امتدت شظايا حرب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس لتطاول أسواق جيرانها، إذ أعرب مسؤولون تونسيون في تصريحات لـ"العربي الجديد" عن قلقهم من تهريب السلع الغذائية وغيرها من بلادهم إلى جارتها الجنوبية الشرقية ليبيا التي تشهد اضطرابات وصراعات مسلحة طوال الفترة الأخيرة.
وتتفادى السلطات التونسية هذه المخاطر، بتشديد الرقابة على المعابر الحدودية وترشيد التزويد في مدن الجنوب تحسبا لارتفاع الطلب على المنتجات التونسية.
وتسعى الهياكل الحكومية التونسية لضبط استراتيجية الإمدادات بالاعتماد على تلبية الطلب في مدن الجنوب، دون توفير عرض كبير من المنتجات الغذائية المصنعة والطازجة خوفا من استغلال المحتكرين لوفرة العرض والتخزين المفرط للغذاء استعدادا لتصديره للجارة الجنوبية مع احتدام الأزمة الليبية.
ويمثل توتر الوضع الأمني مناخا خصبا لتجّار الأزمات في مدن الجنوب التونسي، ممن ينتعش نشاطهم في زمن الأزمات برفع أسعار الغذاء وتجفيف السوق من كل المنتجات التي تجد طلباً من الليبيين.
محاربة المضاربين
تقوم مصالح وزارة التجارة التونسية بمدن الجنوب برصد يومي لمستوى الطلب على الغذاء لضمان انتظامية التزويد دون فسح المجال للمضاربين لتخزين كميات كبيرة من المواد الاستهلاكية القابلة للتصدير.
ويؤكد المدير الجهوي للتجارة بمحافظة مدنين الحدودية، توفيق الفرشيشي، أنه جرى اتفاق مع ديوان التجارة (ديوان حكومي يدير مخازن الغذاء) على ترشيد تزويد السوق ببعض المواد على غرار الأرز والسكر والقهوة والشاي بضخ حاجيات السوق على دفعات لقطع الطريق على المحتكرين.
وقال الفرشيشي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن مصالح التجارة متهيئة لأي زيادة في الطلب على الغذاء من الجانب الليبي، غير أنه لم يتم حتى الآن أي رصد لزيادة في الطلب على المنتجات التونسية اللي يطلبها الليبيون، غير أن رفع درجة اليقظة يبقى مطلوبا.
وأضاف المسؤول المحلي أن حركة عبور الليبيين لا تزال في مستويات مستقرة، مشيرا إلى أن ما بين 2500 و3000 ليبي يدخلون التراب التونسي يوميا.
وفي ما يخص انسياب السلع بين البلدين، أشار المصدر ذاته إلى أن بلاده تصدر يوميا ما بين 17 و20 طنا من السلع المختلفة نحو السوق الليبي، لافتا إلى أن مستويات التصدير لا تزال مستقرة رغم توتر الوضع الأمني وحالة الاستنفار على الحدود.
وذكر المسؤول المحلي للتجارة أنه يتم يوميا التنسيق مع مصالح الجمارك لكبح نزيف تهريب الغذاء خارج شبكات التصدير المنظمة، مشيرا إلى أن قيمة الصادرات التونسية نحو ليبيا تتراوح ما بين 1.5 و2 مليون دينار يوميا.
وتلقي الظروف الأمنية في طرابلس بظلالها على الاقتصاد التونسي وخاصة المناطق الحدودية التي تعد ليبيا رئتها الاقتصادية، وسط تشكيك في قدرة البلاد على مجابهة تدفق اللاجئين في حال تصاعد الحرب هناك.
التزود بالمواد الغذائية
تتزود ليبيا يوميا بقائمة من المواد الغذائية من تونس على غرار المعجنات ومعجون الطماطم والحليب ومشتقاته والحلويات واللحوم البيضاء فضلا عن مواد البناء. كما ينشط على الحدود، مئات صغار المهربين المتخصصين في تهريب البنزين والأجهزة الإلكترونية والكهربائية والسجائر من الجانب الليبي، مقابل تحويل سلع استهلاكية مدعومة منخفضة السعر.
وتعتبر مدينة وازن الليبية نقطة التقاء المهربين من الجانبين، حيث يتم إجراء الصفقات بتبادل السلع، وتوجد هناك صهاريج كبيرة أعدها السكان لتخزين الوقود بغرض نقله إلى التجار التونسيين على الجانب الآخر.
