شرائح إلكترونية تحت جلد المواشي في تونس

02 اغسطس 2017
274 ألف مربي ماشية في تونس (العربي الجديد)
+ الخط -
الفلاحون في تونس محارَبون في رزقهم، وبالرغم من تعبهم ومعاناتهم تتسلّط عليهم عصابات تسرق مواشيهم. مشروع قانون برلماني قد يحمل تغييراً في تصديه للعصابات، إذ يدعو إلى زرع شرائح تعقب إلكترونية تحت جلد المواشي

تمثل سرقة المواشي في تونس ظاهرة خطيرة تؤثر بشكل كبير على صغار الفلاحين خصوصاً، وعلى قطاع تربية الماشية ككلّ. فبعدما كانت السرقات تجري في حالات نادرة على الحدود مع الجزائر أو ليبيا لتهريبها، تشكلت في السنوات الأخيرة عصابات متخصصة في سرقة المواشي في كافة جهات البلاد. وباتت السرقات تجري في وضح النهار. وتشير وزارة الداخلية إلى تسجيل أكثر من 778 قضية سرقة مواشٍ خلال النصف الأول من العام الجاري، مقابل 1876 قضية خلال العام الماضي. كذلك، بيّنت إحصائية شملت محافظات القيروان ومنوبة وقابس أنّ سرقة المواشي كلفت خسائر بـ1.5 مليار دولار أميركي.

لم تعد السرقات تشمل المناطق الريفية أو الحدودية فقط، بل تشهد كلّ محافظات البلاد عمليات سرقة كبيرة لمواشي الفلاحين الذين نظموا في أغلب الجهات وقفات احتجاجية أمام المقرات الجهوية لاتحاد الفلاحين، مطالبين بإيجاد حلول وتعزيز تواجد رجال الشرطة، خصوصاً في المناطق الريفية أو تمكينهم من اقتناء بنادق صيد للدفاع عن ممتلكاتهم.

صالح العيفي فلاح في منطقة النفيضة بمحافظة سوسة تعرّضت مواشيه مرتين للسرقة، فخسر في العمليتين 35 رأس غنم. لم يتمكن من حماية ممتلكاته أو استرجاعها، ويشير إلى أنّ عملية السرقة جرت نهاراً باستخدام الأسلحة البيضاء وبنادق الصيد، كما شملت مواشي فلاح آخر بالقرب منه. يشير العيفي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ أغلب الفلاحين اليوم غير قادرين على حراسة ممتلكاتهم، لعدم امتلاكهم بنادق صيد أو أيّ وسيلة أخرى للدفاع بها عن النفس.

يبلغ عدد مربي الماشية بحسب إحصائيات وزارة الفلاحة 274 ألفاً، باتوا غير قادرين على تأمين إنتاج اللحوم الحمراء كما كانوا من قبل، بنتيجة الأضرار التي يتكبدونها، بعدما أصبحت سرقة الأغنام عملية يومية. ولا يمكن لصغار الفلاحين في المناطق الريفية تعويض ما يسرق منهم.

بدورها، نبهت المنظمات الفلاحية من خطورة الوضع في تونس منذ خمس سنوات، وما يشكله من خطر على الفلاحين وعلى قطاع تربية الماشية، خصوصاً أنّ السرقات لم تعد تشمل فقط المواشي بل باتت تشمل مضخات الريّ وغيرها من أدوات الفلاحة، والمحاصيل. وطالبت المنظمات بسنّ قانون لحماية الفلاحين ودعوة النواب إلى الإسراع في النظر والمصادقة على مشروع القانون المقترح عليهم لوقف هذه الظاهرة.

من جهته، يشير مدير وحدة الإنتاج الحيواني باتحاد الفلاحين منور الصغيري لـ"العربي الجديد" إلى تراجع الاستثمار في قطاع تربية الماشية بنسبة 7.3 في المائة خلال خمس سنوات من 2010 إلى 2015، نتيجة فقدان الثقة في هذا القطاع وما يمكن أن يحققه من أرباح. يحذّر كذلك من هجرة الأرياف نحو المدن خوفاً من التعرض للسرقة والنهب.

وبالرغم من تمكن الوحدات الأمنيّة من القبض على عشرات عصابات سرقة المواشي، لكن يصعب كشف البقية خصوصاً أنّ عصابات سرقة المواشي تبيع ما تسرقه في أسواق بعيدة عن المنطقة التي حصلت فيها عملية السرقة. كذلك، تنقل المواشي من خلال مسالك ريفية جبلية بعيدة عن تلك التي تتمركز فيها العناصر الأمنية، بالإضافة إلى صعوبة فرز الأغنام المسروقة واكتشافها. وهو ما دفع البعض إلى المطالبة بزرع شرائح إلكترونية تحت جلد المواشي لتقفّي آثارها عند السرقة.

في هذا الإطار، بادرت حركة النهضة، الشريكة في الحكومة، إلى تقديم مشروع قانون خاص بحماية الفلاحين من السرقات. يشير النائب معز بن رحومة من حركة النهضة، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه مع ارتفاع عدد الشكاوى في مختلف محافظات البلاد بسبب تشكيل عصابات منظمة تسرق مورد رزق الفلاحين، ونظراً إلى أنّ العديد من القضايا فيها تخفف عقوبتها، فقد جرى تقديم مشروع جديد يسلط عقوبات أكبر على مقترفي السرقات، إلى جانب التأكيد على زرع شرائح إلكترونية تحت جلد المواشي. وقد حصلت المبادرة على موافقة مبدئيّة من وزارة تكنولوجيات الاتصال لإجراء التجربة في محافظتين.

يذكر أنّ لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات في البرلمان تتهيأ لمناقشة المبادرة التشريعية. ويتألف مشروع القانون من أربعة فصول اتسمت في مجملها بتشديد العقوبة على مقترفي جريمة السرقة في الميدان الفلاحي، لتصل إلى 5 سنوات سجناً، لا سيما أنّ إطلاق سراح السارق وفق القوانين الحالية بعد انقضاء مدة 6 أو 8 أشهر لم يحلّ المشكلة، بل عرّض الفلاحين الذين يتقدمون بشكاوى إلى انتقام المجرمين. النقاش العام داخل البرلمان شمل كذلك مقترحات عديدة من بينها ضرورة اعتماد ترقيم المواشي، وتوسيع أحكام القانون إلى كلّ المنتجات الفلاحية وليس المواشي فقط.
دلالات