شخصية "أم محمود" وواقع الحجر الساخر

27 مارس 2020
فيديوهات "أم محمود" نُشرت سخرية من الظرف الراهن (يوتيوب)
+ الخط -
منذ أكثر من شهر، يعيش العالم بأسره حالة الحجر المنزلي، بسبب تفشي فيروس "كورونا".
الضياع والرعب يلُفّان أنحاء العالم، لكن الهروب من هذا الواقع إلى المنزل والبقاء ضمنه تحوّل إلى يوميات وحال من التواصل أو التفاعل بين الناس، وزادت روح الفكاهة والنكات، فشاهدنا رب الأسرة الذي كشف عن مواهبه في الطبخ، وآخر في الرقص، وغيرهما الكثير.
لكن، ما كان لافتاً هو التغيير الذي طرأ على كثير من المتابعين أو المحاصرين داخل المنازل، وكان عنوانه العريض الوحدة، أو رحلة غير متوقعة في البحث عن الذات.

في عام 1997، عُرض مسلسل "جميل وهناء" من إنتاج الشام الدولية، كتابة زياد نعيم الريس، وإخراج هشام شربتجي، وبطولة أيمن زيدان والممثلة المعتزلة نورمان أسعد، وسامية الجزائري. من دون شك، فإن دور الممثلة سامية الجزائري في هذا المسلسل، بجزأيه الأول والثاني، كان تحولّاً في المسلسلات أو الدراما الكوميدية، تحديداً لما حمله الجزء الأول من المسلسل في شخصية "أم محمود"، المرأة التي مات زوجها، وهاجر وحيدها إلى "خورفكّان"، وتعيش عزلة في منزلها المتواضع. تخاف الجوع بداية بسبب قلة المدخول، وتحاول جاهدة اقتناص الفرص لتوفر مصاريف الغذاء الذي تحتاجه عن طريق جيرانها، ومحيطها في المبنى الذي تسكنه.

تبدو سامية الجزائري التي ذابت في الدور امرأة يائسة، ربما فقدان الزوج وغياب الولد عنها دفعاها إلى التحول إلى امرأة استقوت بـ"الوحدة"، فهي في معظم المشاهد تخاطب كائنات لا نراها بالعين المجردة، تسُبّ وتشتم، وتتلهى وتضحك، وكأنها توحي بأن منزلها مسكون بالعفاريت، لكن أمام التحليل النفسي لحال "أم محمود"، فالواضح أن الوحدة التي تعانيها والبحث عن ملاذ يقيها الجوع والعوز، والخوف، هي الدوافع الحقيقية لحوارها اليومي، مع "الأشباح" المضحكة.

الوحدة هنا تكمن في صورة امرأة لم يبق لها أحد، استهزأت بكل شيء، لكنها تحاول التغلب في "انفصام" بين بعض المواقف المضحكة مع جيرانها على كل ذلك، ليبقى همها الأوحد هو تأمين لقمة عيشها والتخفيف من المصاريف الشهرية، التي تضمن لها حق البقاء.
اليوم، وبعد أكثر من 20 عاماً على إنتاج المسلسل، تأتي المفارقة عبر نشر أو تحديث كبير لعدد من المتابعين حول مواقف "أم محمود" واقتصاص مجموعة من المشاهد من مسلسل "جميل وهناء" وحوارات "أم محمود" مع الكائنات غير المرئية في المنزل، وإسقاطها على واقع الحجر المنزلي الذي يحملنا، في ظلّ كورونا، إلى الملل بالدرجة الأولى أو البحث عن منفذ آمن، يخرجنا من القمقم، ويرجعنا للحياة الطبيعية، كما كانت سامية الجزائري تبحث للخروج والهروب الى الضوء.


ثمة واقع مؤلم نعيشه يحمل كل خوف "أم محمود" من الوحدة والعوز المادي، ونحن نقترب من شهر ثانٍ من الحجز المنزلي الاحتياطي، وربما هذا ما دفع البعض إلى استنساخ حوارات المسلسل أو بعض المشاهد المضحكة المبكية في آن، لتبيان واقع يبدو أنه أسوأ مما طمح إليه مخرج مسلسل "جميل وهناء"، المتحكم في شخصية فذة أدّتها سامية الجزائري بحرفية عالية، في حين أنه تمثيل ونحن نعيشه اليوم حقيقة.
المساهمون