابر عصفور (1944) إليه ناقداً، بينما تناوله المترجم حمدي إبراهيم مترجماً، وألقت ابنته هدى شكري عياد كلمة عنه أباً.

في الجلسات التالية، توقف الأكاديمي جمال الرفاعي عند تجربة نقل عياد رواية "الدخان" للأديب الروسي إيفان تورجنيف إلى العربية ومنهجيته في إنجاز هذه الترجمة، معتبراً "أن القارئ يلاحظ أن عياد حرص في ترجماته على أن يقدم فهماً إبداعياً للنص المترجم، وأنه لم يحرص فقط على النقل الحرفي للنص بقدر حرصه على إفهام المتلقي نبض وإحساس مبدع النص. وحقاً فإن ترجمته تكاد تكون إبداعاً مستقلاً موازياً للنص الأصلي".

"عندما تكون الحداثة بطعم الأصالة" هي ورقة الأكاديمي يسري عبد الغني، والتي تطرّق فيها إلى ثلاث قضايا ظلت تتصادى في مشروعه النقدي وهي: التأصيل، والدراسة العلمية للأدب، وربط الأدب بسياقه الحضاري الشامل.

واعتبر أن عياد أعطى جُلّ اهتمامه وجهده لقضية التأصيل بوصفها ضرورة حضارية ملحة، في محاولة لتحديد موقع الثقافة العربية، ومعاينة مدى إسهامها الأصيل من خريطة الثقافة العالمية، مضيفاً أنه "في ضوء تأثير كتاب أرسطوطاليس "فن الشعر" كان عياد يتحرك داخل إطار من الرؤية الإنسانية الشاملة، همّه الأساسي هو التوصل إلى "الحقيقة"، دون إشفاق على ثقافته وتراثه، أي ذاته القومية والحضارية من مواجهة الحضارة الغربية فوجود التأثير لا يعد دليل انتقاص للثقافة العربية، بل دليل قوة وندية وتحاور خلاق بين الحضارات".

فيما قدّم الباحث جمال محمد عطا ورقة حول البحث عن منهج علمي لدراسة الأدب عند صاحب "تجارب في الأدب والنقد. وقال إن "المتابع لمسيرة النقد العربي في السبعين سنة الأخيرة يلاحظ توجهه للاستفادة من المجالات المعرفية الأخرى، إلا أن هذه الاستفادة لم تؤت ثمارها المطلوبة في عدة جوانب أبرزها علاقة الشكل الأدبي بالأيديولوجيا"، من هنا سعى الباحث إلى دراسة جهود عياد في هذا الصدد، والتعرف على مدى استفادته من العلوم الإنسانية في منهجيتها، وفي تعاملها مع الظواهر الأدبية، حيث استطاع في كتاباته أن يقدّم مراجعات للأسس النظرية والمنطلقات المنهجية التي قام عليها منهج التحليل النفسي والبنيوية واللسانيات".

من جهته، تناول الباحث بيومي توفيق بيومي مصطفى "قراءة الشعر: دراسة في فكر عياد النقدي". وأوضح أن صاحب "الأدب في عالم متغير" يرى أن المشكلة التي يتعرّض لها الأدب الحديث، "هي مشكلة لغوية وهذا القدر يتفق عليه أنصار الحداثة وخصومها على حد سواء. فأما أنصار الحداثة فيرون أنهم وضعوا أيديهم على ضالة الشعراء والكتاب في جميع العصور؛ أن يكون التعبير الفني باللغة متجدداً ومبدعاً أبداً، وإذا ترتب أن بدت القطعة من الإبداع الحديث مستغلقة أمام القارئ غير المدرب فهذه الصفة اللازمة لكل ابتكار حقيقي، وأما خصوم الحداثة فيقولون: إنها وصلت بتجاربها اللغوية إلى مأزق يستحيل عليها الخروج منه إلا إذا خرجت من جلدها فتحطيم القوالب اللغوية المعروفة في صياغة الكلمات وتركيب الجمل يفقد اللغة وظيفتها الأساسية في نقل معنى ما بين مرسل ومستقبل وبذلك يصبح التذوّق مستحيلاً، كما يصبح النقد الأمين مستحيلاً".

الباحثة في دراسات النقد أميرة ناصر محمود حسن تناولت في ورقتها "سحر الشخصية ونضارة المعرفة" العوامل التي أسهمت في تكوين شخصية عياد العلمية في ثلاثة محاور: أولها أساتذته الذين تتلمذ عليهم، وثانيها ثقافته التي حصلها خلال سنوات عمره، وثالثها نشاطاته العلمية والأدبية والثقافية.

