شعراء الكوكب الأزرق

26 مارس 2014
أمجد رسمي/ الأردن
+ الخط -


هل من شروط فتح حسابٍ على "فيسبوك" أن تكون شاعراً؟ وهل "فيسبوك" أصبح كوكب الشعراء الأزرق؟ هذه التساؤلات وغيرها يطرحها كثيرون، مُستنكرين استسهال بعض المتواجدين على موقع التواصل الاجتماعي الأدب عموماً، والشعر بشكلٍ خاص.

وظاهرة تحوّل القارئ إلى "شاعر" انتشرت فجأة وبسرعة. يدخلُ المُشترك على حسابات الشعراء الذين يحصدون عدداً لا بأس به من "اللايكات"، فيحلو له الأمر ويبدأ بكتابة كلامٍ مصفوف على هيئة "قصيدة حداثية"، بالكاد يكون خاطرةً "صبيانية"، مُعتقداً أنه شعر.

والغريب أنه مع مرور الوقت تتسع هذا الحسابات الشخصية ويكثر متابعوها، وقد تتحوّل لاحقاً إلى صفحات تحمل اسم: "صفحة الشاعر فلان الفلاني"، فيتسابق القرّاء ـ وكل منهم "مشروع شاعر" ـ إليها، ويكون الفائز بينهم أوّل من يضع "لايكاً" لها.

ولا مبالغة في وصف هذه المجانية المفرطة في التعامل مع الشعر بالمضحكة كونها باتت محطّ سخرية من قبل مقتنصي "إشراقاتها" الكوميدية.

ومن أبرز ما يفعله هؤلاء "الشعراء" هو مشاركتهم صور حياتهم الشخصية التي لا تعني أحداً، كصورة لواحدٍ منهم في البقالة مثلاً، يكتب عليها تعليقاً "شعرياً" درامياً من قبيل (ها أنا في السوق وحدي)، أو صورة لآخر وهو يتناول طعامه مُرتدياً ملابس النوم، وسط إضاءة خافتة، يرافقها تعليق له لا يخلو من "الشّعرنة"، يعبّر فيه عن المذاق الحار في طبقه، مُشبّهاً إيّاه بغياب حبيبته الوهمية عنه! فقد تجاوز صاحبنا الستين، وبالكاد ينال إعجاب زوجته.

وكدليل على اقتراب "الشاعر" من الطبيعة التي يستوحي منها نصوصه الرومانسية، نرى له صوراً يستلقي فيها على العُشب بين الزهور، مُغازلاً المساحات الخضراء التي منحته "الموهبة" بأبيات يستحضر فيها نساءً هجرنه، فيستبدلهنّ بالأشجار والورود.

وثمّة "شاعرات" أيضاً يكتبن مقاطع بالكاد تكتبها مراهقة في الصفّ السابع، لكنّهن يحصدن إعجاباتٍ لا تحصى. يكفي للواحدة منهنّ أن تضع لنفسها صورة تظهر مفاتنها، ليزدحم في صفحتها حشدٌ من الذّكور يصفقّون لها، وهم في الواقع يصفقّون لاستيهاماتهم، مع تعليقاتٍ ساذجة من قبيل: "دام حرفُكِ" و"ما أجمل قلمك" و"أنتِ حساسة ورقيقة يا فلانة".

وتقود هذه الظاهرة إلى التساؤل: هل أصبح الشعر سهلاً إلى هذه الدرجة؟ هل تحوّل من فنّ راقٍ وصعب إلى مجرّد ممارسة فيسبوكية استعراضية، أم ستبقى هذه الظاهرة على سطح "الكوكب الأزرق"، خارج مجرّة الشعر الحقيقية؟

قد يبدو من المُستهلك أن نقول إنّ الشعر الحقيقيّ يبقى، بينما سيذهب كل ذاك الزيف سُدى. لكن هذه هي الحقيقة. فيكفي أن يطفئ أحد هؤلاء "الشعراء" شاشته، أو يُغلق حسابه، كي ينساه الجميع، وتُنسى "روائعه".



دلالات
المساهمون