شعيب حليفي: كي لا يفكّر الآخرون نيابة عنّا

08 اغسطس 2015
"منظر داخلي"، فن أدائي، فيصل سمرة (السعودية)
+ الخط -

يُعتبر شعيب حليفي أحد أكثر الأسماء إنتاجاً ونشاطاً في المشهد الثقافي المغربي اليوم. ففضلاً عن مؤلفاته في الرواية والنقد وأدب الرحلة، ينشط بشكل مستمر في عدد من الهيئات التي تبحث في التاريخ الثقافي والدراسات المنهجية؛ إذ يترأس "مختبر السرديات بالمغرب" و"نادي القلم" ويشرف على إصدار عدد من الكتب والدراسات في الأدب والتاريخ والقانون. إضافة إلى ذلك، ينشغل بالعمل النقابي، ويدافع عن ضرورة حضور الثقافة في اليومي المغربي في المراكز والهوامش الجغرافية.

قدّم الحليفي أعمالاً روائية من أبرزها "زمن الشاوية" و"رائحة الجنة" و"مجازفات البيزنطي" و"تراب الوتد". كما أصدر عدة دراسات نقدية، من بينها "الرحلة في الأدب العربي: التجنّس، آليات الكتابة، خطاب المتخيل" و"هوية العلامات: في العتبات وبناء التأويل".

ينتمي صاحب "شعرية الرواية الفانتاستيكية" إلى فئة الكتّاب الذين يؤمنون بدور المثقف وضرورة انخراطه في المجتمع وتشابكه مع قضاياه، ففي الوقت الذي يتحدّث فيه الجميع، تقريباً، عن فردانية الأدب وتمجيد عزلة الكاتب، يؤكّد هو على ضرورة الانتماء إلى شيء محدّد وواضح في حياتنا، يكون مرجعنا، ويمنعنا من أن نترك الآخرين يفكّرون نيابةً عنّا، ويوجّهون نظرتنا، خصوصاً حينماً يتعلق الأمر بنخبة مثقفة.

يستطرد حليفي في شرح فكرته، فيقول: "أرى أن الدور التاريخي والأبدي للمثقّف منذ الأزل هو الانخراط الكلي، العنيف والسلس، في المجتمع. أليس النبي مثقفاً برسالة سماوية؟ ثم ما فعله الفلاسفة والمؤرّخون والشعراء والفقهاء وغيرهم على مرّ التاريخ، ألم يكن التحاماً وتفكيكاً في عقل المجتمع؟ من يتحدّث عن عزلة الكاتب، إنما يروّجُ لما يريده الذين يُرهبهم اشتباك الفكر والوعي والمجتمع في صيرورة تُزعجُ الجهل والظلام والتخلّف".

من يتتبّع تجربة حليفي، سواء في أبحاثه أو كتاباته المفتوحة، يلحظ أنه غالباً ما يعود إلى التاريخ ويكتشف أسماء منسية أو يذكّر بها. عن سبب اهتمامه بالمهمّشين والمنسيين، يقول: "الأمر بالنسبة إليّ، وإلى غيري، هو اختيار. فهناك دائماً اختيارات يمليها علينا الشرط التاريخي والثقافي، اختيارات تتّجه نحو تغذية الوجدان بالمشاعر وكثافتها الحية من الذاكرة والتاريخ؛ أو تنحو إلى بناء الهوية، بشكل عام، من خلال بناء أفكار قادرة على حمل القيم والخطاب".

وفي كل الحالات، يضيف "أزاوج بين الأفكار والمشاعر عبر الوقوف على واقع يتطلّع إلى المستقبل. ولأني لست نبياً ولا متنبّئاً، وإنما واحد من ورثتهم الأوفياء، فإني أعود إلى خبرات الذاكرة وخزائن التاريخ المعتّقة، خصوصاً ما اتّصل بالمحلي والخاص، ثم العربي والعالمي، وكلاهما يتقاطعان بشكل لافت. لذلك، فليس هناك منسيّون ومهمّشون، وإنما هناك إهمال منا. وما زالت الكثير من النصوص والشخصيات والأحداث النفيسة مطمورة. أعتقد أن كل لحظة تمر في الحياة هي مثقلة بما يملأ صفحات لن يكفيها ماء البحر لو كان مداداً".

سبق لحليفي أن صرّح مرة: "أنا كائن باع نفسه للخيال"؛ فهو مهووس بالأدب العجائبي الفانتازي الذي يقوم على أساس ما فوق الواقع "السريالي". لكن هذا النوع من الكتابة ليس مطروقاً بكثرة في السرد العربي المعاصر، على العكس من تراث الأدب العربي المليء بهذه التجارب الفانتازية.

عن ذلك يقول إن "في حياة كل واحد منا علبة سرية نُخفي فيها أدواتنا، إنها الخيال، والسياق دائماً شرط، فمن حرصنا على عدم التفريط في خيالنا نحن أشدّ ارتباطاً بالواقع". أما بالنسبة إلى الخيال في الإبداع الروائي العربي اليوم، فيبدو للناقد المغربي أنه إشكالية نتناساها أكثر من اللازم، ويردف إنه "الميزان السحري للإبداع وماء الكتابة الذي يحفّز الحواس والمشاعر ويغذي الأفكار".

وفي ما يخصّ النقد الأدبي اليوم في العالم العربي، إذ يبدو للكثيرين أنّ هناك غياباً للأسماء المتميّزة في النقد وتراجعاً على مستوى النقد التطبيقي الذي كان يواكب الإصدارات الأدبية سواء السردية أو الشعرية، فيبدو له أن المسألة مرتبطة ببعضها بعضاً، إذ إنّ النقد الأدبي يتطور في مجالات مترابطة؛ منها الجامعة والبحث العلمي، ثم الجمعيات الثقافية وحركة النشر والقراءة، وأخيراً الصحافة الثقافية.

إنها، حسب حليفي، المجالات التي يتحقق فيها الإنتاج النقدي: "أعتقد أن النقد الأدبي ما زال حاضراً وسيعرف تطوّراً في السنوات المقبلة على الصعيد الأكاديمي"، مضيفاً "إنه بحاجة إلى تجدّد الدورة الثقافية بالنسبة إلى الصحافة الثقافية".

أما مسألة المواكبة، فهي بالنسبة إليه مرتبطة بشروط، "منها جودة المنتوج والدفق الكثير الذي تطرحه المطابع، ثم حركية التوزيع البطيئة والمرتبكة. هناك كتب تصدر في مراكش ولا أستطيع الوصول إليها، وقِس على ذلك عدداً من التأليفات التي تصدر في العالم العربي".

المساهمون