أشارت حسن إلى أن عياد تتلمذ عند نخبة من الأساتذة من بينهم طه حسين وأمين الخولي وأحمد الشايب، كما تتبعت، معتمدة على سيرته "العيش على الحافة"، تكوّن ثقافته عبر التسلسل الزمني لمسيرة حياته، منذ طفولته حتى السنوات المتأخرة من عمره، وأشارت إلى أنه كان مقتنعاً "بضرورة تثقف الناقد بعدد من العلوم، بوصفها أدوات لمقاربة العمل الأدبي، ولا سيما علوم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا والأساطير واللسانيات والفلسفة، لأنها -في نظره- العلوم التي يستمد منها الناقد الأدبي أضواءً كاشفة تظهر له، ثم لقرائه، مكنونات تجربته الخاصة".

ويكمل "الحافة عند عياد لها تجليات أربعة: العوز، والمرض، والجنون، والجريمة. وهى كلها أمور حياتية تقع فى خانة العيش، إلا أن الذي يعنينا هو التعبير عن هذا العيش بالكتابة. كيف وجد عياد الخلاص فى الكتابة والى أي مدى استطاع أن يتحرّر من السلطات التى مورست عليه طوال سنين عمره؟" يتساءل الباحث مفترضاً أن الكتابة عند عياد في سيرته "لم تكن منفصلة عن تجربته الذاتية الخاصة، ووعيه الشقي المحمّل بمعاناة السنين. الكتابة عند عياد فعل وجودي معبر عن لحظة مصيرية فارقة فى عمر الذات، وفي هذا الصدد يتقمص عياد روح هاملت المعذبة ليتساءل فى السطور الأولى من السيرة: أكتب أو لا أكتب؟".

كذلك قرأت الباحثة نهلة راحيل في ورقتها "بين الكلام والصمت" سيرة عياد الذاتية، متناولة مفهوم الاعتراف فيها حيث حاول الكاتب على مدار صفحات العمل، أن تتحلى سيرته بقدر من الصدق وبشيء من الموضوعية... من هنا يتوجّه إلى القارئ بالحديث عما عاشه من تجارب في سنوات سابقة، مستخدماً ضمير المخاطب، كأنه يرغب في أن يشركه معه في ما جرى، مما يثير انتباهه وشوقه لقراءة المزيد، ويخفف من مركزية السارد".

ولفتت إلى أن العنوان "يستحضر أفق التوقع في ذهن القارئ ويفتحه تجاه العديد من الاحتمالات المرهونة بتقدير المحذوفات؛ فالحواف في سيرته تنفتح على تأويلات عدة مثل: حافة المرض أو الفقر أو الجنون أو الجريمة، حيث بدت له حياته، بعد وقوفه على مسافة زمنية تفصله عن ذاته، بأنه وقف طوال سنواتها على الحافة يرى الهاوية ولا يسقط فيها، وعند الفعل الكتابي لها وقف عند الحافة الحرجة بين الكلام والصمت".

أما "تلقي المذاهب الأدبية والنقدية بين عياد ومصطف ناصف"، فهو موضوع اهتم ببحثه ودراسته الناقد أحمد كرماني عبد الحميد، ورجع فيه إلى كتابي "خصام مع النقاد" لناصف، وكتاب "المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين" لعياد، الصادرين في فترة زمنية واحدة.

حاول الباحث الوقوف على "طرق وإشكاليات تلقي المذاهب الأدبية والنقدية عند الناقدين، في ضوء التأويل الثقافي بغية إثارة الأسئلة، التي من شأنها المساهمة في صياغة مشروعنا النهضوي". يرى عبد الحميد أن "مراجعة المذاهب النقدية عند عياد ضرب من ضروب البحث عن الذات، لذلك تبدأ من الحاضر، من الأنا التي تتنازعها جوانب عدة، كحيرتها النابعة من قضاياها الذاتية المتمثلة في صراع الأصالة والمعاصرة". 

وتحت عنوان "إستراتيجيات الاعتراف في "العيش على الحافة"، قدم الأكاديمي عايدي علي جمعة كذلك مقاربة تأويلية للسيرة الذاتية، حيث توقف الباحث عند بعض الإستراتيجيات الخاصة التي نقل بها المؤلف بعض الجوانب في سيرته الذاتية. فقد "اختار من هذه الإستراتيجيات الضمير الأول "أنا" في سرد سيرته الذاتية، ولكنه دائماً ما كان يستحضر في متن سيرته الضمير الثانى "أنت"، حيث يتوجه إليه بالخطاب. ومن هنا فإن الضمائر الثلاثة تكون مستحضرة في هذا العمل حيث يرصد الكاتب الضمير الأول للسرد ويرصد الضمير الثاني للتوجه إليه بالخطاب في حين يكون الضمير الثالث "هو" في حالته الجمعية "هم" مجسداً لجمهور القراء".

خلص جمعة إلى أن "هذه السيرة الذاتية تكتسب قيمة كبيرة من عاديتها وعدم اختلافها المبين عما هو سائد لدى البشر، خصوصاً المصريين في هذه الفترة. وما كان يعلنه السارد من أن حياته ليس فيها ما يلفت الانتباه كان سر قوتها، لأنها تتجاوب مع طبيعة حياة الملايين. فقد نفضت الذات الساردة حياتها على حد قولها أمام قارئها".

دلالات
المساهمون