تتسارع التطورات في اليمن، إذ يتواصل انهيار مليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، في أكثر من مدينة بالتزامن مع صعود متزايد لـ"المقاومة الشعبية"، فيما لا يزال الغموض يلف نتائج المحادثات السياسية التي يجريها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مع الحوثيين وحزب الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، في سلطنة عمان، والتي من المقرر أن يقدم نتائجها في جلسة خاصة لمجلس الأمن خلال الأيام المقبلة.
لكن مواقف الأطراف اليمنية المعنية، سواء المتواجدة في الرياض أو في صنعاء، تشير بوضوح إلى أن التسوية السياسية المنتظرة لم تنضج بعد بما يتيح تحولها إلى اتفاق، في حين بدأت مواقف الحوثيين تحمل تراجعاً يعيدهم إلى مرحلة توقيع "اتفاق السلم والشراكة" الذي فرضوه في 21 سبتمبر/أيلول الماضي عقب اجتياحهم العاصمة صنعاء، في انعكاس واضح لتأثير تراجعهم الميداني على عكس قوى الشرعية التي تتمسك بشروطها.
وأكد الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أمس الإثنين، أنّ "الحكومة اليمنية لا تعنيها أية حوارات أو محادثات تتم في أية دولة كانت، ما لم تمارس الضغط على المليشيات الحوثية والمخلوع، علي عبدالله صالح، الانقلابية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216".
كما شدد هادي، خلال اجتماع استثنائي لمستشاريه في مقر إقامته في الرياض، على أن "الحكومة اليمنية تقف دوماً مع كل الخطوات الهادفة إلى تحقيق تطلعات الشعب اليمني في السلام والأمن والاستقرار، ومرتكز هذا التوجه هو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216". وحضر اللقاء للمرة الأولى المستشارون الثلاثة الجدد، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق، حيدر أبو بكر العطاس، المحسوب على الحراك الجنوبي، وتحديداً ما يعرف بتيار القاهرة، الذي ينادي بفدرالية بين شمال وجنوب، محددة بفترة زمنية يعقبها حق تقرير المصير للجنوب.
وفي موازاة ذلك، بدا لافتاً في الأيام الأخيرة تراجع خطاب الحوثيين المحمل بالتهديدات إلى حد كبير، وعزوفهم عن تبرير الهزائم الميدانية إلى الحديث عن التسوية السياسية المحتملة. ولم يبد الحوثيون إصراراً على السيطرة على المحافظات كما كان في السابق. وهو ما عكسه تأكيد عضو المجلس السياسي في جماعة الحوثيين، محمد البخيتي، لوكالة "سبوتنيك" الإخبارية الروسية، استعداد الجماعة "للانسحاب من المدن" التي تسيطر عليها وتسليم أسلحتها و"لكن في إطار مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الذي تم توقعيه في سبتمبر/ أيلول 2014".
ورداً على سؤاله حول القبول بما تطرحه الرياض، "التي تتحدث عن دور سياسي لأنصار الله في اليمن شرط تسليم السلاح والانسحاب"، قال البخيتي إنه "بخصوص الانسحاب من المدن هذا شيء لا خلاف عليه… مخرجات الحوار الوطني وكذلك اتفاق السلم والشراكة يؤكد على قضية تسليم جميع المناطق لسلطة الدولة بما في ذلك محافظة صعدة، ولا خلاف على ذلك، لكن في المقابل ينبغي استيعاب أنصار الله في كل مؤسسات الدولة". واتهم البخيتي "سلطة هادي (بأنها) لم تقبل استيعاب أنصار الله في مؤسسات الدولة، نتيجة للضغوط الأميركية والسعودية عليها.. بالتالي تعطل تنفيذ الشق الآخر من الاتفاق، وهو الانسحاب من مختلف المدن وتسليمها لسلطة الدولة".
ويواجه الحوثيون في الأيام الأخيرة هزائم متتالية بعدما اتسعت المقاومة، التي تتصدى لهم، لتصبح ممتدة من مختلف مناطق الجنوب الرئيسية إلى مناطق الشمال.
وتقترب قوات الشرعية، المؤلفة من الجيش و"المقاومة الشعبية"، من السيطرة على محافظة أبين الجنوبية، فيما بدأت معارك محافظة البيضاء تشتد. كما بدأت طبول الحرب على أبواب ذمار الشرقية والجنوبية، فضلاً عن توالي انسحاب الحوثيين من مديريات محافظة إب.
وتقول مصادر "المقاومة" لـ"العربي الجديد" إن "المقاومة إلى جانب الجيش الموالي للشرعية، وبدعم من طائرات التحالف العربي، اقتربت من إنهاء السيطرة على محافظة أبين، بعد السيطرة على منطقة امعين وما تبقى من المنطقة الوسطى وشقرة، وسط انهيارات مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح وهروبها شمالاً في اتجاه محافظة البيضاء". وأكدت المصادر أنّ "الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة في أبين، ولا سيما في ظل غطاء جوي واسع من طائرات التحالف العربي، والبوارج الحربية من البحر".
اقرأ أيضاً: المقاومة تواصل سيطرتها في إب و"الحوثيون" يردون بالاعتقالات
بدوره، يوضح مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" أنّ "قوات الشرعية في أبين تتجه نحو مديرية احور شرق أبين في الطريق الى محافظة شبوة"، فيما أفادت مصادر في "المقاومة الشعبية" في محافظة أبين بأنّ نائب رئيس البرلمان اليمني، محمد علي الشدادي، إلى جانب عدد من مرافقيه، أصيبوا بجروح بعد تعرضهم لكمين من المليشيات أثناء تقدمهم مع قوات "المقاومة" في إحدى جبهات المحافظة. ويتحدر الشدادي من محافظة أبين وهو عضو مجلس النواب عن الدائرة 117 فيها منذ عام 2008، وعُرف في الأعوام الأخيرة بوقوفه إلى جانب هادي إلى جانب وزير الداخلية الأسبق، محمد حسين عرب.
