سبق أن برز اسم جورج نادر، رجل الأعمال الأميركي من أصل لبناني، في سياق التحقيقات بملف التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأميركية، لكن هذه المرة ورد ذكره كلاعب وبصفته مستشارا لحكومة أبوظبي. وكان ذلك كافياً لتتسلط الأضواء على دوره في هذه القضية بصورة مكثفة.
وزاد من الاهتمام أنه جرى التحقيق معه وأبدى استعداده "للتعاون" مع المحقق الخاص روبرت مولر حول مهمته كناقل رسائل بين أبوظبي وحملة دونالد ترامب الانتخابية، فضلاً عن اجتماعاته مع فريق الرئيس الأميركي بعد فوزه وحضوره اجتماعاً سرياً "بترتيب إماراتي" بين الروس وأعضاء من هذا الفريق في جزر سيشال بالمحيط الهندي. دوره هذا تقول المعلومات المتداولة إنه ربما يكون قد شمل تمرير أموال إماراتية إلى حملة ترامب الانتخابية. والتمويل لو ثبت، يطاوله القانون الأميركي من زاوية أنه تدخل غير مشروع في العملية الانتخابية الأميركية.
ومع أنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا إذا كان قد جرى التثبت من هذه الناحية، إلا أن ما تردد عن قبول جورج نادر "بالتعاون" مع التحقيق، يعني أنه مستعد للبوح بما عنده في هذا الشأن سلباً أم إيجاباً. علماً بأن "المتعاون" في مثل هذه التحقيقات، يضع عنقه تحت سيف القانون وينال عقوبة صارمة تمتد إلى سنوات في السجن، لو نكر أو حجب أو بدّل في الحقائق والوقائع، لا سيما إذا أدلى بإفادته تحت اليمين أمام هيئة المحلفين التابعة للمحقق. والمعلومات تفيد أنه قد فعل ذلك. والمعروف أيضاً أن القضايا التي وضع يده عليها محقق خاص، مثل ووترغيت ومونيكا غيت وإيران –كونترا غيت، تكشفت كافة خباياها وأسرارها وحقائقها ولم يفلت منها أي من المشاركين.
بصرف النظر عن مدى صحة الشبهة المالية المرتسمة فوق نادر ودوره، إلا أن القصة أوحت بأنه تفوح منها رائحة "شراء نفوذ"، أو على الأقل، هي تركت مثل هذا الانطباع في أوساط المراقبين والمعنيين، فور توالي المعلومات بشأنها، خاصة وأن اجتماع جزر سيشال واللقاء في برج ترامب في نيويورك قبل تسلم ترامب لمهامه، سبق وانكشف أمرهما.
لماذا تولى نادر هذه المهمة؟ هل قام بها لتمرير أموال لحملة ترامب؟ هل كان في الأمر مقايضة؟ لماذا أوقفت "أف بي أي" نادر في مطار واشنطن الدولي – دالاس – في يناير الماضي وسلمته الاستدعاء القضائي للتحقيق معه، وبقي لمدة ساعتين قيد الاستنطاق مع تجريده من حاسوبه وهاتفه؟ هذه الأسئلة عززت الشكوك وأنه إذا كان لا دخان من دون نار فإن في الأمر مجازفة خطرة. قد تكون هذه النار من نوع المحاولة التي لم تتحقق وأنها قد جرت بهدف كسب مساحة من النفوذ في إدارة ترامب. وقد تكون أبعد من ذلك.
لكن الدخول أصلاً في هذا النفق، عملية محفوفة بالمخاطر، أو على الأقل بالفشل. وهناك تجارب سابقة في واشنطن من هذا النوع ولو أنها جرت بطرق أخرى، لم تكن نتيجتها سوى الخيبة. كانت من أبرزها تجربة السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان. فليس هناك في واشنطن من عاصر فترة تجربته إلا ويعرف أنه حاول "شراء النفوذ" وتلميع الصورة ولو بطرق مشروعة وإن "ملتوية" أحياناً، مثل التبرعات لمؤسسات قانونية فضلاً عن حالات التكريم والضيافة الباذخة والمساهمات، وغير ذلك من الأساليب. لكن محاولته بقيت بدون جدوى. كان سخاؤه يتبخر فور انتهاء الحدث والصورة بقيت مكانها.
اليوم وفي حالة نادر، المسألة أخطر في حال تمكن المحقق من توثيق التدخل المالي مقابل التأثير في سياسات الإدارة، فهذه عملية تترتب عليها عواقب جزائية فضلاً عن تبعاتها السياسية.
"شراء النفوذ" في واشنطن وهم ومغامرة مكلفة وخاسرة. ليس لأن العفة تقف في طريقه، بل لأن مثل هذه العملية محكومة بالانفضاح من خلال المؤسسات القضائية والإعلامية والسياسية التي أثبتت قدرتها على فضح مثل هذه المحاولات. خاصة إذا كانت من الصنف الباهت ولا تستوفي شروط التعقيد العالي، كما هو حال عملية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.