شكراً مايك لي وكين لوش

15 يونيو 2015

مايك لي وكين لوش في لندن (28 مايو/2015/Getty)

+ الخط -
نسينا موضوع المقاطعة، حتى إن بعضنا قد يتساءل مقاطعة مَنْ ولماذا، علماً أن الكلمة كانت مكتفية بذاتها، ولا تحتاج زيادةً أو تعريفاً، فلم تكن هناك سوى مقاطعة واحدة: إسرائيل. وقد لا تحتاج هذه الكلمة، بنظيرتها الإنكليزية، إلى تساؤل عمّن المقصود بالمقاطعة، بعدما تزايدت حركات المجتمع المدني الأوروبية التي تتبناها وتطرحها. كانت كلمة مقاطعة، بالإنكليزية، تشير، في فترة نضال الجنوب أفريقيين، إلى نظام الفصل العنصري الأبيض. تمكَّن نضال شعب ذلك البلد، بقيادة نيلسون مانديلا والمؤتمر الوطني الأفريقي، من إنهاء نظام الفصل العنصري، والانتقال إلى طور "الحقيقة والمصالحة" الذي أنهى واحداً من أشرس أنظمة الأبرتهايد. لم يعد في العالم، تقريباً، نظام فصل عنصري، كما كان عليه نظام بريتوريا، مثلما لم يعد، في العالم، شعب محتل سوى الشعب الفلسطيني. 

نسي العرب المقاطعة لأسباب كثيرة، أبرزها معاهدات "السلام" بين أكبر دولة عربية، مصر، ودولة "الطوق" العربية الثانية، الأردن، مع إسرائيل، فضلاً عما جرى، ويجري، بعد "الربيع العربي"، وصراع النظام السياسي العربي القائم على اتفاقية سايكس بيكو مع محاولات إنهائه بالقوة. ولكن، لمزيد من التفتّت والتجزئة، للأسف، وليس لصالح مشاريع إنهاء ترسيمة سايكس بيكو الاستعمارية التي ناضلت الشعوب والقوى الوطنية والتقدمية العربية عقوداً من أجلها. فإنهاء نظام سايكس بيكو لا يتمّ، اليوم، من أجل قيام وحدة عربية ديمقراطية، تتصدّى لمعركة تحرير فلسطين، بل لتقديم فروض الولاء والطاعة لأبي بكر البغدادي، أو أيمن الظواهري.

فمن يتذكّر المقاطعة اليوم؟ لسنا نحن. بل الأوروبيون. انتقلت شعلتها من أيدي العرب إلى القوى الاجتماعية والثقافية الحية في المجتمعات الأوروبية، من دون أن يكون لنا فضل كبير في ذلك. فإن كان هناك مِنْ فضل، في المقاطعة الأكاديمية الغربية للنظام الأكاديمي الإسرائيلي، فهو للطلبة الفلسطينيين والعرب الذين يناضلون فردياً، أو في أطر تنظيمية صغيرة، في عرين الأسد الإنكليزي الذي رعى قيام إسرائيل، ناهضين بعبءٍ لم تستطع (أو لم ترد) النظم العربية مجتمعة القيام به. فها هي المقاطعة الأكاديمية البريطانية، باعتبارها الأبرز، تكاد تعلن حرباً بين النظام التعليمي البريطاني برمته (ملايين الطلبة) ونظيره الإسرائيلي، على أرضية أخلاقية وإنسانية صرف. وليس جديداً أن يرفض فنانون وصحافيون وأدباء بريطانيون زيارة إسرائيل، أو المشاركة في أي عمل تقف وراءه، بل والتصدي للدعاية الإسرائيلية التي تتخذ الفن لبوساً لها. ما جرى، قبل أيام، مع مهرجان الفيلم الإسرائيلي في لندن، خير مثال على ما تحرزه المقاطعة الفنية البريطانية للمنتج "الفني" الإسرائيلي المدعوم من دولة الاحتلال.

أربعون شخصية سينمائية بريطانية وجهت رسالة، في الصحافة، لمقاطعة المهرجان الذي تشارك في تنظيمه السفارة الإسرائيلية، حتى إن دار العرض اللندنية الشهيرة "كيرزن" التي احتضنت المهرجان اضطرت إلى إصدار بيان تقول فيه إنها قبلت حجز منظمي المهرجان كأي حجز آخر، قاعاتها، من دون أن ينطوي عملها هذا على أي بعد سياسي.

ولكن، مَنْ هم هؤلاء الذين وقفوا بحزم ضد إقامة مهرجان الفيلم الإسرائيلي في لندن؟ إنهم من أكبر مخرجي هذا البلد وفنانيه. يكفي أن نذكر منهم علمين في الإخراج السينمائي: كين لوش ومايك لي. صياغة الرسالة ومفرداتها تؤكدان مدى عمق رفض الكذب والزيف الإسرائيليين المتزيّيْن بزي الفن والثقافة. المدهش أن الدعوة إلى مقاطعة السينما والدراما التلفزيونية الإسرائيلية، الموجهة إلى دار العرض، تستند إلى فقرة في الرسالة تقول: "إن دور العرض السينمائية هذه تتجاهل دعوات منظمات المجتمع المدني الفلسطينية الصادرة عام 2004، وتطالب بفرض عقوبات على إسرائيل، حتى تلتزم بالقانون الدولي، وتتوقف عن اقتلاع الفلسطينيين والتمييز ضدهم واحتلال أرضهم". كأنَّ تلك الدعوة، المُتَجَاهَلة، قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع!

شكراً مايك لي وكين لوش.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن