للمرة الثانية خلال أسبوع، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نيويورك، أول أمس الأحد، بكل من رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، والمستشار النمساوي سيباستيان كورتس، على هامش الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أيام على لقاء مماثل في القاهرة.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد"، إنّ اللقاء "استكمل المباحثات المصرية النمساوية الأوروبية حول سبل تلقي مصر دعماً مالياً ومهنياً واجتماعياً من أوروبا، كمكافأة لها على نجاحها في وقف موجات الهجرة غير الشرعية على مدى العامين الماضيين، وتحديداً منذ إصدار السيسي قانوناً، بالتنسيق مع إيطاليا، يحظر أنشطة الهجرة غير الشرعية والتسفير من دون ترخيص، ويجفف منابع تمويل الشبكات القائمة على هذا النشاط. فضلاً عن تطوير الجهود الأمنية والعسكرية لمنع تحرّك سفن المهاجرين من موانئ غرب الدلتا وغرب الساحل الشمالي المصري، والتي كانت مصدراً لنحو 60 في المائة من رحلات الهجرة غير الشرعية في الفترة بين 2010 و2015، وفق إحصاءات أوروبية.
وسيكون الدعم الذي يطمح إليه السيسي، وفق المفاوضات الأولية، في صورة "حوافز مالية لمنع تصدير اللاجئين الأفارقة والعرب"، على نسق الاتفاق الذي أبرمته أوروبا مع تركيا منذ عامين ونصف العام.
لكن، وفقاً للمصادر، فكما أنّ هناك قوى أوروبية كإيطاليا والنمسا متحمّسة لمنح مصر تلك الحوافز التي ربما تتجاوز قيمتها مليار يورو، فإنّ هناك قوى أخرى ترى أنّ الحوافز لن تنعكس بالإيجاب على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين في مصر أو المواطنين المصريين الأكثر فقراً، الذين كانوا يمثلون أكثر من نصف عدد المهاجرين غير الشرعيين لإيطاليا تحديداً.
وبحسب المصادر الدبلوماسية، طلب الجانب الأوروبي حصراً دقيقاً لعدد اللاجئين العرب والأفارقة في مصر، وكذلك للمواطنين تحت خطّ الفقر دون 30 عاماً، إذ تمّ الاتفاق على إرسال بعثة من الاتحاد الأوروبي لإجراء بعض الأبحاث عن الأحوال المعيشية في مناطق تجمع اللاجئين، والتأكّد من استفادتهم من برامج الحماية الدولية والإعانات الأممية الموجهة للحكومة المصرية في قطاعات الصحة والتعليم والتموين، تمهيداً لاتخاذ قرار بشأن الدعم المالي المزمع لمصر.
وسبق أن زعمت مصر أنها تستضيف "ملايين اللاجئين" رغم أنّ بيانات إحصائية منشورة على موقع المفوضية السامية للاجئين، تقول إنّ مصر تستضيف نحو 219 ألف لاجئ فقط، منهم 127 ألف مواطن سوري، وعشرات الآلاف من جنسيات سودانية وإثيوبية وإريترية وجنوب-سودانية.
وخصّصت المفوضية في العام الماضي 2017، نحو 72 مليون دولار لرعاية هذا العدد من اللاجئين، وتمّ تخصيص نحو 55 مليون دولار من هذه القيمة للرعاية الصحية والتعليم. وتقدّر المفوضية احتياجات مصر للعام الحالي 2018 بـ 74.5 مليون دولار، تمّ تأمين نسبة 7 في المائة منها فقط، عبر مساعدات إيطالية وهولندية وكندية ومن الاتحاد الأوروبي.
وتعتبر مصر بذلك من أقلّ دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استضافةً للاجئين الذين تعنى الأمم المتحدة برعايتهم، وخلف دول عدة مثل تركيا التي تستضيف أكثر من 3 ملايين لاجئ، والسودان الذي يأوي أكثر من مليونين، ولبنان الذي به أكثر من مليون لاجئ، وحتى ليبيا التي تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ.
لكنّ ما يجعل مصر مهمّة بالنسبة لأوروبا، هو أنها بالفعل تحتضن ملايين الأجانب الذين يتخذونها كمعبر وسيط لتسهيل الانتقال لأوروبا أو أميركا أو أستراليا، أو الذين يتخذونها كوجهة نهائية للاستقرار ويرتبطون فيها بالمواطنات أو المواطنين المصريين ويشرعون في بناء عائلات منفصلة عن بلدانهم الأصلية. وهي ظاهرة منتشرة خصوصاً بين المهاجرين العرب إلى مصر، سواء من فلسطين أو سورية أو العراق.
ولا يدخل الأجانب الموجودون في مصر لهذه الأهداف ضمن تصنيف "اللاجئين"، لأن المفوضية السامية عبر مكتبها في مصر، تتبع معايير محددة لاعتماد صفة "اللاجئ" على الأشخاص محل الرعاية، الأمر الذي قد يؤدي لتغيير مسمى الدعم الذي ينشده السيسي من أوروبا، ليصبح "حافزاً لوقف موجات الهجرة غير الشرعية من مصر وغيرها" وليس لاستضافة اللاجئين.
وأوضح المصدر الدبلوماسي المصري أنّ "الحكومة أجرت إحصاءً هذا العام للعرب والأفارقة الموجودين في مصر، سواء كانت لهم أنشطة مهنية أو كانوا عاطلين عن العمل، طالما كانت بحوزتهم رخصة إقامة في مصر يحصلون بواسطتها على خدمات تعليمية أو صحية أو مرفقية وكذلك الخدمات المدنية والمساعدات القانونية الحكومية، وتم إرسال البيانات أخيراً للاتحاد الأوروبي والدول الأهم فيه".
وطالما استخدم نظام السيسي اللاجئين، العرب والأفارقة، الموجودين في مصر بكثافة منذ عقود، كـ"مصدر فزع" لدفع الدول الأوروبية لقبول سياسات السيسي الماضية، في الطريق المعاكس تماماً لمبادئ الحقوق والحريات والتعددية السياسية، ولإعلان قبولها بالوضع السياسي الجديد في مصر بعد عزل رئيس منتخب لم يكمل ربع فترة ولايته الأولى عام 2013.
وساهمت هذه السياسة في إعلان القوى الأوروبية الكبرى، التي أصبحت أكثر انشغالاً بأزمة اللاجئين بعد فشل ثورات الربيع العربي، اعترافها بالسيسي رئيساً لمصر، وإلغاء بعض الإجراءات الاحترازية والعقابية التي فرضت على مصر بعد انقلاب 2013.
وعمد السيسي خلال زياراته للدول الأوروبية بين عامي 2014 و2015 إلى تسويق قدرة مصر بجيشها النظامي وقوانينها الصارمة، على أن تكون حائط صدّ لموجات اللجوء من الدول العربية والأفريقية، وهو ما كان محلّ تقدير واهتمام من دول كإيطاليا وفرنسا وألمانيا، لا سيما الأولى التي عقدت مع مصر بروتوكولات للتعاون في هذا الملف، على ضوء اهتمامها الاستثنائي بالأوضاع المنفلتة في ليبيا، واحتياجها للمساعدة العسكرية والاستخباراتية لوقف الهجرة غير الشرعية لأراضيها من شمال أفريقيا. بل إنّ تعاون روما والقاهرة في هذا الملف، كان إحدى الركائز التي قام عليها التعاون السري بين السيسي وبعض الدوائر اليمينية في البرلمان الإيطالي، وخصوصاً المتشددة إزاء التيارات الإسلامية والمهاجرين غير الشرعيين، وذلك للضغط على حكومة باولو جينتيلوني لإعادة السفير الإيطالي للقاهرة في أغسطس/آب 2016، رغم استمرار تعثّر التحقيقات في قضية مقتل الشاب الإيطالي، جوليو ريجيني، في فبراير/شباط 2015.
والاتفاق الذي يطمح السيسي إليه أشبه بالذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا لرعاية اللاجئين عام 2016، والذي اعتبرت ألمانيا أنّه نجح في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة، مع تحسين أوضاع اللاجئين السوريين، وتقليل عدد المتسرب منهم لأوروبا.
وتلزم الاتفاقية تركيا باستقبال كل لاجئ وصل منذ 20 مارس/آذار 2016 إلى اليونان، وفي المقابل يلتزم الاتحاد باستقبال لاجئ سوري شرعي بدلاً عن كل لاجئ تتم إعادته إلى تركيا، وتمويل مساعدات للاجئين الذين يعيشون فيها.
لكن الاتفاقية مازالت في مرمى الانتقادات الحقوقية التي تستند إلى أنها تسببت في احتجاز آلاف المهاجرين في الجزر اليونانية في ظروف سيئة ومتوترة، فضلاً عن تهديد تركيا مراراً بإلغائها بسبب عدم تلقيها مبلغاً قدره 6 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي، إذ تزعم أوروبا أنّها سدّدت نصف المبلغ، وتقول أنقرة إنها لم تتلق أكثر من ملياري دولار.