شعر مصفّف بالقهر: صالونات التزيين المصرية تستعبد العمال

25 يوليو 2016
صالون للحلاقة الرجالية في مصر (جون مور/ Getty)
+ الخط -
بالرغم من أنهم يصنعون الجمال، إلا أنهم من بين أكثر الفئات معاناة في المجتمع المصري. هم عمال وعاملات في صالونات التجميل (الكوافير)، الذين يعيشون مأساة يومية من دون أن تلتقطها عدسات الكاميرا ولا أقلام الصحافيين ولا إحصائيات مراكز الأبحاث. فبالرغم من انتشار مراكز التجميل في حضر مصر وريفها، إلا أنه لا توجد إحصائية رسمية واحدة تقدر عدد العاملين في هذا الحقل،
في حين يُمنعون من الانتظام بنقابة لتحصيل حقوقهم وتحصينها.
 
"أقف أكثر من عشر ساعات في الصالون الذي أعمل به، ولا أتقاضى راتباً يؤمن ثمن علاج ابني"، هكذا تبدأ سمية الحسنين، وهي عاملة في أحد الصالونات في وسط القاهرة حديثها. وتلخص سمية الأوضاع المزرية التي تعانيها العاملات في صالونات التجميل، وتقول إنها حصلت على ليسانس آداب ولم تجد عملاً بعد تخرجها، "وبعد الكثير من البحث عن العمل وجدت أحد محلات الكوافير يطلب عاملة. ترددت كثيراً للتقدم إلى هذه الوظيفة، خاصة بعد رفض زوجي لها، وإدانة المجتمع المصري للعاملات في هذا المجال، والتعامل معهن وكأنهن يعملن في بار أو ملهى ليلي".

وتلفت إلى أن "غياب فرصة عمل تساعدني وثلاثة من الأبناء على المعيشة دفعت عائلتي لقبول هذه الوظيفة، خاصة أن المرتب على قلته، ولكنه يعتبر أفضل من الرواتب التي تقدّم في الكثير من الأعمال الأخرى في محال الثياب أو الأحذية أو غيره".
توضح سميّة أن أزمة العاملات في صالونات التجميل ليست في المرتبات فقط، بل في تجارب النصب التي يتعرضن لها "حيث تجد الكثير من أصحاب الصالونات يطلبون من العاملة المداومة لمدة شهر وفي نهايته لا تحصل على مستحقاتها. ولا يمكن للعاملة التوجه إلى أي جهة للشكوى، حيث لا عقود عمل توقع معها، ولا نقابة يمكنها أن تدافع عن العاملات. وبالتالي فليس أمامنا إلا أن نقبل بالأمر الواقع مهما كان مريراً". 

يقاطعها رامي محسن، وهو العامل في الصالون ذاته ويؤكد أن كل الفئات تحصل على إجازات الأعياد والمناسبات باستثناء عامل وعاملة التزيين، الذين يبقون في الأعياد والمناسبات واقفين على أرجلهم في عملهم، من دون أي مقابل يذكر عن ساعات العمل الإضافية.

ويشير محسن إلى أنه فني كوافير أي أنه متخصص وليس هاوياً مثل الغالبية العظمى من العاملات والعاملين في هذا المجال، وبالرغم من ذلك فإن راتبه لا يتخطى الـ 40 جنيهاً يومياً ما يعادل 3 دولارات فقط، وهو راتب لا يكفي أسرته المكونة من خمسة أفراد.

إفشال محاولة تأسيس نقابة
يروي محسن محاولته ومجموعة من العاملين في هذا المجال تأسيس رابطة يمكنها أن توفر تأميناً صحياً واجتماعياً لهم، خاصة أن أغلبهم يعاني من أمراض عديدة قد تصل للسرطان، نتيجة التعرض المستمر للصبغات والأدوات والمواد الأخرى،
بالإضافة لأمراض العمود الفقري.