وبفضل صادرات الغذاء، كانت ليبيا قبل عام 2011 الشريك الاقتصادي الثاني لتونس، حيث وصل رقم المعاملات إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار، قبل أن يهبط إلى نحو 800 مليون دولار سنويا، وفق آخر بيانات رسمية. وفي مقابل قلق تونس من تهريب سلعها المدعمة، سبق أن أعلنت السلطات الليبية في مناسبات عدة خلال السنوات الأخيرة، انزعاجها من تهريب الوقود والعديد من السلع الأخرى.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، تم التوصل إلى اتفاق تونسي ليبي، لاعتماد آلية تقوم بمقتضاها ليبيا بتوريد النفط الخام إلى تونس مقابل تصدير السلع التونسية إلى طرابلس.
ذعر أسواق ليبيا
وتأتي هذه التطورات على وقع الذعر الذي تعيش فيه أسواق ليبيا بسبب التصعيد العسكري، ما دفع الأسر إلى تخزين المؤن خشية نقصها في الأسواق المحلية مع هلع المواطنين لشراء ما يمكن تخزينه.
المواطن الليبي، محمد الورشفاني، يقول لـ"العربي الجديد" إن البلاد في حالة حرب ولا يوجد خيار إلا تخزين المؤن. وهناك أعداد كبيرة من النازحين من مناطق مختلفة من طرابلس تزيد من الضغط على أسواق العاصمة.
وحسب الورشفاني "هناك من يخزن الغذاء وآخرون يقومون بتخزين البنزين واكتناز الدولار والذهب، مشيرا إلى استمرار حالة الهلع بالأسواق في ظل استمرار الحرب رغم بعض الآمال بوقفها الأسبوع المقبل".
وحثت تركيا وروسيا في بيان مشترك، أول من أمس، الأطراف المتحاربة في ليبيا على إعلان وقف لإطلاق النار اعتبارا من بعد غد الأحد، في وقت دارت اشتباكات بين الفصائل ووقعت غارات جوية في صراع يثير القلق ويستدرج المزيد من القوى الأجنبية إلى أتونه.
ومن جانبه، يؤكد المواطن، علي بن عيسى، الذي قدم من مدينة غريان (80 كلم شمال العاصمة)، أن أسعار مختلف السلع بدأت في الارتفاع، مضيفاً أنه حضر لطرابلس لأن معظم محلات الجملة تقوم بالبيع بالصكوك المصدقة وأنه قام بشراء سلع غذائية تكفيه لمدة ثلاثة أشهر.
ومن جانب آخر، يقف المواطن، علي ناجي، في طوابير طويلة أمام محطة البنزين لعدة ساعات قائلا لـ"العربي الجديد": أزمة البنزين مستمرة، وأسعى إلى الحصول على كميات منه رغم أنني قمت بتخزين أكثر من 1500 لتر بغرض استخدامها في تشغيل المولد الكهربائي وتموين السيارة، وكذلك أقوم بجزء منها لأن سعر لتر البنزين خارج المحطات ضعف سعره في المحطات. ويبلغ سعر لتر البنزين رسميا 0.15 دينار.
وأكد ناجي أنه يلجأ إلى بيع جزء من البنزين المخزن لديه بهدف مواجهة الظروف المعيشية المتردية وغلاء الأسعار، مشيرا إلى أنه نازح منذ مطلع شهر إبريل/ نيسان الماضي ويدفع شهرياً ألف دينار (الدولار = 1.4 دينار ليبي) للإيجار فقط وينفق على أسرة مكونة من 10 أشخاص.
وأكد تاجر الجملة في سوق الكريمية بطرابلس، فرحات المسلاتي، لـ"العربي الجديد" أن أسعار عدة سلع زادت منذ نهاية العام الماضي بنحو 7% عن سعرها قبل شهرين وتشمل الحليب والأرز وغيرهما فيما بقيت أسعار سلع أخرى مثل السكر ومعجون الطماطم والزيت على حالها دون تغيير.
ويؤكد المحلل الاقتصادي، أبو بكر الهادي، لـ"العربي الجديد" أن الأسواق مرتبطة بسعر الدولار في السوق الموازي ولذلك يتم رفع السعر لزيادة هامش الربح من قبل سماسرة الحروب.