بعد توقف معظم جبهات القتال بين قوات النظام السوري والمعارضة، نتيجة اتفاقات وقف النار التي تمت برعاية دولية، وعلى الرغم من خروقات النظام المتكررة لها، تتركز المعارك في سورية حالياً في وسط البلاد وشرقها، ويبدو كأنها تدور أساساً ضد السوريين المدنيين أكثر مما هي ضد تنظيم "داعش" الذي لا يزال يقاوم هجمات القوات الكردية في مدينة الرقة. كما تمكن من شن هجمات معاكسة ضد قوات النظام في الجنوب الشرقي للمدينة واستعاد مناطق كان فقدها هناك. وفيما تواصل قوات النظام جهودها لإنهاء سيطرة "داعش" في مناطق شرق حماة حيث أطبقت الحصار على مواقعه، أعلنت "قوات سورية الديمقراطية" عزمها على مهاجمة مناطق سيطرة التنظيم في محافظة دير الزور قريباً. وإذا كانت التطورات الميدانية لا تبشر بعد بقرب موعد القضاء على "داعش" في الرقة، إلا أنها تستمر في حمل أنباء غير سارة للسكان المدنيين الذين تتعاظم معاناتهم جراء القصف ونقص الغذاء والخدمات، وهو الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من استمرار محنة المدنيين.
وطالبت الأمم المتحدة، يوم الخميس، بهدنة إنسانية لتأمين خروج المدنيين المحاصرين داخل مدينة الرقة، الواقعين بين نيران الأطراف المتقاتلة. ودعت "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة، إلى حصر ضرباته الجوية التي تتسبب بسقوط ضحايا مدنيين. وقال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، يان إيغلاند، للصحافيين في جنيف، إنه لا ينبغي مهاجمة المراكب في نهر الفرات، وتعريض الفارين لغارات جوية لدى خروجهم.
وكانت "منظمة العفو الدولية" حذرت من أن المدنيين في الرقة معرضون لأخطار كبيرة، مشيرةً إلى مقتل المئات منهم جراء الحملة العسكرية الحالية في المدينة المدعومة من "التحالف الدولي". ودعا تقرير للمنظمة كل أطراف الصراع إلى اتخاذ "الإجراءات الاحترازية الفعالة للحد من إلحاق الأذى بالمدنيين بما في ذلك الكف عن استخدام الأسلحة المتفجرة التي تترك أثراً كبيراً في المناطق المأهولة بالسكان إلى جانب وقف الهجمات غير المتناسبة ومن دون تمييز". وأكد التقرير أن تنظيم "داعش" يستخدم المدنيين داخل مدينة الرقة كدروع بشرية، ويستهدف من يحاولون الفرار بالقناصة والألغام. وشككت المنظمة بتقارير "التحالف" عن الخسائر في صفوف المدنيين، والتي قدرتها منظمات حقوقية بين 700 إلى 1000 مدني منذ بدء المعارك في المدينة. وحول الحملة التي تشنها قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها بدعم جوي روسي ضد "داعش" في ريف الرقة الجنوبي، تحدثت "العفو الدولية" عن استهدف مخيم للنازحين، واستخدام القنابل العنقودية المحرمة دولياً في الهجمات، داعيةً إلى زيادة المساعدات للمدنيين الفارين من الرقة.
وفي هذا الإطار، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في تقرير له حول الوضع الإنساني في مخيمي الحول والمبروك في الحسكة، شرقي سورية، أن حالة النازحين في المخيمين اللذين تشرف عليهما "الإدارة الذاتية" الكردية، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، مزرية وتتفاقم، وأن القيود البيروقراطية التي تفرضها "الإدارة الذاتية" على وصول المساعدات تحد من الاستجابة الإنسانية. وأكد التقرير أن الهاربين من الرقة يواجهون خطر التجنيد القسري في نقـاط التفتيش ومصادرة وثائق الهوية وتقييد الحركة في مخيمات النازحين، وفق ما ورد في تقرير غوتيريس.
وذكرت مصادر محلية أن قوات النظام السوري سيطرت على مواقع لتنظيم "داعش" في ريف حمص الشمالي الشرقي، ما أدى لمحاصرة التنظيم في منطقة تبلغ مساحتها ألفي كلم مربع. وأوضحت المصادر أن قوات النظام والمليشيات الموالية لها تقدمت من ريف الرقة الجنوبي وسيطرت على جبل الضاحك وخربة الطلاع ووادي أبو قلة، ما أتاح لها الالتقاء بالقوات الأخرى الموجودة في شمال مدينة السخنة، شرق حمص، كما سيطر النظام على بلدة جنى العلباوي والتلال المحيطة بها في ريف حماة الشرقي. وكانت قوات النظام سيطرت مطلع الشهر الحالي على مدينة السخنة في ريف تدمر الشمالي الشرقي، في إطار حملتها الرامية للوصول لمدينة دير الزور، شرق البلاد.
وأكد ناشطون أن اشتباكات عنيفة ومعارك كر وفر تدور بين الجانبين في عدة محاور بريف حماة الشرقي وسط قصف من جانب طائرات النظام والطائرات الروسية لقرى وبلدات المنطقة، مثل سوحا وأبو حبيلات والحردانة والمعضمية ووادي العظام وعكش وطهماز والقسطل وقليب الثور ومسعود والمكيمن وحمادة عمر وأبو حنايا، الواقعة في ناحية عقيربات والخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" في ريف حماة الشرقي.