ويؤكد: "بدأت ومعي مجموعة من العاملين في صالونات وسط القاهرة لتأسيس رابطة قائمة على اشتراك شهري يدفع من الأعضاء يمكنه أن يوفر مبالغ مالية تعين العمال والعاملات على الأزمات مثل الوفاة والمرض. إلا أن كافة العراقيل وضعت أمامنا، وكأننا ارتكبنا ذنباً لا يغتفر، وتم استدعائي وزملائي من قبل الأجهزة الأمنية فتوقفت الفكرة تماماً. ثم توجهنا إلى رابطة الحلاقين في الغرفة التجارية، إلا إننا وجدنا أصحاب محال التزيين المسيطرون على القرار، فعرفنا أننا من الفئات المغضوب عليها، ليس من حقنا أن نبني تنظيماً نقابياً أو حتى رابطة تدافع عن حقوقنا".

ويقول أحد الحلاقين القدماء في القاهرة، أن مرتبات العامل في مهنة الكوافير والتجميل تختلف حسب الخبرة، ولكن هناك الكثير من الأزمات التي يعانيها العاملون في تلك المهنة، بعضها يخص النساء وبعضها يخص الرجال. فبالرغم من لجوء غالبية الأسر خاصة من الطبقة الوسطى لصالونات التجميل العادية، إلا أن هناك الكثير من الإشاعات التي يتم إطلاقها على العاملين بهذه المهنة خاصة من النساء، ما يدفع الكثير من الشباب للتحرش بالعاملات بعدما تتأخر الغالبية العظمى منهن عن المجيء للمنزل، خاصة في المناسبات والأعياد، حيث قد تعمل خلالها النساء ما يزيد على 15 ساعة متواصلة.

استعباد موصوف
يضيف أن بعض أصحاب مراكز التزيين يستعبدون العاملات، حيث تعمل غالبيتهن حسب الحاجة دون تحديد ساعات العمل ولكن مع تحديد مواعيد الحضور الصارمة. وقد يضطر العاملون إلى المبيت في المركز خلال المواسم والأعياد ثلاثة وأربعة أيام دون مقابل يذكر.

ومن يرفض فالشارع أمامه دون أن يستطيع أن يحصل على حقوقه، خاصة وأن الغالبية
العظمى من أصحاب صالونات التجميل يعرفون بعضهم بعضاً، وإذا طالب عامل أو عاملة بحقهم يستبعدون من السوق على الفور، ويتم التعامل معهم باعتبارهم يثيرون الشغب.

ويشرح أن هناك بعض الزبائن وكذا أصحاب العمل، يتعامل بطريقة مهينة مع العمال في الصالونات، دون أية أسباب سوى التعالي والرغبة في الإهانة، وغالباً ما لا يجد العمال من يدافع عنهم في هذه الحالات. وما يزيد من حدة الأزمة أن أصحاب الصالونات يرفعون دائماً شعار "الزبون دائماً على حق".

بدورها، تقول رحاب، وهي عاملة في أحد مراكز التجميل في القاهرة، إن راتبها لا يزيد على ألف جنيه (112 دولاراً) "ونعتمد على البقشيش من الزبائن. كما أنه لا توجد لدينا نقابة أو أحد يحمينا".
وتشرح: "المجتمع ينظر إلينا نظرة سيئة للغاية، خطيبي تركني بعدما تخرجت من الجامعة، ولم أجد عملاً فاتجهت للعمل في التزيين، حيث وجدت أن المرتب أفضل من أجر مندوب المبيعات الذي لا يزيد على 350 جنيهاً في أفضل الأحوال. وبالرغم من كل ذلك صممت على الاستمرار في العمل".
تشير إلى أن كل ما تعرضت له من مضايقات في الشارع ومن الأهل لم يدفعها للتفكير في ترك مهنة الكوافير، لكن ما يدفعها أمور أخرى حسب قولها "إن أصحاب المحلات يسرقون تعبنا، ويأتون في نهاية الشهر ليدفعوا مرتباً أقل من المتفق عليها، ويبررون ذلك بالبقشيش الذي نحصل عليه من الزبائن. وذلك على الرغم من أنني أعمل من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة مساءً، وأضطر في أوقات كثيرة أن أبيت في المركز، خصوصاً خلال الأعياد ومن دون أي مقابل".

