شروط مبكرة تواجه مشاورات اليمن

07 ديسمبر 2018
أكد غريفيث عدم وجود اتفاق حول كيفية العمل(فرانس برس)
+ الخط -
للمرة الأولى، منذ أكثر من عامين، جلس وفدا طرفي الأزمة اليمنية أمس الخميس على طاولة متقابلة، في قلعة يوهانسبرغ في مدينة ريمبو السويدية، حيث انطلقت مشاورات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في ظل آمالٍ وُصفت بـ"الواقعية" والمحدودة عبّر عنها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، في مؤتمره الصحافي الافتتاحي، قبل أن يعقد اجتماعين منفصلين مع رؤساء الوفدين ونائبيهما للبدء بمناقشة جدول الأعمال.

غريفيث، الذي تمكّن عقب ما يزيد على ثمانية أشهر على تعيينه، من إعادة الطرفين إلى طاولة المحادثات، حرص على التأكيد أمس أنه لا يريد المبالغة في تفاؤله، لكنه يريد رفع مستوى الطموحات من نتائج الجولة الجديدة، التي أصر على أنها "مشاورات وأن المفاوضات لم تبدأ بعد". ومرد ذلك إدراكه صعوبة ما ينتظر المشاورات، على الرغم من أن القضايا الإنسانية لا السياسية أو الأمنية ستكون في صدارتها. واقعية غريفيث دفعته أيضاً إلى التأكيد أنه "في الوقت الحالي ليس هناك أي اتفاق بشأن كيفية العمل، وهناك عدد من القضايا ونريد أن نرى الطرفين يتعاملان معاً سواء بصورة مباشرة أو عبرنا، وأود أن أرى تناغماً خلال الأيام المقبلة"، لكن ذلك لم يمنعه من التأكيد أن "هناك توافقاً شاملاً على حل الأزمة في اليمن وبإمكاننا تحقيق ذلك إذا كانت هناك إرادة".

وكانت تحديات العملية التشاورية بدأت تظهر منذ مساء أول من أمس. أحد المصادر المتواجد في مقر المفاوضات ذهب بعيداً في تشاؤمه، قائلاً إن المشاورات "فشلت قبل انطلاقها"، على اعتبار أن الحوثيين بدأوا يسربون شروطهم، والتي تتضمن إلغاء المرجعيات الثلاث أي المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، فضلاً عن قرار مجلس الأمن رقم 2216، وإبقاء ميناء الحديدة تحت مراقبة الأمم المتحدة، فضلاً عن تصميم على فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات المدنية، وتشكيل حكومة جديدة نصفها للحوثيين والنصف الآخر للشرعية.

وبالفعل لم تمض سوى ساعات حتى بدأت التصريحات العلنية لكلا الطرفين تظهر وجود شروط متبادلة تُعقّد المحادثات، قبل أن يضمّن المبعوث الأممي إلى اليمن في مؤتمره الصحافي أمس إشارات واضحة إلى صعوبة الجولة.
وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني الذي يرأس وفد الشرعية إلى المحادثات، شدد رداً على أسئلة لوكالة "فرانس برس"، على "ضرورة انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة غرب اليمن ومينائها الرئيسي، وتسليمها إلى الحكومة الشرعية وبالذات إلى القوات التابعة للأمن الداخلي".
أما رئيس ما يسمى بـ"اللجنة الثورية" التابعة للحوثيين، محمد علي الحوثي، والذي عادة ما يوجه رسائل في أوقات سياسية حاسمة، كتب في تغريدة على موقع "تويتر"، أنه "إذا لم يتم فتح مطار العاصمة اليمنية للشعب اليمني في مشاورات جولة السويد، فأدعو المجلس السياسي والحكومة إلى إغلاق المطار أمام جميع الطيران". وتابع "يتحمل مسؤولو الأمم وغيرهم الوصول إلى صنعاء كما يصل المرضى والمسافرون اليمنيون الذين يحتاجون كما قيل لي، إلى ما يقارب خمس عشرة ساعة حتى يصلوا براً".

وفي ظل هذه الأجواء، عُقدت الجلسة الافتتاحية للمحادثات أمس الخميس بعد تأخير إثر احتجاج الوفد الحكومي على تواجد عدد أكبر من ممثلي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائهم من حزب "المؤتمر الشعبي العام" بشقه الخاضع لسلطة الجماعة، قبل أن ينجح المبعوث الأممي باستبعاد العدد الإضافي من الموفدين عن الحوثيين، ليعلن انطلاق المحادثات إلى جانب وزيرة الخارجية السويدية، مارغورت فالستروم، والتي شددت على أهمية وقف الكارثة في اليمن، معبرة عن آمالها في أن تكون المباحثات التي تحتضنها بلدها "خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح".