وذكرت وكالة "أعماق" الناطقة باسم "داعش"، أن 20 عنصراً من قوات النظام ومليشيات إيران قتلوا وجرح عشرات آخرون، جراء هجوم معاكس لمقاتلي التنظيم على مواقعهم في منطقة وادي الوعر بالبادية السورية والتابعة إدارياً لريف حمص، قرب الحدود العراقية. وأكدت الوكالة أن المعارك أدت أيضاً إلى تدمير ثلاث آليات عسكرية، وراجمة صواريخ، وآليتين رباعيتي الدفع. كما ذكرت مواقع قريبة من "داعش" أن مقاتلي الأخير شنوا هجوماً مباغتاً على مواقع قوات النظام والمليشيات في ناحية بلدة السعن وقرية الشيخ بريف حماة الشرقي، ما أدى إلى مقتل 20 عنصراً من تلك القوات خلال استهداف التنظيم حواجز عسكرية على طريق أثريا - خناصر، الذي يصل مدينة حلب بالمحافظات الوسطى والساحلية والجنوبية، بأربع سيارات مفخخة.
كما استعاد "داعش"، الخميس الماضي، السيطرة على قرى جنوب شرق مدينة الرقة بعد معارك مع قوات النظام ومليشيات "مقاتلي العشائر" الموالية لها. وقال ناشطون محليون إن التنظيم استعاد قرى البوحمد، زور شمر، غانم العلي، العطشانة، الحويجة، والمقلة، جنوب شرق الرقة، تزامناً مع انسحاب عناصر قوات النظام من المنطقة الواصلة بين بلدة السبخة ومدينة معدان. وأكدت مواقع تابعة لـ"داعش" مقتل 42 عنصراً لقوات النظام خلال معارك السيطرة على تلك القرى، إضافةً إلى مقتل 58 آخرين في تفجير انتحاري بموقع لقوات النظام قرب قرية غانم العلي.
وأكدت صفحات موالية للنظام على موقع "فيسبوك" أن قوات النظام ومليشيات "مقاتلي العشائر" انسحبت من بعض النقاط شرقي الرقة، جراء هجوم لعناصر "داعش". من جهته، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنه وثق خلال الساعات الـ24 الماضية، مقتل أكثر من 34 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وأسر آخرين، أحدهم جرى ذبحه وفصل رأسه عن جسده، بينما استخدم آخرون "كأهداف حية" في سياق التمرينات لعناصر التنظيم الجدد. وأضاف "المرصد" أن التنظيم تمكن إثر الهجوم من استعادة السيطرة على المناطق الممتدة بين شرق بلدة غانم العلي وصولاً إلى منطقة السبخة، والتي مكنت التنظيم من توسيع نطاق سيطرته بحيث بات يسيطر على مسافة بطول حوالي 40 كيلومتراً، على الضفاف الجنوبية لنهر الفرات بريف الرقة الشرقي. وباتت قوات النظام التي كانت وصلت لأطراف مدينة معدان، آخر مدينة يسيطر عليها التنظيم في ريف الرقة، على مسافة تبعد نحو 30 كيلومتراً غربها. كما وثق "المرصد" مقتل ما لا يقل عن 12 عنصراً من تنظيم "داعش" خلال هذا الهجوم الذي يعد الأعنف عند ضفاف الفرات الجنوبية بالريف الشرقي للرقة. وعزا ناشطون أسباب انهيار قوات النظام في تلك المنطقة إلى سرعة تحرك مقاتلي "داعش" واتباعهم أساليب التمويه، واعتماد قوات النظام على شبان من أبناء العشائر في المنطقة ممن قامت بتجنيدهم قسراً، بعدما ألقت القبض عليهم وزجت بهم في القتال على الخطوط الأولى.
في غضون ذلك، أعلن مسؤول من "قوات سورية الديمقراطية" التي تهيمن عليها المليشيات الكردية، لوكالة "رويترز"، أمس الجمعة، أن هذه القوات ستبدأ هجوماً لطرد "داعش" من محافظة دير الزور قريباً جداً. وقال رئيس المجلس العسكري بدير الزور والذي يحارب ضمن "سورية الديمقراطية"، أحمد أبو خولة، إن الهجوم ربما يبدأ خلال عدة أسابيع بالتزامن مع معركة مدينة الرقة.
إنزال أميركي بدير الزور
وفي مدينة الرقة، ذكر موقع "فرات بوست" أن أكثر من 15 شخصاً قتلوا وأصيب العشرات جراء عشرات الغارات الجوية وقذائف المدفعية من قبل مليشيات "سورية الديمقراطية"، التي استهدفت أحياء مدينة الرقة خلال اليومين الماضيين. وتتواصل المعارك بين المليشيات الكردية ومقاتلي "داعش" داخل المدينة بوتيرة بطيئة بسبب تحصن مقاتلي التنظيم واستخدامهم المكثف للألغام والمفخخات، ما يدفع طيران "التحالف الدولي" والقوات المهاجمة إلى تكثيف القصف من بعيد، وهو الأمر الذي يدفع ثمنه المدنيون.
ومن جهة ثانية، تزداد الخلافات والانشقاقات داخل المجموعات التي تقاتل "داعش" في الرقة، خاصة بين المكونين العربي والكردي. وأكد ناشطون أن مئات العناصر من "قوات النخبة" التابعة لـ"تيار الغد السوري" بقيادة أحمد الجربا، انشقوا عنها وانضموا إلى "قوات سورية الديمقراطية". وتضم قوات النخبة التي تعمل تحت قيادة "التحالف الدولي"، مقاتلين من عشائر عربية في دير الزور والرقة، وهي كانت انسحبت من معركة الرقة بعد خلافات مع "سورية الديمقراطية".