01 أكتوبر 2022
شقيق الظواهري والثورة المصرية
بينما يمتلئ الفضاء الإلكتروني المصري المعارض بحملةٍ ضد تنفيذ أحكام بالإعدام على ستة من شباب الإخوان المسلمين، فإن من اللافت استعراض نموذج من تجارب استخدام النظام المصري هذه الأحكام.
صدر في سنة 1999 حكم بالإعدام على ثمانية أشخاص، منهم محمد الظواهري، شقيق زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، في قضية "العائدون من ألبانيا"، ضمن 50 متهماً حُكم عليهم بأحكام متنوعة.
كانت الإمارات ألقت القبض على الظواهري الذي كان يعمل فيها مهندسا وسلمته إلى مصر، ومن وقتها وطوال 12 عاماً لم يتم تنفيذ أحكام الإعدام بالقضية. هنا، تظهر فجوة قانونية وضعها عمدا من يوصفون في مصر بأنهم "ترزية القوانين". القانون لا يحدّد أية فترة زمنية لتنفيذ الإعدام بعد انتهاء درجات تقاضيه، وبعد مرور 14 يوماً متاحة للرئيس لإلغائه، بعد وصوله من وزير العدل، وهنا فجوة أخرى، لأنه لا مدى زمنياً محدداً لهذا الإرسال.
المجلس العسكري هو الذي أفرج عنه يوم 17 مارس/ آذار 2011، مع أن هذا لم يكن قطعا من مطالب أي تنظيم ثوري أو حزب معارض أو حتى "الإخوان". بعدها بيومين فقط، قُبض عليه مرة أخرى، وقيل إن ذلك بسبب وجود حكمٍ عليه، وكأن من أطلق سراحه لم يكن يعرف، ثم فجأة قالوا إنه أصبح بإمكانه تقديم طعن في الحكم، وأعيد الإفراج عنه، وبسرعة في يونيو/ حزيران 2011 أسقط القضاء العسكري الأحكام تماماً، من الإعدام إلى البراءة!
في إبريل/ نيسان 2011، دخل محمد الظواهري ميدان التحرير في القاهرة في مشهد درامي، وسط رجاله من حاملي الرايات السوداء، يردّدون التكبيرات وهتافاتٍ تدعو إلى تحكيم الإسلام. وطوال الفترة التالية، كانت له محطات شهيرة عديدة، مثل تصريحاته عن حكم الشريعة القادم في مصر، وإن الإخوة المجاهدين حاملي السلاح يكملون دور الإخوة الذين يمارسون السياسة والانتخابات، وتفاخره بأن منفذي هجمات "11 سبتمبر" كانوا أمهر في قيادة الطائرات من حسني مبارك. إلا أن أهم مشاهده هو ما تردّده مصادر أمنية في الإعلام (من دون تأكيد أو نفي من الجانب المقابل)، أن محمد مرسي أرسله، بسيارة الرئاسة، ليتوسط عند خاطفي الجنود في سيناء، ويقولون إن هذا من أكثر ما استفز القيادات العسكرية.
بعد فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية مباشرة، تم القبض على الظواهري، في 17 أغسطس/ آب 2013، واحتفل الإعلام جدا بذلك احتفالا واسعا، وتم اتهامه في أكثر من قضية، أهمها "تنظيم الطائفة المنصورة"، ثم حُكم له بالبراءة في قضيتين في فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2016، وعاد إلى منزله بهدوء، ولكن هذه المرة من دون أي ظهور إعلامي.
الأسئلة لا تنتهي: لو كان إرهابيا، لماذا أفرجتم عنه مرتين؟ ولو كان بريئا، لماذا سجنتموه سنوات في المرتين؟ لو كان الإعدام مستحقا فكيف ينتظر 12 عاما؟ ولو كان ظلما فلماذا صدر من البداية؟ ولماذا لم تؤكد أو تنفي مصادر رسمية في أيٍّ من جانب الدولة أو "الإخوان المسلمين" قصة سيناء؟
تشرح قصة الرجل كلها نمطا أمنيا في الاستخدام والتوجيه.
طوال 12 عاما، استغلت الأجهزة الأمنية المصرية وجود محمد الظواهري في حوزتها ورقة هامة لمساومة "القاعدة"، وأيضا لمساومة حلفائهم الأميركيين.
بعد الثورة مباشرة، كان الظواهري جزءا من استراتيجية اتضحت منهجيتها بترويج خطر تحول مصر إلى أفغانستان. حسب تحقيق صحافي مميز، نشره الصحافي حسام بهجت على "مدى مصر"، يكشف أن المجلس العسكري أفرج عن نحو 800 سجين إسلامي، منهم أبرز القيادات ممن أعلنوا رفض مبادرة وقف العنف، بينما أفرج مرسي عن 27 منهم فقط. بعد فضّ اعتصام ميدان رابعة، كان الغرض قد انتهى، وعادت الحاجة إلى رسم صورة الدولة الأمنية القوية، فتتابعت أخبار القبض عليهم، مع ترديد دعاية كاذبة أن مرسي هو من أخرجهم.
وفي هذا بعض التشابه مع ما فعله بشار الأسد، حين أطلق سراح مقاتلي "القاعدة" وغيرهم من الجهاديين من سجن صيدنايا في أول الثورة، في فعل عمدي لأسلمتها وتسليحها، بما يمكّنه بعدها من القضاء عليها. يفعلون كل شيء لترسيخ عبارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أخيرا عن سورية بأنه لا يوجد بديل، بينما هم يقتلون ويسجنون كل بديل ديمقراطي، ويتعمدون تصدير "اللابديل" الجهادي لإرعاب مجتمعاتهم داخليا والغرب خارجيا. هذا ما يفعلون؟
صدر في سنة 1999 حكم بالإعدام على ثمانية أشخاص، منهم محمد الظواهري، شقيق زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، في قضية "العائدون من ألبانيا"، ضمن 50 متهماً حُكم عليهم بأحكام متنوعة.
