شكرا جوليو ريجيني.. صار لمواطننا "قيمة"

29 ابريل 2016
أم ريجيني تحمل صورته (GETTY)
+ الخط -
قالت أمك يا جوليو ريجيني:" لقد عذبوه وكأنه مصري". ربما لم يسعف الحال والدة الطبيب البريطاني، عباس خان، أن تقول: "اعتقلوه وعذبوه وقتلوه كما لو أنه سوري". قبل أيام أحرج "أبو حسين أوباما" صحافي أميركي قبل أن يتجرأ نظام قاسيون عليه.

لكنك يا جوليو كشفت، في المرآة العاكسة لجثتك، دونية ووضاعة الأنظمة الاستبدادية، بكل أدواتها، حتى تصل السلطة التي تمارس هواية العواء على الهواء.

فجأة وبلا مقدمات انفضحت سيرة مصيبة الفرق بين دم ودم. في مجتمعاتنا يا جوليو يتذكرون ضحايانا في غربكم حين تلمع فكرة "كلنا سواسية في القتل". ستعرف مروة الشربيني وعادل معوض وحامد محمود عبد العزيز. وسنعرف كلنا أنه خلال 40 عاما توفي/قتل 10 مصريين في الغرب. آخرهم عادل ميخائيل في لندن، وهو الذي يعزز اليوم فرضية: كلنا سواسية.

ولا داعي لذكر أسماء من قامت هذه الأنظمة الوضيعة باغتيالهم واغتيال زوجاتهم عبر فرق الموت في عقر داركم الأوروبية. فدمهم لا يعني أحدا. كل الذي يهم الآن: لقد عذبوك كمصري!
لا أحد يسأل في التزلف الاجتماعي والإعلامي، على قنواتنا وليس على قنواتكم: هل ماتت الشربيني، في ألمانيا، وميخائيل في لندن وأشرف في لندن، والبقية في أعاصير أميركا وتفجير باريس مثل موتك تعذيباً، في أقبية استخبارات بلادكم؟

أعترف لك يا جوليو، بأني منذ سمعت خبر الشاب المصري الذي احترق في لندن، لم تغادرني جثث رابعة. ولا جثة إبراهيم القاشوش وحمزة الخطيب قبله، ومشعل تمو وغياث مطر وخالد بكراوي وحسان حسان. بل لأعترف أكثر، ما زلت فزعا من نفاق بعض من أبناء بلدك المهتمين بحجارة تدمر، بينما لم يهتموا يوما لقوقعتها التي كتبها من مسالخها البشرية مصطفى خليفة، المسيحي المتهم بالانتماء للإخوان لأكثر من 13 سنة في سورية بعد عودته من دراسة الإخراج في فرنسا.
الحاكم، سواء هنا أو هناك، هو ذاته. يغرف من ذات النبع: صلاة على صورة القائد الفذ. عبودية لم تر سنامها سوى حين قبّل طفل صغير في تركيا يد أنجيلا ميركل. وأصبح جورج صبرة إسلاميا متطرفا.


ربما لا تعرف أمك، ولا صحف بلادك أنه منذ 2010 في سورية "قلب العروبة النابض"، حين كانت ثقافة "اليد التي لا تقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر" مفروضة فرضا من شقيق القائد الخالد، أن باحثا فلسطينياً ـ نرويجياً اسمه مهيب سلمان النواتي، وأصله من غزة، اختفى قبل عبد العزيز الخير وإياس عياش وماهر طحان ورزان زيتونة وسميرة خليل وناظم حمدي ووائل حمادة. ومئات. بل آلاف تتسرب صورهم في عار الإنسانية.

الآن يتذكرون المصريين الذين قتلوا أو اختفوا في الخارج، فقط الآن. وبابتذال التقليد الفاشل يريدون أن يقولوا: نحن دولة لا تسمح بمسح كرامة أبناء البلد سوى في الداخل. ولو على كوب شاي.
بالتأكيد يا جوليو أنت لست مثل بائع الشاي، ولست مثل الفلسطيني المحبوب "ميتا". استلهاما من شعار: العربي الطيب هو العربي الميت. لست مثل المصري/ المصرية المسحولين في شوارع "أم الدنيا". ولا أنت مثل خالد سعيد ومحمد بوعزيزي المتحولين، ضمن تحويل الثورات العربية إعلاميا إلى مؤامرات كونية، إلى متآمرين مع "سي أي إيه".

ثمة سؤال لا يؤرقني وحدي، أنا العربي الذي عاش أكثر من نصف عمره في الغرب الذي أنتج كل هذا الكلام عن حقوق الإنسان، والمنتهية صلاحيتها عند أول عقد تجاري، كما الحال مع إيران وتعويم أنظمة تقرأ من زاوية: بماذا نفيد رأسمالنا منها؟
ولكي لا أطيل عليك وأنت الذي لا يشهد اليوم ما نشهده من عهر ونفاق؛ يبقى سؤالي مختصرا: ما الفرق يا ترى بين الذباحين بلباس داعشي وضباط بربطات عنق يمارسون "التعفيس وقطع الأذنين"، قبل آكل القلب البشري؟
ثمة جواب يا جوليو، اختماره مدمر. أتدري كيف؟ حين يقول الحاكم: أنا البلد. ومن تحت حذائه يخرج مفتي دين يقول: أبيدوا حلب. وآخر بربطة عنق يقول: هذا المشفى، الذي قصف أمس، يستحق ما جرى له ولأطفاله لأنهم كلهم إرهابيون. وفي رفح والعريش: فلتدمر بيوت المتخلفين وليشردوا.
أتدري معنى اختمار الشيء فوق حده؟ ربما سنلطم يوما على زمن "داعش". لكن ذلك لن يفيد بشيء.

المساهمون