تطايرت شظايا انفجار مرفأ بيروت لتمتد إلى الاقتصاد السوري المنهك. وكان من أبرز تداعيات الانفجار تدهور سعر صرف الليرة السورية التي تراجعت خلال أربعة أيام بنحو 300 ليرة مقابل الدولار، لتسجل أمس الأحد، نحو 2350 ليرة بدمشق وأكثر من 2400 ليرة في المناطق المحررة (شمال غربي سورية).
كما، بحسب الاقتصاديين، ستطاول تبعات خروج مرفأ بيروت، الذي يعد الرئة الاقتصادية الأهم لسورية، بواقع استمرار الحصار الاقتصادي، وفرة السلع والمنتجات بالأسواق السورية، وهو ما بدأ يلمسه السوريون منذ الآن، سواء لفقدان بعض السلع أو للارتفاع العام بأسعار المواد المستوردة.
ويصف الاقتصادي السوري، علي الشامي، الوضع بـ"المأساة" لأن احتياجات سورية من السلع الاستهلاكية والمواد الأولية الداخلة بالإنتاج الصناعي والدوائي، كانت معظمها تأتي سورية عبر لبنان ومرفأ بيروت تحديداً، لأن الموانئ السورية وفضلاً عن الحصار، خرجت معظمها عن سيطرة النظام، بواقع السيطرة الجزئية لإيران على مرفأ اللاذقية وسيطرة الروس على مرفأ طرطوس. وقال الشامي: "حتى القمح إلى سورية، كان معظمه يأتي عبر مرفأ بيروت".
وحول البدائل أمام النظام السوري، أكد الشامي عبر اتصال من دمشق لـ"العربي الجديد" أنه لجهة ما يروّج عن ميناء طرابلس، فهو لا يفي بالغرض، سواء للسعة أو لعمق المياه، كما أن الاستيراد مباشرة إلى الموانئ السورية، سيصطدم بالعقوبات الأميركية والغربية، ما يعني أن الحل الوحيد ولبعض المواد، ربما عبر مطار رفيق الحريري ببيروت (الذي يسيطر عليه حزب الله) لكن كلف الاستيراد ستزيد من الأسعار وبالتالي أعباء إضافية على المستهلك السوري.
ويلفت الاقتصادي السوري إلى أثر أزمة المصارف اللبنانية سابقاً، لأن معظم اعتمادات الاستيراد لسورية، كانت تتم من لبنان من خلال المصارف وعبر مرفأ بيروت.
وكانت بعض السلع قد سجلت ارتفاعاً بالسوق السورية خلال الأيام الخمسة الماضية، إذ قفز سعر كيلو الأرز الإسباني من 2100 إلى 2300 ليرة سورية وبلغ سعر كيلو السكر 1300 ليرة.
كما تأثرت، بحسب مصادر خاصة من دمشق، أسعار الدواء والمعقمات بشكل كبير خلال الأيام الماضية، ففضلاً عن فقدان الأدوية من الصيدليات "بما فيها المسكنات" زادت الأسعار بأكثر من 600% لأدوية الأمراض المزمنة ووصل سعر ليتر الكحول نحو 9 آلاف ليرة سورية.
ويعاني السوريون أصلاً، من ظروف معيشية خانقة، ازدادت خلال العام الجاري بعد أن تراجعت الليرة السورية مقابل الدولار، من نحو 915 ليرة مطلع العام إلى نحو 2400 ليرة حاليا، وارتفعت أسعار السلع بأكثر من 40%، مع تثبيت الأجور عند متوسط 50 ألف ليرة وزيادة تكاليف المعيشة للأسرة عن 450 ألف ليرة، بحسب مراكز اقتصادية من دمشق.
ويقول الاقتصادي، سليمان موصلي: سيكون الأثر النفسي لانفجار ميناء بيروت، أكبر في الشارع السوري من الأثر الاقتصادي الفعلي، لجهة محاولات استغلال الكثير من التجار والباعة الحدث من أجل رفع أسعار السلع في السوق المحلية.