واقتصرت الكلمات في الجلسة الافتتاحية على المبعوث الأممي والوزيرة السويدية، بعدما كان من المتوقع، أن يلقي رئيسا الوفدين، وهما وزير الخارجية خالد اليماني عن الوفد الحكومي، والمتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، كلمتين في الافتتاح، كما جرت العادة على الأقل في آخر جولة مفاوضات استضافتها الكويت في الفترة بين إبريل/نيسان وحتى أغسطس/آب من العام 2018.

وأظهرت ملابسات الافتتاح، ما اعتبره محللون محدودية في سقف الآمال، إذ لم يشر غريفيث إلى أن المشاورات المنعقدة، والتي يفترض أن تستمر لأسبوع على أقل تقدير، يؤمل منها التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، بقدر ما استبدل ذلك بعبارات واقعية إلى حدٍ ما، بالحديث عن تأمين مستوى خفض العنف. كما أن الطرفين لن يجلسا على طاولة مشاورات في غرفة واحدة طوال المحادثات الأيام المقبلة، بقدر ما سيتفاوض المبعوث الأممي مع كل فريق في غرفة منفصلة.

ومما قاله غريفيث "لم أقل إنني متفائل ولكن يحدوني الطموح أن تحقق الأطراف شيئاً لأبناء اليمن، الأمر يتعلق بالأطراف اليمنية نفسها"، مشيراً إلى أن المفاوضات اليمنية تجري في سياق معقد جداً بمشاركة سفراء من الدول المختلفة. ودعا إلى الوصول لحل شامل ينهي الحرب في اليمن مما يستدعي ضرورة تهدئة الوضع من أجل تحقيق هذا الهدف. كما تحدث عن أن المجتمع الدولي "موحّد" في دعمه لإيجاد تسوية للصراع اليمني. كذلك حرص غريفيث على الإشارة إلى أن القرارات الأممية فاعلة والقرار 2216 لا زال صالحاً، في رد غير مباشر على ما يبدو على حديث الحوثيين عن المرجعيات الثلاث.

كما أعلن غريفيث خلال الافتتاح، توقيع الطرفين على اتفاق لتبادل الأسرى والمعتقلين، وهو الملف الذي يأتي على رأس أولويات إجراءات "بناء الثقة". غير أن التوقيع بشأنه، بدأ عملياً منذ أيام، وفقاً لما أعلنه مسؤولون من الحكومة وآخرون من الحوثيين، ومع ذلك، فإن تنفيذ الاتفاق، يتطلب آلية سيتم التفاوض حولها خلال الأيام القليلة المقبلة، إذ يشمل التبادل كامل المعتقلين والأسرى من الطرفين، ويحتفظ الحوثيون بالعدد الأكبر من المعتقلين السياسيين من المقرر أن تشملهم عملية التبادل.

ولخّص المبعوث الأممي الطموحات التي يسعى إلى تحقيقها في السويد بثلاثة عناوين تشمل مناقشة أطر مشاورات السلام والمضي قدماً في إجراءات "بناء الثقة"، التي تشمل تبادل الأسرى وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات المدنية الذي أكد أنه يوجد لدى الأمم المتحدة مقترح بشأنه، والملف الاقتصادي المرتبط بمقترحات حول توحيد عمل المصرف المركزي اليمني المنقسم حالياً بين الحكومة المعترف بها دولياً في عدن وحكومة الحوثيين في صنعاء، بما يسمح بصرف مرتبات موظفي القطاع العام. أما الهدف الثالث، فهو تأمين خفض مستوى العنف، بعد أن تراجعت وتيرة العمليات العسكرية في الأسابيع الماضية.


ورفض غريفيث الاتهامات الموجّهة للأمم المتحدة بالسعي لإنقاذ الحوثيين من خلال ممارسة الضغوط لوقف الحملة العسكرية في الحديدة، مؤكداً في السياق أن ما تسعى إليه المنظمة الدولية هو ضمان استمرار عمل ميناء الحديدة، الذي يُعد شريان وصول المساعدات الإنسانية والواردات التجارية إلى غالبية اليمنيين، مبدياً في الوقت ذاته، رغبة الأمم المتحدة في أداء دورٍ رئيسيٍ في الميناء، إذا ما وافق طرفا المفاوضات على ذلك، في ظل الموقف الحكومي المتمسك بضرورة تسليم الميناء للقوات الحكومية المدعومة من التحالف ورفض المبادرات التي يطرحها الحوثيون بتسليم الميناء لإشراف الأمم المتحدة.

