منذ نهاية الأسبوع الماضي، وللمرّة الثانية خلال شهر واحد، يسيطر منخفض جويّ على بلدان شرق المتوسّط، يترافق مع أمطار غزيرة وثلوج ودرجات حرارة متدنية لا تشهدها عادة هذه الفترة من العام. هذه هي الحال كما رصدتها "العربي الجديد" في بعض المناطق من لبنان إلى الضفّة الغربيّة والقدس المحتلتَين.
لبنان
قطعت ثلوج العاصفة "تالاسا" التي تضرب لبنان، منذ نهاية الأسبوع الماضي، أكثر الطرقات الجبلية على ارتفاع 800 متر فوق سطح البحر، تاركة آثارها على العائلات اللبنانية الفقيرة واللاجئين السوريين في هذه المناطق. كذلك طاولت آثارها المناطق الساحلية التي تعطلت مرافئها البحرية بسبب الأمواج المرتفعة، في حين علّقت الدروس في المدارس وبعض فروع الجامعة الرسمية بالإضافة إلى إغلاق أبواب الحضانات.
ونظراً لظروف إقامتهم الصعبة في المخيمات العشوائية والمباني المهجورة، كان اللاجئون السوريون الأكثر تأثراً بالعاصفة الثلجية الثانية التي تضرب لبنان خلال شهر. وبعكس العاصفة السابقة التي مضت من دون ضحايا، سجّلت الأحد وفاة مُسنّة سورية، فيما أصيبت أخرى بتوعّك صحي "أثناء محاولتها الدخول خلسة إلى الأراضي اللبنانية"، بحسب ما أعلنت "الوكالة الوطنية للإعلام". وقد نقل الصليب الأحمر المُسنّتَين إلى أحد مستشفيات منطقة شتورا في البقاع (شرق لبنان) بعدما عثر عليهما عناصر من الجيش اللبناني.
وكانت مؤسسات الإغاثة الأممية والدولية والمحلية قد اختتمت مجموعة مشاريع إغاثة شتوية في محاولة لاستباق آثار العواصف على اللاجئين. وأعلن "الهلال الأحمر القطري عن إطلاق مشروع العزل الحراري في مخيّم البر في منطقة المرج (البقاع)، وهو جزء من مشروع متكامل لتزويد عدد من مخيمات اللاجئين في لبنان بمواد عازلة للحرارة، تخفّض استهلاك وقود التدفئة فيها بنسبة 30 في المائة.
في السياق نفسه، تشير المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ليزا أبو خليل، إلى تنسيق بين المفوضية والصليب الأحمر اللبناني والجمعيات الأهلية لتسهيل وصول المساعدات الشتوية العينية إلى المحتاجين اللبنانيين والسوريين في المناطق الجبلية المرتفعة. وتتألف المساعدات من "بطانيات وشودار بلاستيكية وعوارض خشبية لتدعيم الخيم". ويؤكد أبو خليل لـ"العربي الجديد" عدم تسجيل أي حالات وفاة في المخيمات التي تشرف عليها المفوضية".
وكانت المفوضية قد أعلنت، الشهر الماضي، تسليم نحو 145 ألف أسرة سورية لاجئة قسائم خاصة بفصل الشتاء في لبنان، إلى جانب دعم العائلات اللبنانية الأكثر فقراً بأكثر من 18 ألف بطانية و200 موقد و3400 شادر بلاستيكي.
أما في المناطق الساحلية، فقد ألحقت العاصفة أضراراً مادية بالممتلكات، وسط تحذيرات من انهيار الطريق البحري الذي يصل بيروت بشمال لبنان في منطقة ضبيه. وهو الطريق الذي ابتلع البحر أجزاءً منه خلال فصل شتاء العام الماضي. وقد استبق إعلان وزير الأشغال العامة والنقل، غازي زعيتر، العاصفة بالإعلان عن إنجاز "الملف الإداري والفني للطريق البحري بعد تأمين الاعتمادات المالية اللازمة، على أن تبدأ أعمال الصيانة خلال أسبوعين".
إلى ذلك، أغلقت المدارس والثانويات والمهنيات الرسمية والخاصة، أمس الاثنين، بقرار من وزير التربية والتعليم العالي، إلياس بو صعب، "تجنباً للانزلاق والصقيع وتدني الحرارة". يُذكر أن أكثر المؤسسات التعليمية الخاصة والرسمية غير مجهزة بوسائل تدفئة. أيضاً، أغلقت حضانات الأطفال أبوابها بقرار مماثل من وزير الصحة العامة وائل بو فاعور. ولأن بدء العاصفة تزامن مع عطلة نهاية الأسبوع وعدم تمكن طلاب الجامعات من العودة إلى العاصمة من بلداتهم التي زاروها خلال العطلة، أعلنت بعض كليات الجامعة اللبنانية الرسمية تأجيل الامتحانات المُقرّرة، أمس الاثنين، مع الاستمرار في الأعمال الإدارية.