وطالب الاقتصادي السوري خلال تصريحات صحافية أمس، الجهة المختصة بالاستيراد والتصدير توضيح مدى الاعتماد على ميناء بيروت لتفويت الفرصة على من يود استغلال الحدث، وممارسة احتكار المواد، والتلاعب بأسعارها، متوقعاً أن يتم البحث عن بدائل تجارية لميناء بيروت والتحول إلى موانئ بديلة في لبنان أو سورية، ريثما تتم أعمال الترحيل وإعادة البناء والتعمير لمرفأ بيروت.
ومن جهتها، تقول وزيرة الاقتصاد السورية السابقة، لمياء عاصي: إن الاقتصاد السوري سيتأثر حتما بكارثة مرفأ بيروت، كما تأثر فوراً لأن جزءاً من البضائع بالمرفأ، كانت تعود للسوريين وضاعت جراء التفجير.
وتضيف الوزيرة السابقة في تصريحات إعلامية، سيتأثر الاقتصاد السوري بشكل مضاعف لأنه يخضع سلفا لحصار جائر وعقوبات اقتصادية آخرها "قانون قيصر"، الذي يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعاون مع سورية، ومن خلال هذا المرفأ الحيوي كان يمكن استيراد البضائع إلى لبنان وإعادة تصديرها برا إلى سورية، فكان بمثابة الرئة في ظل حصار خانق، على حسب تعبيرها.
وبرأي مراقبين، يعتبر لبنان الذي يسيطر على معابره الجوية والبرية، حزب الله حليف نظام بشار الأسد، المنفذ الوحيد للنظام السوري، بواقع الحصار المفروض وشبه إغلاق للمنافد البرية مع العراق وأقل مع الأردن وبشكل كامل مع تركيا.
وحسب بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة الأسد، فقد تراجعت مستوردات سورية خلال العام الماضي بنسبة 18% مقارنة بعام 2018. مسجلة 5.2 مليارات يورو بانخفاض قدره 1.1 مليار يورو عن عام 2018.
ويعود تراجع المستوردات برأي خبراء، لتشديد الحصار والعقوبات على سورية منذ مطلع عام 2019 وعرقلته تأمين احتياجات السوق. فضلاً عن وقف نظام الأسد تمويل التجارة الخارجية بدولار التصدير المنخفض ومن ثم رفعه من 700 إلى 1250 ليرة، وتقليص منح إجازات الاستيراد التي تراجع عددها بنسبة 77% مقارنة بعام 2016.
ويقول الأكاديمي السوري، عبد الناصر الجاسم، يمكننا اعتبار لبنان كلمة سر استمرار الاقتصاد السوري على قيد الحياة، بعد الحصار والعقوبات وسياسة نظام الأسد بالتفقير التي انعكست على حجم ونوع الإنتاج والصادرات قبل أن تنعكس على مستوى معيشة السوريين.
وفي التفاصيل، يضيف أستاذ الاقتصاد الجاسم لـ"العربي الجديد" رغم التراجع الجزئي خلال العامين الأخيرين، إلا أن لبنان يموّل المستوردات السورية مقابل عمولات، وتدخل البضائع إلى سورية عبر الاعتمادات التي تفتح من لبنان ومصارفه وتصل لمرفأ بيروت أو المطار، ومن ثم تدخل براً إلى سورية.
ويتابع الجاسم: ليس من المبالغة، إن قلنا إن لبنان كان رئة نظام الأسد الاقتصادية، فلجهة الإيداعات السورية فهي تزيد عن 30 مليار دولار وفق أدنى التوقعات (من دون إيداعات مصارف وشركات تأمين) ورغم ما تأثرت به جراء الأزمة المصرفية، إلا أنها زادت العام الماضي بعد رفع المركزي اللبناني الفائدة على الودائع.