وفيما شدد غريفيث على أن مستقبل اليمن في أيدي اليمنيين المشاركين في المفاوضات، قال رئيس الوفد الحكومي المفاوض، خالد اليماني، إن جولة المشاورات في السويد "لم تكن لتتم من دون تعاون الحكومة وجهود المبعوث لتجاوز الشروط التعجيزية والعقبات التي وضعها الانقلابيون"، وتابع على حسابه في "تويتر" أن آخر تلك العقبات كان "مخالفة تشكيلة الوفد والتي عالجها المبعوث بإخراج العناصر المخالفة قبل الافتتاح"، وكان الاتفاق مبنياً على أساس حضور 12 موفداً من كل فريق، بالإضافة إلى خمسة فنيين، وهو ما خالفه الحوثيون.

إلى جانب ذلك، جعل الفريق الأممي الباب مفتوحاً أمام فترة انعقاد المشاورات، ولم يحدد سلفاً سقفاً زمنياً، وإن كانت مصادر أممية تحدثت عن مدة أسبوع. والهدف من ذلك على ما يبدو أن يحدد مصير المشاورات بناء على ما يتحقق من اختراقات على طريق العودة إلى المسار السياسي، على أن الهوة بين رؤية كلا الوفدين، لا تزال كبيرة، سواء على صعيد الحلول المفترضة أو في ترتيبات المشاورات وأولويات المواضيع المطروحة على طاولة التفاوض ذاتها.

وبحسب معلومات خاصة بـ"العربي الجديد"، فإن وزير الخارجية السويدي الأسبق، كارل بيلدت، وهو من أكثر الدبلوماسيين العارفين بالأزمة اليمنية في بلده، "منخرط بشكل كبير وشخصي في محاولة لتعزيز فرص خروج اليمنيين بقاعدة إيجابية للانطلاق نحو تطبيق مبادرات السلام المتفق عليها سابقاً في المنطقة، ومنها المبادرة الخليجية والقرارات الأممية".
كما تحدثت مصادر لـ"غرفة أخبار مشاورات السلام اليمنية" المخصصة لمتابعة المحادثات، أن العمل جارٍ لتقسيم المتفاوضين من طرفي الحكومة الشرعية والحوثيين إلى مجموعات عمل لبحث ملفات محددة. وأوضحت المصادر أن المجموعات ستشمل مجموعة لبحث إعادة توحيد البنك المركزي اليمني، مجموعة لبحث التهدئة المحلية ووقف التصعيد بين طرفي النزاع، إضافة إلى مجموعة لبحث إعادة الأمل بفتح مطار صنعاء الدولي، ومجموعة ستناقش ملف مدينة وميناء الحديدة، إلى جانب بحث ملف الأسرى.

الجدير بالذكر، أن التقدّم المحرز الأيام الماضية، بالتوقيع على اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، يظل مهدداً ومرتبطاً بملفات أخرى يطرحها الطرفان على طاولة المفاوضات، إذ يشدد الحوثيون على أهمية الوصول إلى اتفاق شامل للجوانب السياسية والأمنية، في الوقت الذي يركز فيه الجانب الحكومي على المضي في إجراءات "بناء الثقة". وتمثّل الحديدة، في السياق، إحدى أبرز العقبات، التي يمكن بتجاوزها تحقيق اختراق محوري خلال المشاورات.

ورأى الناشط اليمني محمد سمعان، المتواجد في استوكهولم، أن "المراهنة على نتائج كبيرة ليست في محلها". واعتبر سمعان في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الطرفين يبدوان "متمترسين خلف ما يعتبران أنها إنجازات حققها كل طرف، فيما اليمن نفسه هو الذي دفع الثمن بملايين شعبه وآلاف القتلى والجرحى وانهيار شبه تام للبلد".
من جهته، قال الصحافي اليمني عيسى الرهيجي، لـ"العربي الجديد"، إنه غير متفائل بالمباحثات، معتبراً أن "حظوظ نجاح هذه الجولة لا تتجاوز 50 في المائة". وعلى الرغم من ذلك يبقى أمل الرهيجي "في أن تستطيع الأمم المتحدة فرض السلام في اليمن".
في المقابل، هناك من يعوّل على المباحثات. وقالت الصحافية والناشطة الحقوقية اليمنية القادمة من الحديدة، منال قايد، إن مشاعر اليمنيين كانت "وكأننا وحدنا فيما العالم لا يكترث إن قُتل 10 أو 100 يومياً، أطفالاً كانوا أم كباراً"، مضيفة "الناس في اليمن تكره الحرب، فالجوع والكوليرا ينتشران". واعتبرت قايد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن انطلاق المباحثات "فرصة أخيرة للوصول إلى السلام ووقف الحرب".