وتمثل أبين المدخل الشرقي لعدن. كما أنها، إلى جانب محافظة لحج (شمال عدن)، أبرز محافظتين من شأن السيطرة عليهما تأمين عدن، التي من المتوقع أن تعود الحكومة تدريجياً إليها. وعاشت وضعا خاصة بسبب وقوف الرئيس الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد، إلى صف الحوثيين.
في غضون ذلك، بدأت عمليات تحرير ما تبقى من محافظة البيضاء، بعد تمكن "المقاومة" من طرد مليشيات الحوثيين والمخلوع، من مناطق الزاهر وقيفة، فضلاً عن اقتحام أطراف مدينة البيضاء (مركز المحافظة)، بما يمهد للوصول إلى مدينة ردع المحاذية لمحافظة ذمار. وتعد البيضاء بوابة ذمار الشرقية، فيما تعتبر ذمار المعقل الثاني للمليشيات، وأول محافظة حاضنة للحوثيين وقوات الرئيس المخلوع تقترب منها الحرب، ولا سيما بعد انتصارات "المقاومة" في محافظة إب والتي سيطر مسلحوها على مراكز مديريات عدة، بينها الرضمة وبعدان والقفر، فضلاً عن تهديد تواجد المليشيات في مدينة يريم.
ولم تشهد أغلب المناطق الشمالية التي تحركت فيها "المقاومة" مواجهات مسلحة بقدر ما شهدت انسحاباً بالتفاوض، أو انهياراً للتواجد المحدود للحوثيين في هذه المديريات ذات الكثافة السكانية، مع وجود مواجهات في مناطق معدودة.
وتكتسب مدينة يريم، التابعة لمحافظة إب، أهمية استراتيجية كونها بوابة ذمار الجنوبية، فضلاً عن أن السيطرة عليها تفضي إلى قطع وصول التعزيزات للمليشيات في كل من الضالع وتعز وإب نفسها. واقتراب "المقاومة" من أبواب ذمار الجنوبية والشرقية فضلاً عن تواجد مقاومة في داخل ذمار نفسها، يشير إلى أن المعارك تتجه إلى معاقل المليشيات لأول مرة منذ اندلاع الحرب الحالية بعد سيطرة الحوثيين والمخلوع على صنعاء وفرض الانقلاب. كما أن السيطرة على يريم تساعد على تأمين محافظة الضالع، وصولاً إلى تأمين الخط الرئيسي المعروف بخط صنعاء ـ عدن.
وفي مؤشر على مخاوف المليشيات من تفجر الوضع حتى داخل صنعاء، واصل الحوثيون وحلفاؤهم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة في صنعاء، فضلاً عن استمرار حملة الاعتقالات، التي تركزت ضد ناشطي وقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح. واقتحمت المليشيات، أمس الإثنين، منزل رئيس حزب الإصلاح، محمد اليدومي (المتواجد في الرياض)، واعتقلت شقيقه واثنين من أبنائه، وحراس منزله. كما اقتحمت منزل القاضي، فؤاد الحسيني، واعتقلته مع أقرباء له في صنعاء، فضلاً عن مداهمة منازل ناشطين آخرين، أغلبهم من حزب الإصلاح.
وتأتي هذه الحملة للمليشيات بعدما بدأت بعض بوادر التمرد في ضواحي العاصمة من خلال التوتر المتزايد في منطقة أرحب (شمال صنعاء)، والتي تعد من المناطق المعروفة بوجود نفوذ لحزب الإصلاح فيها. وتشهد المنطقة مواجهات بين "المقاومة الشعبية" والحوثيين، الذين حاولوا تنفيذ اعتقالات في إحدى قرى المنطقة، لكنهم واجهوا "مقاومة" مسلحة شديدة وفشلوا.
في غضون ذلك، تستمر عمليات تبادل الأسرى بين قوات الشرعية في عدن، بما في ذلك "المقاومة"، وبين المليشيات في صنعاء، فيما يؤدي الصليب الأحمر عمليات الوساطة. وكانت قد وصلت طائرة تابعة للصليب الأحمر إلى عدن، الأسبوع الماضي، وتم نقل سبعة أسرى من مليشيات الحوثيين والمخلوع إلى صنعاء، فيما عادت الطائرة نفسها أمس الإثنين لتقل سبعة أسرى جنوبيين من صنعاء إلى عدن. وتقول مصادر في "المقاومة" والمطار في عدن لـ"العربي الجديد" إن الأسرى الجنوبيين من المدنيين الذين كانت المليشيات قد اختطفتهم من مناطق خارج نطاق المواجهات.
إلى ذلك تستمر عودة وزراء حكومة الشرعية إلى عدن، بعد وصول طائرة تقل وزراء النقل والاتصالات والسياحة والعدل والمياه. كما وصلت طائرتا آباتشي إلى مطار عدن، ضمن تعزيز الدفاعات العسكرية والأمنية في المدينة والمشاركة في المعارك على الجبهات. كما وصلت طائرة عسكرية سعودية إلى المطار تحمل مساعدات.
اقرأ أيضاً: استمرار اختطاف الحوثيين قياداتِ من الإصلاح والإفراج عن النساء