كانت الإمارات ألقت القبض على الظواهري الذي كان يعمل فيها مهندسا وسلمته إلى مصر، ومن وقتها وطوال 12 عاماً لم يتم تنفيذ أحكام الإعدام بالقضية. هنا، تظهر فجوة قانونية وضعها عمدا من يوصفون في مصر بأنهم "ترزية القوانين". القانون لا يحدّد أية فترة زمنية لتنفيذ الإعدام بعد انتهاء درجات تقاضيه، وبعد مرور 14 يوماً متاحة للرئيس لإلغائه، بعد وصوله من وزير العدل، وهنا فجوة أخرى، لأنه لا مدى زمنياً محدداً لهذا الإرسال.
المجلس العسكري هو الذي أفرج عنه يوم 17 مارس/ آذار 2011، مع أن هذا لم يكن قطعا من مطالب أي تنظيم ثوري أو حزب معارض أو حتى "الإخوان". بعدها بيومين فقط، قُبض عليه مرة أخرى، وقيل إن ذلك بسبب وجود حكمٍ عليه، وكأن من أطلق سراحه لم يكن يعرف، ثم فجأة قالوا إنه أصبح بإمكانه تقديم طعن في الحكم، وأعيد الإفراج عنه، وبسرعة في يونيو/ حزيران 2011 أسقط القضاء العسكري الأحكام تماماً، من الإعدام إلى البراءة!
في إبريل/ نيسان 2011، دخل محمد الظواهري ميدان التحرير في القاهرة في مشهد درامي، وسط رجاله من حاملي الرايات السوداء، يردّدون التكبيرات وهتافاتٍ تدعو إلى تحكيم الإسلام. وطوال الفترة التالية، كانت له محطات شهيرة عديدة، مثل تصريحاته عن حكم الشريعة القادم في مصر، وإن الإخوة المجاهدين حاملي السلاح يكملون دور الإخوة الذين يمارسون السياسة والانتخابات، وتفاخره بأن منفذي هجمات "11 سبتمبر" كانوا أمهر في قيادة الطائرات من حسني مبارك. إلا أن أهم مشاهده هو ما تردّده مصادر أمنية في الإعلام (من دون تأكيد أو نفي من الجانب المقابل)، أن محمد مرسي أرسله، بسيارة الرئاسة، ليتوسط عند خاطفي الجنود في سيناء، ويقولون إن هذا من أكثر ما استفز القيادات العسكرية.
بعد فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية مباشرة، تم القبض على الظواهري، في 17 أغسطس/ آب 2013، واحتفل الإعلام جدا بذلك احتفالا واسعا، وتم اتهامه في أكثر من قضية، أهمها "تنظيم الطائفة المنصورة"، ثم حُكم له بالبراءة في قضيتين في فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2016، وعاد إلى منزله بهدوء، ولكن هذه المرة من دون أي ظهور إعلامي.
الأسئلة لا تنتهي: لو كان إرهابيا، لماذا أفرجتم عنه مرتين؟ ولو كان بريئا، لماذا سجنتموه سنوات في المرتين؟ لو كان الإعدام مستحقا فكيف ينتظر 12 عاما؟ ولو كان ظلما فلماذا صدر من البداية؟ ولماذا لم تؤكد أو تنفي مصادر رسمية في أيٍّ من جانب الدولة أو "الإخوان المسلمين" قصة سيناء؟
تشرح قصة الرجل كلها نمطا أمنيا في الاستخدام والتوجيه.
طوال 12 عاما، استغلت الأجهزة الأمنية المصرية وجود محمد الظواهري في حوزتها ورقة هامة لمساومة "القاعدة"، وأيضا لمساومة حلفائهم الأميركيين.
بعد الثورة مباشرة، كان الظواهري جزءا من استراتيجية اتضحت منهجيتها بترويج خطر تحول مصر إلى أفغانستان. حسب تحقيق صحافي مميز، نشره الصحافي حسام بهجت على "مدى مصر"، يكشف أن المجلس العسكري أفرج عن نحو 800 سجين إسلامي، منهم أبرز القيادات ممن أعلنوا رفض مبادرة وقف العنف، بينما أفرج مرسي عن 27 منهم فقط. بعد فضّ اعتصام ميدان رابعة، كان الغرض قد انتهى، وعادت الحاجة إلى رسم صورة الدولة الأمنية القوية، فتتابعت أخبار القبض عليهم، مع ترديد دعاية كاذبة أن مرسي هو من أخرجهم.
وفي هذا بعض التشابه مع ما فعله بشار الأسد، حين أطلق سراح مقاتلي "القاعدة" وغيرهم من الجهاديين من سجن صيدنايا في أول الثورة، في فعل عمدي لأسلمتها وتسليحها، بما يمكّنه بعدها من القضاء عليها. يفعلون كل شيء لترسيخ عبارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أخيرا عن سورية بأنه لا يوجد بديل، بينما هم يقتلون ويسجنون كل بديل ديمقراطي، ويتعمدون تصدير "اللابديل" الجهادي لإرعاب مجتمعاتهم داخليا والغرب خارجيا. هذا ما يفعلون؟