اقرأ أيضاً: ضحكة صغيرة دافئة
القدس المحتلة
وجد المقدسيون أنفسهم، منذ نهاية الأسبوع، في مواجهة العاصفة الثلجية التي تجتاح الأراضي الفلسطينية، والتي من المتوقّع أن تبلغ ذروتها، اليوم الثلاثاء، فيما توقعت مصلحة الأرصاد الجوية الفلسطينية استمرارها حتى الخميس المقبل. وفي حين اتخذت بلدية الاحتلال في القدس إجراءات خاصة بالقدس الغربية ومحيط المستوطنات ونشرت عشرات الآليات وكاسحات الثلوج، تطوّع مقاولون فلسطينيون لوضع آلياتهم في تصرّف فرق المتطوعين المحلية من المقدسيين.
يقول ناصر قوس، وهو من القيادات المقدسية لـ"العربي الجديد"، إن "أكثر ما يقلق المقدسيين خلال هذه العاصفة هو احتمال تسببها بانهيارات أو مزيد من التصدعات في منازلهم بفعل الحفريات الإسرائيلية". ويلفت إلى أنه "في سبيل ذلك ولمواجهة تداعيات غير متوقعة للعاصفة الثلجية، سارعت هيئات محلية وفرق من المتطوعين لإقامة مراكز لتقديم المساعدة الفورية للمتضررين من إسعاف وإنقاذ، توزعت في أنحاء البلدة القديمة في القدس وبلدة سلوان جنوباً وفي الضواحي والبلدات المتاخمة. فيها تسببت حفريات إسرائيلية في العام الماضي، بانهيارات. ويخشى هذا العام من حدوث انهيارات جديدة".
في المسجد الأقصى الذي تجددت اقتحامات المستوطنين له، أمس الاثنين، اتخذت إدارة الأوقاف الإسلامية إجراءات خاصة وقامت فرقها الهندسية بتفقد المساجد والعقارات المتاخمة، خشية انهيارات غير متوقعة. من جهتها، أعلنت المستشفيات حال الطوارئ والجهوزية الكاملة، بينما كانت مديرية التربية في ضواحي القدس وكذلك مديرية تربية المدينة في وزارة التربية والتعليم قد أعلنت تعليق الدراسة أمس واليوم".
الضفّة الغربيّة المحتلة
أما في الضفة الغربية المحتلة، فنجد الطواقم الفلسطينية الأمنية والطبية والدفاع المدني، وكل الطواقم ذات العلاقة، متأهبة لمواجهة المنخفض الجوي شديد البرودة. وتسجّل الحرارة درجات أدنى من معدلاتها المعتادة في مثل هذه الفترة من العام، مع 6-7 درجات مائوية، بحسب دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية.
من جهتها، تقول المتحدثة الإعلامية باسم الهلال الأحمر الفلسطيني، عراب فقها، لـ"العربي الجديد" إن "غرفة عمليات الهلال أعلنت حالة الطوارئ الخاصة بالمنخفضات الجوية، ووزّعت الطواقم الطبية بما يتلاءم معها، بالإضافة إلى عشرات المتطوعين المساندين لفرق الإسعاف في مختلف مناطق الضفة، ومن شأن ذلك تسهيل وتسريع عملية الوصول والتعامل مع الحالات التي تتعرض للخطر". وتلفت، فقها، إلى أن طواقم الهلال لم تتعامل، حتى الساعة، إلا مع حالات بسيطة منذ بداية المنخفض القطبي، مؤكدة جهوزيتها التامة للتعامل مع أي طارئ. ووزّع الهلال مركبات إسعاف رباعية الدفع في المناطق الفلسطينية، حيث من المتوقع تساقط الثلوج بشكل أكبر، كمدن جنوب الضفة الغربية ووسطها.
في السياق ذاته، شكلت غرف عمليات مشتركة في أكثر مدن الضفة وبلداتها لمواجهة الآثار الناتجة عن المنخفض الجوي، مؤلفة من طواقم دفاع مدني وأخرى طبية بالإضافة إلى البلديات والأجهزة الأمنية.
رام الله (وسط الضفة) من المحافظات الفلسطينية، حيث من المتوقع تساقط الثلوج، كانت قد استعدت لاستقبال المنخفض الجوي قبل وصوله وبعد توقّعه من قبل الأرصاد الجوية. لذا شكّلت غرفة عمليات مركزية لها بحسب ما توضح المسؤولة الإعلامية فيها مرام طوطح لـ"العربي الجديد". وقسّمت مدينة رام الله إلى خمسة أقسام، لكلّ واحد غرفة عمليات ميدانية، مع آليات لإزالة الثلوج وفتح الطرقات، خصوصاً تلك المؤدية إلى المستشفيات والمراكز الطبية. ويعمل نحو 120 شخصاً على فترات زمنية مختلفة، لمتابعة الأحداث على مدار الساعة.
إلى ذلك، لم ينطلق الفصل الثاني من العام الدراسي في مدارس الضفة كما كان متوقعاً، وأعلنت أكثرية مديريات التربية والتعليم فيها، تعليق الدروس بسبب الظروف الجوية السائدة وخشية تعرّض التلاميذ لأي مشاكل في أثناء توجههم إلى المدارس، لا سيما في ساعات الصباح الأولى عندما تكون البرودة عالية جداً. ومن المتوقع أن يستمر التعليق أياماً عدّة، إذ إن المنخفض الجوي باق حتى نهاية الأسبوع.
اقرأ أيضاً: ما بعد "سنوزيلا"