وتضيف: "أعرف جيداً أن أصحاب مراكز التجميل يستطيعون جمع مرتبي في أقل من يوم واحد، من دون أن يبذلوا أي مجهود، ما يزيد من غضبي حين يقررون الخصم من الراتب من دون أي مبرر".

وتتذكر زميلتها التي أصابها فيروس سي نتيجة عدوى من زبونة، وبعدما علم صاحب مركز التجميل قام بطردها من العمل،
 وتقول: "أعلم أنني غير مهمة بالنسبة لأصحاب محال التصفيف، لذا أحاول جاهدة أن أطلق مركزي الخاص يسندني عندما أتعرض إلى أي مشكلة في عملي الحالي". وتطالب بضرورة وجود نقابة حقيقية للعاملات والعمال في هذه المهنة في مصر تحمي حقوقهم وتدافع عنهم.

في المقابل، يقول أحد أعضاء اللجنة الفنية بالنقابة العامة لمصففي الشعر، وهي إحدى النقابات الرسمية التابعة للدولة، إن مهنة الكوافير مثلها مثل كافة المهن الأخرى في حاجة ملحة لفرض رقابة عليها من قبل الدولة "خاصة أنها كالمهن الطبية ذات المهارات العالية والتي تتطلب رقابة من أجهزة الدولة. لذا هناك ضرورة لأن يتم تنظيم إصدار التراخيص وغلق المحلات المخالفة للقواعد العامة والسلامة منعاً لانتشار الأمراض، بالإضافة لضرورة محاربة ظاهرة المصفف الصيني التي انتشرت في مصر خلال الفترة الماضية".

وعن حقوق العاملين بمهنة التصفيف، يقول: "إن هذه المهنة تعتبر من القطاعات التي تتمتع بأعلى المرتبات في مصر، بل وتعاني من نقص الأيدي العاملة بها".

ظاهرة "المصفّف الصيني" 
أما معاناة الرجال في مجال الصالونات فتختلف نسبياً، حيث تعتبر معاناة النساء أكثر بمراحل، وتتجسد معاناة هؤلاء في تزايد صالونات الحلاقة وقلة إقبال الرجال عليها مما يعني انخفاض الدخل. حيث تعتمد الغالبية العظمى من صالونات الرجال على منح العامل أجرة يومية وفقاً لعدد الزبائن وليس بمرتب ثابت،
 وهو ما يؤثر بشكل واضح على استقرار العمال من الرجال في هذا المجال. بالإضافة إلى أنه إذا توجه أحدهم للعمل في الصالونات النسائية فيتم رفضه من الغالبية العظمى من الزبائن بسبب انتشار موجة من التدين خلال الفترة الماضية. 

وبينما يعاني العاملون بصالونات التجميل من غياب مظلة نقابية وانخفاض الدخل وغياب الحقوق، انتشرت في الشارع المصري بعد الثورة ظاهرة "المصفف الصيني" الذي يتجول في الشوارع ويدخل المنازل ويتقاضى أسعاراً زهيدة، مقابل تصفيف الشعر. وتقول العاملة في أحد المراكز التجميلية هدير منير، إن هناك حالة من الفقر أصابت آلاف بل ملايين الأسر المصرية، فانخفض عدد الزبائن بصورة واضحة، واقتصرت الأعداد الكبيرة على فترات المواسم والأعياد والأعراس فقط. بينما تكتفي الغالبية العظمى من النساء بزيارة مرة واحدة في الشهر، مع تحديد الزيارات بالمناسبات الضرورية فقط. وهو الأمر الذي أثر سلباً على مرتبات العاملين بصالونات التجميل. 
بالإضافة لانتشار المصفف الصيني الذي يذهب للمنازل ويتقاضى ملاليم تكاد لا تذكر، وهو ما تقاطع مع رغبة الأسر المتوسطة في التقشف، والتي تعاني أصلاً من ارتفاع الأسعار في غالبية السلع والمنتجات. 
المساهمون